منذ اكثر من ستة عقود، زاول الفنان سعدي الكعبي فن الرسم، محققا بذلك حضورا منظورا ضمن المشهد الفني و التشكيلي في العراق، فقد واكب الفنان سعدي الكعبي جماعة الرواد و جيل جواد سليم، و شارك معهم في اهم المعارض الفنية انذاك.&
وعلى مدى تجاربه الفنية المتنوعة، فان سعدي الكعبي انشغل بمواضيع الانسان و تحولاته المختلفة، بيد انه هذا الانسان يبدو متجردا عن صفاته الشكلانية وذلك لان الفنان منذ بداياته المبكرة كان مهتما باكتساب الرؤى الجديدة والمواقف الفلسفية المعنية بفهم الجدوى من الحياة، والمعروف عن حقبة بداية الستينات بانها كانت صاخبة وضاجة بالمواقف الهامة، تبعا للاحداث السياسية الملتهبة والمفارقات في حياة الانسان الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعلى هذا الاساس فان الفنان سعدي الكعبي اخذ دوره ضمن حدود حلبة الاشتباك الثقافي والفني، مجسدا الانسان في كل حالاته وتحولاته فبدا و كانه خطوطا خارجية ل(شاخص) وبصراحة فان ثمة تاثير متات من خلال الافكار الوجودية والعدمية وربما من صلب الافكار العبثية.&
ان المتطلع لسلسلة التطور الديناميكي للفنان سعدي الكعبي، سيكتشف حتما وجود عناصر التاثير الفكري والرؤيوي الى جانب انشغالات الفنان في الامور الفنية والتقنية على حد سواء، واللافت للانتباه بان سبل الاشتغال الفني تبدو و كانها سياقات متشابهة او متقاربة، بيد انها متباينة لدرجة التقاطع، لاسيما اذا انعمنا النظر بدقة، متفحصين كل العناصر الداخلة في بنى الاعمال الفنية وبخاصة المواد الخام والتي يطلق عليها بالمواد الملموسة وانساق الاشكال في عمليتي البناء والتقويض والانتباه لقيم المواضيع المتفاعلة مع ماتمليه ارادة الحياة، وعلى وفق هذه العناصر، سوف نسبر في افكار الفنان واخيلته و قصوده و نظرته الاستشرافية للغد، فكيف لنا اجراء هذا الخوض؟
يجمع الدارسون للفنون ونقاد الفن على اعتبار ان المواد الخام، ماهي الا وسائط لنقل ما يعتمل في ذات الفنان من افكار واخيله وحالات من الشعور والاحساس، وان اليد التي تحرك هذه المواد ماهي الا اداة العمل لاستخراج الكوامن من داخل الفنان، و بهذه الحالة فان المواد الخام و سواء كانت مصنعة اصلا لانجاز الفن ام ان الفنان يحاول ابتكارها واستثمار طاقتها التعبيرية، وبهذا المعنى فان المواد الخام عنصر اساسي يدخل في بناء الاعمال الفنية ولكنه متيسر في كل الاحوال، غير ان مميزات البحوث الفنية تكمن في الية العمل وسبل الاداء الفني و التقني المقبول بصريا، والشكل ماهو الا حاضنة لجمع اللقى من داخل ذات الفنان او انها تمثل وحدات صورية او اشارية موضوعة ضمن القاموس الشخصي للفنان صاحب المنجز والاهم من كل الاشياء هو: الكيفية التي تتيح لصناعة الفن المعبر عن الذات بدون اسقاطات.
يبدو لي: ان الفنان سعدي الكعبي لن يحيد عن المواضيع التي تزاوج بين النهجين التعبيري والتجريدي، كما انه لم يهمل المواضيع المسوغة بالقيم الانسانية، مؤكدا على قيم المواضيع الباقية: مثل مواضيع الموت والولادة ومواضيع البطولة الفردية ومواضيع التيهة في عالم العشق وهكذا من المواضيع المؤكدة على القيم الازلية، ولكن كل المواضيع المكرسة للانتباه البصري ومهما تكن انماطها ومرموزاتها الا انها لا تاخذ فاعليتها وحيويتها كما ينبغي ما لم تكن مسوغة بمؤهلات العمل الفني الناجح، ولابد ان تكتمل الصورة وان تحفى بمغزى رؤيتها، الا من خلال الاداء الفني المتقن والفنان سعدي الكعبي عندما يشتغل على المواد الخام ويعمل على تحريرها، انما ذلك يلزم اجراءات عديدة تعنى بمفهوم الرسم بطريقة (الطبقات) اي ان الفنان عندما اختار اسلوب عمله المعهود، انما كان يجري على العمل الفني الواحد عدة اجراءات تقنية واستثمار طاقة المواد المختلفة وصولا الى تقنيات مشفرة لا يمكن لاي فنان ادراكها ولو ان اي فنان حاول الخوض في سبله الادائية فسرعان ما يسقط في فخ لن ينجو منه ابدا، فهل ان خصوصية العمل الفني عند سعدي الكعبي تتاتى من خلال الجوانب الادائية و التقنية فقط؟
من المؤكد بان توظيف المواد الخام وسبل تحريكها ماهي الا تجارب يمر بها الفنان من اجل تاكيد غاياته الابعد وهي ليست خلاصة وغاية &قائمة بذاتها، ولذاتها والاشكال لدى سعدي الكعبي تبدو، مشيدة على الاسس السليمة في فن التصميم، مراعيا مدى التاثير البصري وتوزيع الكتل والفراغات على نحو لافت للانتباه والخلاصة التي يروم الوصول اليها تكمن في انتقائه للمواضيع ذات المغزى الجوهري الذي يعني ضخ المزيد من الطاقة التعبيرية على العمل الفني الواحد، مكسبا هذا العمل وحدة انسجام موضوعية وكلية تؤاصر بين مختلف عناصر العمل بحيث يبدو العمل منسجما و مشبعا بالفن والرؤى الفكرية والمواقف الفلسفية التي تقبل التأويل والقراءة على انحاء مختلفة، وبهذا المعنى فانه يعمل على تاليف نص صوري مفتوح ومرسوم الابعاد مسبقا ويحفى بقصود وغايات على درجة عالية من الرهافة والحساسية. &&
&