منذ قرن وتحديدًا في العام 1917 أحداث ثقافية شتى حصلت ما هي ومن هم أبطالها شخصيات ومدنًا... هذا ما يرصده تقرير للأسبوعية الفرنسية "لوبس" الذي يعود بنا 100 سنة إلى الوراء للغاية.

إيلاف: أندريه جيد ينعى كلبه توبي، وأناتول فرانس يرفض سلامًا من دون انتصار، وبروست يسخر من أندريه جيد، وفرويد لا يحصل على جائزة نوبل للآداب، وغوركي ينتقد البلاشفة.... في عددها الصادر في الأسبوع الأول من شهر يناير من هذا العام، رصدت الأسبوعية الفرنسية: "لوبس" أهم الأحداث الثقافية التي عرفها العالم عام 1917. وهي على النحو الآتي:

*في 18 يناير من العام المذكور، توفي"توبي" كلب أندريه جيد، فكتب في يومياته يقول: "توبي توفي مساء أمس. قبل قليل كتبت إلى بائع لحم الخنازير الذي أصبح بيطريًّا منذ بداية الحرب، لكي يأتي، ومعه الأدوات الصالحة لفتحه". أضاف جيد قائلًا: "كان - أي الكلب - الأكثر إنهاكًا عصبيًا كما لا يمكن أن يتصور".

سلام كاذب
*في الشهر الأول نفسه من العام المذكور، كانت القوى العظمى قد رفضت دعوة الرئيس الأميركي ويلسون، التي جاء فيها بأن السلام يمكن تحقيقه من دون إنتصار. معلقًا على ذلك، كتب أناتول فرانس إلى صديق له، كان متحمسًا لمواصلة الحرب، يقول: "أرفض بشدة سلامًا من دون إنتصار. سلام من دون إنتصار، هل هو سداد ديْن؟، سلام من دون إنتصار، كمثل جَفْنَة أرنب أو طير من دون نبيذ، خبز من دون خميرة، حانة من دون زهرة الكبّر، كمأة من دون ثوم، حبّ من دون خصومات، جَمَل من دون حَدْبَة، ليل من دون قمر، سقف من دون دخان، مدينة من دون محلّ للبغاء، خنزير من دون ملح، جوهرة من دون ثقب، زهرة من دون عطر، جمهورية من دون تبذير، قطّ من دون وبر. وهو ليس فقط سلامًا أعرج، ظالعًا، يستند إلى عكاز، بل سلام مُقْعَد، يضع مؤخرته على كل جزء، سلام مقزّز، نتن، عفن، فاحش، أجوف، بواسيريّ، ولكي نلخص كل شيء، هو سلام من دون إنتصار.

وهذا السلام بإمكانه أن ينتظر. فنحن لسنا على عجلة من أمرنا. والحرب لا تفعل شيئًا آخر، غير أن تفقد فرنسا عشرة آلاف رجل في كل يوم".

*في شهر فبراير من العام المذكور، عيّن الفيلسوف هنري برغسون، الذي كان آنذاك في السابعة والخمسين من عمره ديبلوماسيًا في السفارة الفرنسية في واشنطن. يعود ذلك إلى إتقانه للغة شكسبير. وكانت المهمة التي كلف بها هي إقناع الرئيس الأميركي ويلسون بضرورة تحالف الولايات المتحدة الأميركية مع فرنسا في حربها ضد ألمانيا.

ولادة شاعر
*في شهر مارس من العام المذكور، كتب غيوم أبولينير، الذي كان قد أصيب بجرح في الرأس في جبهة القتال عام 1916، إلى صديقه الكاتب البلجيكي بول ديرميه، يقول: "السوريالية لا توجد حتى الآن إلاّ في القواميس، ويكون من المستحسن أن نستعمل كلمة "ما فوق طبيعية" التي استعملت من قبل الفلاسفة".

*في الخامس والعشرين من شهر أبريل-نيسان من العام المذكور، عبّر سيغموند فرويد عن خيبته بسبب عدم منحه جائزة نوبل للآداب، التي كان قد رُشّح لها مرتين. وفي أواخر الشهر نفسه، صدرت في باريس مجموعة بول فاليري الشعرية: "La jeune Parque" المهداة إلى أندريه جيد. بفضلها أصبح هو الذي كان يعتبر نفسه خليفة لكل من راسين ومالارميه الشاعر الأكثر شهرة في فرنسا. 

وفي دفاتره سيكتب: "فجأة أستعيد ذكرى عندما كنت في مثل هذه الساعة منشغلًا بـ"Ma jeune Parque"، شاعرًا بأنني وحيد جدًا، في حين كان الناس يقتلون على جبهات القتال بطواعية منهم، أو تحت ضغط الخوف، خاضعين إلى قدر مزيّف، وفي رأسي المنشغل بأشياء الشاعر يسهر القلق الغامض لتبيان الصباح".

تحية لروسيا
*في أول مايو من العام نفسه، نشر الفرنسي رومان رولان في مجلة "غدا" الداعية إلى السلام، مقالًا بعنوان: "إلى روسيا الحرة والمُحَرّرة"، وفيه كتب يقول: "أخوتي الروس، ليس لأنفسكم فقط ناضلتم من أجل كسب حريتكم، وإنما من أجلنا جميعًا، نحن إخوتكم في الغرب. وقد مضى وقت طويل على ما قطفناه من ثمار الثورة الفرنسية!، وها قد جاءت فترة لم تعد فيها القوى التي كانت جديدة سوى أصنام من الماضي، وعراقيل تعوق التقدم. وقد رأينا في الحرب الكبرى كيف أن يعاقبة (Jacobins) الغرب أظهروا أنهم أشد أعداء الحرية".

