&اثارت &مسرحية ستربتيز (striptease) على خشبة المسرح الوطني ببغداد اعجابا الكثير من المتلقين على اختلاف مستوياتهم الثقافية لانها استطاعت ان تعري الواقع العراقي باسلوب جميل.
&
&على مدى خمسة ايام متتالية ، قدمت فرقة مسرح بغداد للتمثيل ،وبالتعاون مع دائرة السينما والمسرح مسرحية (ستربتيز) &تاليف مخلد راسم وفكرة واخراج الفنان علاء قحطان. سينوغرافيا علي محمود السوداني. ومن تمثيل احمد شرجي وياسر قاسم ووسام عدنان وهند نزار وعامر نافع ،التاليف الموسيقى للفنان زيدون حسين . والإدارة المسرحية لمحمد سامي والفوتوغراف للففنانين الحسن فهمي ونبيل الاسمر .وتصميم البوستر للفنان سيف مضاء .
تناولت المسرحية حكاية عائلة عراقية تعاني من تفكك افرادها ، فالعلاقات الاجتماعية فيما بينهم سيئة جدا وكل فرد لديه طموح خارج حدود الجماعة فيما الاب غير قادر على ان يفعل شيئا لاعادة الاسرة الى ارتباطها ، ومن خلال ذلك وعبر الحوارات التي تجري بين الاب والاولاد الثلاثة والبنت يجري التطرق الى الواقع الحياتي للانسان العراقي على مختلف الاصعدة لاسيما تأثيرات الحروب والفساد والسياسة التي ادت الى ان يتحول الانساني العراقي الى وحش !!، وحيث تجتهد المسرحية في تعرية الذين تصدوا للحكم بعد عام 2003 والذين خذلوا الناس واوصلوهم الى اسوأ الاحوال.
يجب الاشارة الى الاداء الرائع للممثلين الذين اجتهدوا في تقديم ادوارهم لاسيما الفنان الكبير احمد شرجي الذي تألق في تجسيد شخصية الاب الحائر المشتت المرتبك الذي لا يقوى على ان يلم شمل اولاده او يجعلهم ينصتون الى ما يقوله وان كان في مصلحتهم .
&
نمط جديد&
&فقد اكد الفنان سنان العزاوي ان موضوع المسرحية مهم واختيار المخرج له جريء، وقال : العمل بمثابة مواكبة لتفاصيل العائلة العراقية غير المعلنة في الشارع العراقي ،فهناك الكثير من العوائل العراقية اصابها التفسخ باعتبارنا مجتمع اسلامي منغلق احيانا ولا نستطيع طرح هكذا مواضيع بشكل مباشر.
واضاف: هذا التفسخ لم يأت بشكل اعتباطي بسبب ما مر به الشعب العراقي من حروب كثيرة وحصار اقتصادي تركت تبعاتها وهذا لا يزول بليلة وضحاها ، والاهم من هذا اننا نواجه قضية خطرة جدا في المجتمع العراقي وهي هبوط نسبة الانسنة عند الفرد العراقي وصعود نسبة الحيونة ، وبالتالي كل شعوب العالم تأكل لكي تفكر بينما نحن نفكر كيف نأكل وهذا ما ادى الى تفسخ العلاقات الاجتماعية حتى في داخل البيت الواحد حيث كل واحد انشغل بهمومه ويفكر بيوم غد لكي يحصل على لقمة عيشه منه، هذا من الجانب الفكري .
وتابع:اما على صعيد الاشتغال المسرحي فأنا متابع للعرض خلال ايامه الخمسة، وأود ان اقول ان المتلقي العراقي لم يتعود على هكذا لا نمط بل متعود على تلقي نمطي ومتعود على مفهومية الاداء الجاهزي الانفعالي، هنا توجد قراءة ما بين السطور في الاداء والتمثيل وهناك رؤية مغايرة في تأسيس الصورة المشهدية على صعيد ايقاع المشهد وحركة المشهد ،فالايقاع ليس حركة (ميزانسية) وايقاع حركي ولا هو ايقاع صوتي لدى الممثل ، فالاشتغال كان مغايرا ،وبالتالي اصبح اختلال بين المرسل والمرسل اليه &،اي قلت المسافة الجمالية بين العرض والمتلقي ، فالمتلقي العراقي غير متآلف مع هكذا نمط ،وعلينا ان نثقفه على هكذا عروض بشكل مستمر وليس على مستوى تجربة او تجربتين .

كشفت الحرية والارادة
اما الفنان والناقد سعد عزيز عبد الصاحب فقد حيا ملاك عمل المسرحية لروعة ما قدموه ،وقال :يشي مدلول العنوان بأننا سنكون امام عرض مسرحي تسكنه (الفضيحة) بوصفها عنصرا مهيمنا يكتسي به المضمون والشكل المبنى والمعنى على حد سواء ، طالما نحن امام تجرد وتعر مطلق كما يعبر العنوان ، فكل شئ مباح يغري التلقي بتوقعه منشدا اليه بطريقة العرض show واليات تمسرحية (تقديمية) وليس (ايهامية)، فجاء المتن الحكائي منفتحا على (الاسرة) وعلاقاتها التي تختزل تاريخية المجتمع ، والتي دعى اليها (هيغل) في قراءته للميراث الدرامي الاغريقي ،بوصفها تجمعا صغيرا متاثرا بالمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعصف بالمجتمعات ومعيارا لقياس هذه التغيرات .
