يرى جون غاي في "إليزابيث: السنوات المنسية" أن سنوات حكم إليزابيث حاشية تاريخية لازمة لتدبر مسألة قطع رأس ماري ملكة الإسكتلنديين وهزيمة الأرمادا الإسبانية، وفترة حاسمة لفهم الجانب الإنساني في الملكة البريطانية الحميراء الذكية.

إيلاف: تمجيد الملكة اليزابيث الأولى وذمها في شيخوختها ممارسة قديمة قِدم عهدها نفسه. لكن قلة من ملوك انكلترا تعرّضوا لمثل هذا التحامل والأسطرة التاريخيين؛ إذ جرى تصويرها ملكة تتسم بروح التحدي على غرار الملكة غلوريانا في ملحمة الشاعر إدموند سبنسر، توحد البلاد في الدين والسلام تارة، وشمطاء متقلبة المزاج تشتهي الشباب من أفراد حاشيتها تارة أخرى. لكنها لم تكن هذا ولا ذاك. 

فترة حاسمة

سنوات إليزابيث الأولى المنسية

في كتابه "إليزابيث: السنوات المنسية" Elizabeth: The Forgotten Years (منشورات فايكينغ؛ 490 صفحة؛ 35 دولارًا و25 جنيهًا إسترلينيًا)، يسعى المؤرخ الأسترالي الأصل جون غاي إلى إثبات أن العقود الأولى من التاريخ البريطاني السحيق، التي يركز عليها المؤرخون، وتكون فيها آخر سنوات حكم إليزابيث الحاشية التاريخية لمسألة قطع رأس ماري ملكة الإسكتلنديين وهزيمة الأرمادا الإسبانية، هي فترة حاسمة لفهم الجانب الإنساني في الملكة البريطانية الحميراء الذكية. 

كان الرجال في بلاط إليزابيث يكسبون ودها بمآثر على الأرض وفي البحر متسببين في استياء طبقة النبلاء القديمة. فان والتر رالي أذهل صاحبة الجلالة برؤيته إلى مستعمرة أميركية في نصف الكرة الغربي، وروبرت ديفيرو لورد إيسكس سعى إلى إغوائها بمؤامرات لنهب السفن الإسبانية.

لم يحقق أي منهما نصيبًا يُذكر من النجاح بعدما رصّ النظام القديم صفوفه لإحباط طموحاتهما. وعندما حاول لورد إيسكس الذي لم يعد لديه حول ولا قوة بعد فشل حملاته في البرتغال وفرنسا وايرلندا، أن يشعل تمردًا ضد إليزابيث في لندن، انتهى به المآل إلى قطع رأسه. 

إرادة إلهية
كان وليام سيسيل أو لورد برغلي سيد النظام القديم ومسؤول خزينة المملكة، يتحكم بإمكان الوصول إلى وثائق الدولة، ويتولى الصلات مع سفراء انكلترا وكتابة المراسلات الملكية، ويعتبر بمعايير اليوم رئيس حكومة. فإن سدس رسائل إليزابيث وتوجيهاتها البالغة 15 ألف وثيقة كُتبت بيدها أو هي التي أملتها على كاتبها، كما يقدر غاي في كتابه. 

كان لورد برغلي قويًا طيلة شطر كبير من عهد اليزابيث، حتى يمكن أن تُسمى الفترة الأولى "عصر سيسيل". لكن الملكة فقدت ثقتها به في عام 1586 حين تآمر لاتهام ماري ملكة الإسكتلنديين بالخيانة. 

كانت إليزابيث، المؤمنة بأن الملوكية تكون بإرادة إلهية، ترفض أن تُدفع دفعًا إلى إعدام منافستها، وترددت بشأن قتل عاهل اختاره الله مثل الملكة ماري. ويعتقد غاي أن إليزابيث لم تتمكن من برغلي وتقلم أظافره إلا حين كانت في أوائل الخمسينيات من العمر. 

لكن لورد برغلي لم يكن من نمط الرجال الذين يستسلمون بسهولة. وهو أدى دورًا حاسمًا في إرسال لورد إيسكس في مهمات خارجية فاشلة. واستأجر برغلي ممثلًا لإحاطة الملكة بالأُبهة وتشنيف أسماعها بالشعر لغاية مفضوحة هي إقناعها بتعيين نجله في مجلس أمناء السر. وفي النهاية، أصبح روبرت سيسيل أمين سر الدولة، واستمر في أداء هذا الدور حتى عهد جيمس الأول. 

كيف؟
من الأسئلة ذات الأهمية البالغة هي كيف تمكن لورد إيسكس من البقاء كل هذه السنوات. فهو على الرغم من مغامراته العسكرية الفاشلة وعدم تحليه بدهاء سياسي يُذكر، بقي متنفذًا طيلة تسعينيات القرن السادس عشر. وأشار كتّاب سيرة سابقون إلى أن الملكة الستينية هامت بحب هذا القرصان، الذي كان في ثلاثينياته، لكن غاي يقلل من شأن أي دسائس جنسية للإيقاع به، مشيرًا إلى أن الملكة كانت، بدلًا من ذلك، تبحث عن رجل من رجال البلاط يحجم سطوة سيسيل. لكن يُسجل على إليزابيث إبقاؤها رجلًا كان يحبط سياستها الخارجية ويثير الفتن والانقسامات في البلاط.

لن يجد المعجبون بالملكة إليزابيث ما يبرر إعجابهم بها إلا في قلة من الصفحات. فهي بدلًا من كونها قائدة حربية أسطورية تطلب السلام مع إسبانيا حين كانت هذه تبني أساطيلها الغازية، كانت تدفع للمحاربين القدماء رواتب ضئيلة، وتشنق جنودها حين يطالبون بتحسين رواتبهم، وتطلق النار على النبلاء الكاثوليك وتتواطأ على تعذيبهم. وما يظهر من جهود الكاتب الكبيرة لتنقيب الأرشيفات بحثًا عن صورة أكثر صدقًا هو إليزابيث لها مثالبها، وربما صورة أكثر إنسانية عنها.