&

ترجمة: &د. محمد عبد الحليم غنيم&
&
وقف أرثر أمام البوابات المغلقة، وانتظر مجيئ الرجل، لقد حضر اليوم مبكراً، إنه متشوق للبدء فى البحث، فرك يديه كى ينشط دورته الدموية وهو يتطلع بعمق عبر القضبان الحديدية الثقيلة، وأخيراً جاء الرجل، لفتح البوابة، جذب الدرفة الحديدية الثقيلة، فانفتحت البوابة فى بطء، ثم قال:
- صباح الخير، يا ألبرت، كيف حالك &اليوم؟
- بخير&
&عند ذلك قال الرجل مشجعاً.
&- يمكن أن أيكون هذا .. أعتقد ذلك؟
&- أى... آه، شكراً، نعم، يمكن أن تكون على حق.
& ابتسم ألبرت بينما عاد الرجل إلى غرفة البوابة.أما ألبرت فمشى ببطء عبر الطريق الرئيسى، ثم توقف فجأة. لم يستطع أن يتذكر المكان الذى توقف عنده فى البحث أمس. لم تعد ذاكرته كما كانت عليه من قبل. دس يده فى جيب المعطف وأخرج خريطته، نظر فى آخر ما سجله عليها: جوان ماكلود 23 سبتمبر كان هذا منذ ثلاثة أيام، لعله نسى أن يحدث مفكرته أو ربما لم يأت إلى هذا المكان مطلقاً، قال فى نفسه:
- أنت أحمق وغبى يا أرثر !
هز كتفيه وأضاف&
- أوه، حسناً، يجب أن أبداً من السيد ماكلود.
& & &ثم شق طريقه إلى المنطقة المطلوبة، مستخدماً الخريطة، وبدأ البحث، وبمجرد أن انتهى من الصف الأول، اختلت ركبتاه، فجلس على مقعد قريب. ودلك ساقيه. ثم قال فى نفسه " حان وقت الشراب " وعلى الفور فك أزرار معطفه وأخرج نصف زجاجة من جيب البدلة العلوى. احتتسى رشفتين وقفل الزجاجة، واستمر يقول لنفسه: " من الأفضل ألا أكثر من الشراب وإلا تهت مرة أخرى " &وبعد ذلك فتح لفافة الغذاء، كانت تحتوى غذاءه المفضل، لحم ضأن بالبصل والمستردة، وأخذ يفكر فى أيامه الماضية وهو يمضغ الساندوتش، أحياناً يستطيع تذكرها بوضوح، وجهها وقد تجسد أمامه، عينيها، فمها وهو يبستم إليه. لكن أين تلك الأيام حيث كان يستطيع تذكر صورها بوضوح تام. كان عليه أن يدون تلك الأشياء، لكن من الصعب القيام بذلك طوال الوقت.
& & &فجأة بدأ يشعر بالهلع، لقد نسى اسمها، وكان هذا هو هلعه الأكبر.

(2)
& & & & - " ماذا كان اسمها أجينس؟ &إدنا؟ .. لا... ليس هذا صحيحاً... أليس؟
& & تطايرت الأسماء فى رأسه، فدخلت وخرجت، لكن لا أحد منها يبدو صحيحاً تماما. ثم خبط على رأسه، وقال:
&- أغثنى بذاكرتى يا الله... مجرد التفكير...
ثم أضاف وهو يحك جبينه:&
- .. إليزى... أماندا.


& & لم يجد الدعاء، الشئ الوحيد الذى استطاع أن يفعله هو الاستمرار والأمل فى أن يطرق اسمها ذاكرته، انتهى من تناول غذائه، فنهض على قدميه، وعاد للبحث من حيت توقف، نظر إلى حجر أمامه كان مكتوبا عليه: وليام رنى ( 1867 – 1992 )، قال فى نفسه:" إذن، ليس هذا قبرها "، ثم واصل سيره فى نفس الصف، حدق بعمق فى شاهد مكتوب عليه: &مارجريت فورسس ( 1899 – 1948 ) قال فى نفسه:" أيمكن أن يكون اسمها قد تغير وصار مارجريت؟ &لا.. لا أعتقد ذلك ! "، ثم انتقل إلى قبر آخر، ثم إلى آخر حتى &وصل إلى نهاية الصف و عند ذلك أخرج الخريطة وسجل الاسم: فرانك جيلورى ( 19203 -1953 ) الصف السابع، 26 سبتمر، &ثم واصل البحث من صف إلى آخر، آملا فى العثور على شئ ما يمكن أن يوقظ ذاكراته، ولكنه ما زال غير قادر على تذكر اسمها، هذه أطول فترة ينسى فيها أسمها، لم يكن يعرف ماذا يفعل؟ فجلس مرة أخرى وأراح فخذيه،ارتشف قليلاً من الشراب للمرة الثانية، ثم أخذ يتفحص الخريطة.
& & & & - &لقد انتهيت من ثمانية صفوف... سأفحص صفين آخرين، وهذا كاف اليوم ‘‘
& & &قال ذلك وهو يأخذ نفسه بصعوبة،أجهده المشى ومحاولات التذكر، ومع ذلك بدأ فى فحص صف آخر على رأسه: روبرت هوز ( 1907 – 1979 )، كان قد أوشك على الانتهاء عندما بدأت السماء فى الإظلام، فإذا به يتوقف عند قبر صغير، مكتوب عليه:
&" إلى حبيبتى إديث&
1900 – 1947
استقرى فى الجنة "
لم يعد قادرا على التنفس، ترنح إلى الخلف، ثم تماسك أخيراً.