واضاف: ان هيكل المبنى المسرحي الذي تأسس في نص /عرض مسرحية (ستربتيز) يقوم على تكرارية لالبومات لنصوص سابقة خاصة على صعيد الحكاية ، تحاول جاهدة ان تحيط وتصور مجريات الاحداث السياسية والاجتماعية ومتغيراتها بعد عام 2003 بشكل عام شمولي بانورامي دون الاخذ بمقطع عرضي واحد على الاقل لهذا الزمن الواسع بتحولاته السسيوـ ثقافية المتسارعة وسبر اغواره لفضحه والكشف عن مضمراته .. ولا اجد ضيرا في ذلك فشكسبير يضغط حقب وسنوات مديدة في نصه المسرحي ولكن الاهم هو كيفية ادخال الزمن الواسع في حبكة محكمة البناء . وعلى الرغم من كل الملاحظات اشر العرض بشجاعة بالغة للكثير من المشكلات والعلل الاجتماعية كمشكلة (الحرية) و(الارادة) ووجهة النظر الواحدة ، والراديكالية الدينية المتطرفة ، وقبول الاخر مهما كان توجهه الايديولوجي ولونه وجنسه ودينه ...انها بحق علل ومشكلات عضوية حقيقية تغزو وتنخر جسد مجتمعنا وحواضن دافئة تفقس افكار الارهاب والتطرف والعنف..
وتابع:احيي بشدة الممثلين جميعا لوثوقهم بان المسرحية لا تنتهي بنهاية العرض الاول فهي فضاء لا نهائي مفتوح على الحوار والاقتراح والاخذ والرد والهدم والبناء ، وصولا لصيغة مقبولة من الجميع ، اشد على يد المثلين احمد شرجي لوضوح صوته وثباته على الخشبة وضبطه لكاركتر الشخصية الصوتي والحركي وكذلك ياسر قاسم لحضوره اللافت في اداءه لدور الابن الراديكالي ووسام عدنان في اداءه للابن الرومانسي العلماني ، وهند نزار لحركتها الرشيقة ووضوح جملها المنطوقة وصمتها المعبر واخيرا اخر العنقود في العائلة عامر نافع لسلاسة حضوره وفهمه لابعاد دوره وتبنيه مهما كان قصيرا .
&
حبكة مسرحية مرموقة
من جانبه قال الناقد المسرحي طه رشيد: المسرحية جملة وتفصيلا ليس لها علاقة بالعري الجسدي إلا انها تغوص عميقا في الواقع العراقي وتخرجه إلى العلن بحبكة مسرحية مرموقة وتنشره على حبل غسيل، بطريقة إخراجية فيها من التألق والإبداع الكثير، أمام الجميع من خلال كشف العلاقات المتشابكة داخل العائلة العراقية بين الأب ( الفنان د. أحمد شرجي يقوم بدور الأب بعد انقطاع عقدين عن خشبة المسرح الوطني بسبب غربته التي أثمرت عن شهادة عليا في الفنون المسرحية) وأبنائه الأربعة: الفنانون الشباب ياسر قاسم وهند نزار وعماد نافع ووسام عدنان.
واضاف: هذه المجموعة من الشباب تأليفا واخراجا وتمثيلا وسينوغرافيا ( المبدع علي السوداني ) آمنت بالدور التثقيفي للمسرح، وامنت بأن للمسرح رسالة إنسانية لا بد من إيصالها إلى الآخر، وأن المسرح هو اهم وسائل إعادة إنتاج الوعي إلى المتلقي وليس ساحة للعب او التطهير فقط. وبان المسرح، اخيرا، يستطيع ان يشكل سلاحا مرادفا للبندقية التي يحملها أبناء القوات المسلحة وابطال الحشد الشعبي ومقاتلو البيشمركة وكل الغيارى على هذا الوطن، الذين يقاتلون قوى الإرهاب الظلامية سواء كانت المدججة بالمفخخات مثل داعش، او من تلبس فكرها ولا يريد للحياة ان تورق عن حدائق وزهور.
&
&تعرية الواقع
الى ذلك اكد مخرج العمل علاء قحطان وقال : ببساطة شديدة لمن لا يعرف (ستربتيز) هو يعني الرقص حد التعري ، انا فككت المصطلح ، ونحن انطلاقا من مفهوم التعري ، انا اعتقد اليوم ان نسمي الاشياء بمسمياتها، اي ان نعري كل الاشياء، فليس من المنطقي ان الوضع العراقي لم يستقر منذ 2003 الى هذه اللحظة ولا لدقيقة واحدة ، وعليه يجب ان نعري .
واضاف: ستربتيز .. كانت تعرية على جميع المستويات ،للسياسة، للثقافة، للدين، للفكر ، للانسان نفسه ، ستربتيز تناقش الوحش الموجود داخل كل انسان ، هذا الوحش الذي ظهر بعد 2003 ،فكانت الاسئلة كبيرة مجسدة في هذه العائلة المفككة والتي توجد التقاطعات بين افرادها وام .. تخرج من البيت ولم تعد.
وتابع: ما اردنا ان نقوله ان هذه العائلة هي الوطن لكن الرسالة المهمة التي اردنا ان نقولها ان بغداد لن تتعرى والعراق لن يتعرى بل ان من يحكمون العراق هم الذين سيتعرون.
وختم بالقول: خلال ايام العرض الخمسة كنت سعيدا بحضور الجمهور الكبير لمشاهدة العرض وهو جمهور مفرح حقا وكنت اتمنى ان اقدم العرض لعشرة ايام او 15 يوما كي نعوّد الجمهور &بدل العرض ليوم واحد او يومين .
&