&
&
في عام 1932، بعد أن أحرقت كتبه في الساحات العامة، وأصبح مهددا بالموت من قبل النازيين، أجبر الكاتب الألماني إيريك ماريا ريمارك(1898-1970) صاحب رائعة:”لا شيء يحدث على الجبهة الغربية" التي رسم فيها صورة مرعبة عن كوارث الحرب العالميّة الأولى، على مغادرة بلاده ليلتحق بأفواج المهاجرين تماما مثلما كان الحال بالنسبة لتوماس مان، وشقيقه هاينريش مان، وألفريد دبلن، وفالتر بنيامين، وهانا آرندت وآخرين كثيرين. وعندما غزا النازيون فرنسا، فرّ إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليمضي هناك سنوات طويلة من دون أن ينقطع عن الكتابة. وقد جذبه عالم هوليود خصوصا بعد أن تحولت رواياته إلى أفلام ، فاستقر فيها ليكتب العديد من السيناريوهات مثل سيناريو فيلم "الفصل الأخير" الذي أخرجه W.G.Pabst، وفيه يصور الأيام الأخيرة لأدولف هيتلر برفقة عشيقته إيفا براون. وأثاء إقامته في هوليوود، ارتبط بعلاقات عاطفية مع ممثلات شهيرات من أمثال غريتا غاربو، ومارلين ديتريش، وبوليت غودار التي تزوجها عام 1958. ورغم أنه لم يعش مصاعب المنفى، المادية منها بالخصوص، فإنه ظل دائم الحنين إلى ألمانيا، رافضا الكتابة بغير لغة غوته مثلما فعل منفيّون آخرون. وفي رواية الأخيرة التي منعه الموت من إنهائها، والصادرة مطلع العام الحالي في ترجمة فرنسيّة عن دار"ستوك"، ضمن السلسلة "الكونية" بعنوان:"الأرض الموعودة"، يتطرق إيريك ماريا ريمارك إلى العديد من الثمات والمواضيع المتصلة بالمنفى. بطل هذه الرواية التي تملك مكتبة"Fales “ بجامعة نيويورك نسختها الأصلية صحافي ألماني كان يعيش في برلين. وعندما صعد النازيون إلى السلطة، أضطر إلى الفرار من بلاده من دون أورواق هوية. وكان عليه أن يمضي فترة متخفيا في متحف في بروكسيل. وهناك تعرف على تاجريهودي للأعمال الفنية قبل أن يمنحه إسمه وجواز سفره قبل موته. وهكذا أصبح يدعى لودفيك سومر. وبذلك تمكن من السفر إلى نيويورك ليجد نفسه في قلب عالم المنفيين الألمان من مختلف المراتب. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، كان هؤلاء المنفيون سواء كانوا يهودا، أو معارضين للنازية يعاملون ك"مواطنين من الدرجة الثانية"، وك"غرباء أعداء". وسوف "يظلون كذلك طوال حياتهم حتى وإن عادوا إلى ألمانيا". ومن بين هؤلاء المنفيين مصرفيّ يهودي كان يدعى تانّنباوم، إلاّ أنه اختار لنفسه إسما أمريكيّا هو فريد سميث لكي يبدأ حياة جديدة. وثمة يهودي آخر أصبح يبيع في الشوارع مسابح وصورا كاثوليكية. وثمة منفيون لا ينقطعون عن استحضار ذكريات الماضي هربا من كوابيس الحاضر. آخرون يسعون دائما إلى إخفاء ماضيهمن خصوصا جوانبه المظلمة والمريرة. ويتجول لودفيك سومر في شوارع نيويورك كما لو أنه "بدوي تائه بين عالمين لا ينتمي إى أيّ واحد منهما". ويعتبر هلاء المنفيون أن النازيين "جاؤوا من كوكب مارس ليغزوا بلدهم الذي فقد القدرة على الدفاع عن نفسه". وثمة من بينهم من يعتقد أن كل ألماني يحمل في داخله "قطعة" من الشخصية النازية.
وفي نيويورك، يتعرف لودفيك سومر على مهاجرة ألمانية ثرية جدا. وكانت تقدم مساعدات مادية هامة للفنانين والكتاب والشعراء المهاجرين. وما كان يغبظها ويحز في نفسها أن تسمع منفيين ألمانا يتكلمون اللغة الإنكليزية في ما بينهم. بل كانت تعتبر ذلك"خيانة". أما الذين كانوا يحبّذون لكلام باللغة الإنكليزية حتى ولو بشكل رديءإ فإنهم كانوا يبررون ذلك برغبتهم في التخلي عن لغة"القتلة". وعلينا أن نشير أن إيريك ماريا ريمارك كان فخورا بحصوله على الجنسية الأمريكية في عام 1947. وفي حوار أجرته معه صحيفة"نيويورك تايمز"، صرح قائلا:”أنا لم أعد ألمانيّا. حتى عندما أحلم، فإنني أحلم بالأمريكية، وأقسم بالأمريكية ". مع ذلك ظل يكتب بلغته الأم!
&