(3)
- إديث.. ذلك إذن اسمها... ها هو.
فكر، ثم استوعب الأمر، وقال:
&- أوه ياربى، إديث.. لقد وجدتك !
&ثم انحنى ولمس شاهد المقبرة بظاهر يده، و بالطريقة نفسها التى كان يملس بها وجه إديث، وقال:
- &حبيبتى إديث.. ظللت أبحث عنك لوقت طويل طويل... لماذا لم تساعدينى فى العثور عليك؟
&وعند ذلك أراح خده على الرخام البارد وانخرط ى البكاء وكأن هما ثقيلاً قد أزيح عن كتفيه، كل هذه السنوات التى عاشها بدونها قد انتهت، ويستطيع أخيراً أن يحزن مرة أخرى على المرأة التى فقدها منذ زمن طويل، نظر إلى المكان مرة أخرى، فوجده مغطى بالحشائش، كما أن الطحلب كان قد بدأ ينمو فى ثنايا النقش. قال مخاطباً إديث:&
&- &ما هذا الذى فعلتيه فى نفسك؟ أنت فى حاجة إلى تنظيف.&
ثم تجاهل الألم فى مفاصله وجلس على ركبة واحدة، وبدأ &فى اقتلاع الحشائش. &ثم أضاف:&
- & لقد أوقعت نفسك وسط هذا المستنقع &حقا، لذلك أنت تحتاجين أن أعتنى بك؟ أليس كذلك؟
&وضع الحشائش فى جيبه، و حاول أن يزيل العوالق من الأحجار المنقوشة التى وضعت حول حواف القبر، ثم بدأ يلتقط الطحالب بأظفاره وهو يدمدم بصوت خفيض. &
&فجأةة، توقف، لقد تذكر الرجل، فوقف متمهلا من جديد مستعينا بشاهد القبر، ثم قال وهو يمر بأصابعه فوق اسم إديث: &
-يجب أن أذهب يا حبيبتى، لكننى سأعود غدا، سأحضر لك زهورا، وسأرى إذا ما كان باستطاعتى أن أحضر لك زهورا حمراء، أعرف أنك تحبينها. إلى اللقاء غداً يا إديث.
قال ذلك ثم تفحها بقبلة صامتة، وشق طريق العود بين صفوف المقابر ذات الصلبان والأيقونات المنحوتة حتى وصل إلى المدخل، وعند البوابة استند بظهره إلى القضبان الحديدية، وقال:
- مرة ثانية ما التاريخ؟... 1947.
ثم بدأت خيوط قليلة من الشك تلتف حول رأسه.

(4)
& & &- لست متأكداً من صحة هذاالتاريخ، متى كان ذالك؟ عقب الحرب مباشرة.. حيث كنا قد انتقلنا إلى &دينستون، كان توم قد وصل فى الرابعة، هل كان ذلك عام 47؟ أم 48؟&
&حاول أن يحسب هذا التاريخ على أصابعه، وعند ذلك ظهر الرجل من جديد.
- &هل الأمور على ما يرام أرثر.. هل عثرت على شئ اليوم؟
& & - أظن ذلك.. لكننى الآن لست متأكدا. سأكون فى حاجة للتأكد من شيء ما عندما أعود للمنزل. &
& & - أوه على العموم هناك دائماً غداً إذا &لم يكن هذا قبرها؟
& & &- آى.
& خطا أرثر خارج الجبانة، وأغلق الرجل البوابة خلفه، حيث لف الجنزير حول الإطار الحديدى وأحكم قفل الإغلاق، ثم قال.
& & - &أراك غداً يا آرثر.
&ولم يرد أرثر لأنه كان مستتغرقا فى التفكير، فتمتم الرجل لنفسه وهو يتوجه نحو غرفة البوابة: " &لقد اقتربت نهايته ".
&
المؤلف: توم جيليسبى ) Tom Gillespie ( &كاتب أسكتلندى نشأ توم جيليسبي والمعروف كذلك باسم: &توم ريد/ Tom Ried في بلدة صغيرة خارج جلاسجو. و بعد حصوله على درجة &الماجستير في اللغة الإنجليزية من جامعة جلاسكو، أمضى السنوات العشر التالية يعمل فى مجال الغناء والموسيقى مطربا وكاتبا للأغانى وملحنا أيضا &حيث قام &بجولة في انجلتر وأوروبا مع فرقته. وهو يعيش الآن في باث &مع زوجته وابنته، حيث يعمل في الجامعة محاضرا أكاديميا للغة الإنجليزية.يكتب جيليسبى القصة الطويلة والقصيرة على السواء، وقد نشر معظم قصصه القصير ومنها هذه القصة &المترجمة &فى موقع / www.eastoftheweb.com &وللمؤلف &مجموعة من القصص القصير تحت عنوان: القط المقوس، ورواية بعنوان: الطلاء بالأرقام، ويعد الآن روايته الثانية ومجموعة &جديدة من القصص القصير.&
&