*في أول مايو من العام 1917، عاد لوي فارديناند سيلين من الكاميرون في باخرة بريطانية رست في ميناء ليفربول. وفي ما بعد سيستعيد ذكريات رحلته الأفريقية في رائعته: "سفرة في آخر الليل".

*في السادس والعشرين من شهر يونيو من العام المذكور، قام مارسيل بروست بيب أسهمه، وكتب إلى ابن عمه بالمصاهرة ليونيل هاوزر الذي كان يشرف في باريس على فرع بنك "فاربورغ" في هامبورغ يقول: "أنا موافق جدًا على الفكرة التي اقترحتها عليّ، والقاضية بضرورة التخلي عن "دوبويايا"، و"بيانكو ريو دو لابلاتا"، و"مكسيكو".

*في شهر يوليو من العام المذكور، كان الشاعر الفرنسي بول كلوديل في ريو دو جانيرو، وزيرًا مفوّضًا من قبل الحكومة الفرنسية. في دفاتره كتب يقول: "إيزابيل رامبو(شقيقة أرتور رامبو) التي توفيت يوم 20 يونيو جعلتني موصّى عليها على المستوى الكوني". لكنه لن يلبث أن يتراجع عن ذلك، ويسلم كل شيء إلى زوج الراحلة النحات والرسام والشاعر باترن باريشون.

مؤسسة التهريج
*في التاسع والعشرين من شهر يوليو من العام المذكور، كتب فرانز كافكا في يومياته دراسة عن المهرّج: "الزمن الكبير للمهرج انقضى من دون شك، ولن يعود أبدًا. كلّ شيء يشير إلى أهداف أخرى، وليس من المفيد نكران ذلك. وليس مهمًا أن تنتهي مؤسسة التهريج، وتنتفي أهميتها، فقد تمتعت بها حد الإنتشاء".

*في شهر سبتمبر من العام المذكور، أرسل لوي اراغون بعدما تلقى تدريبًا كممرض عسكري، إلى مستشفى "فال دو غراس" في باريس ليصبح طبيبًا مساعدًا. وهناك التقى بأندريه بروتون. معًا قرآ في حراسة الليل: "أغاني مالدورور" للوترايامون. وستلعب تلك المجموعة، التي كانت لا تزال مجهولة في ذلك الوقت، دورًا أساسيًّا في تحديد مسيرتهما الأدبية والشعرية.

أغذية موجعة
*في التاسع عشر من شهر سبتمبر من العام المذكور، كتب فرانز كافكا في يومياته يقول: "في السلام، أنت لا تتقدم. في الحرب، أنت تفقد حتى القطرة الأخيرة من دمك".

*في شهر أكتوبر من العام المذكور، كتب مارسيل بروست رسالة يسخر فيها من أندريه جيد، الذي كان قد رفض عام 1912 إصدار المجلد الأول من "البحث عن الزمن المفقود" عن دار"غاليمار". وفي رسالته، أشار بروست إلى أن خادمته البسيطة لم تجد في كتاب جيد: "الأغذية الأرضية" أغذية أرضية، بل كلام موجع للرأس والبطن!.

*في شهر أكتوبر من العام نفسه أيضًا، توفي أرثر كونان دويل مبتكر شخصية شارلوك هولمز.

*في السابع من شهر ديسمبر من العام المذكور، إنتقد ماكسيم غوركي الحزب البلشفي بقيادة لينين، ونشر في الجريدة اليومية للحزب المذكور: "الحياة الجديدة" مقالًا جاء فيه ما يلي: "البلاشفة وضعوا الكونغرس أمام الأمر الذي يقضي بأن يتسلموا هم السلطة، وليس السوفيات. ونحن الآن إزاء جمهورية أوليغارشية مكونة من بعض نواب الشعب".

الصحافي همنغواي
*في شهر ديسمبر كذلك من العام المذكور، أصبح إرنست همنغواي العائد للتو من جبهات القتال في إيطاليا، صحافيًا متجولًا في "كانساس سيتي ستار". وفي أول تحقيق له، نشر معلومات تتعلق بفساد مالي في مستشفى مدينة كانساس.

*في الرابع والعشرين من شهر ديسمبر من العام المذكور، في "أدالسبارغ" في النمسا، انشغل روبرت موزيل صاحب رائعة: "رجل بلا مواصفات" بكتابة مسرحيّة حملت عنوان: "المعظّمون". وفي مذكراته أشار إلى أن شخصيات بلزاك لا تكتسب معنى إلا لأنّ بالزاك يؤمن بمعنى المحيط الذي فيه يعيشون ويتحركون. كما كتب عن نجارين ينقلون تابوت ميّت على زلاقة صغيرة تتزحلق على طرقات يكسوها الثلج.

*في نهاية شهر ديسمبر من العام المذكور، كتب بول كلوديل، الذي كان آنذاك في ريو دو جانيرو، في يومياته يقول: "سأذهب إلى "كوبامابانا"، وفي محيط بحري شفاف وعذب، سأشاهد آخر غروب شمس في هذا العام".