تتحدث الشاعرة الهولندية، في روايتها الأولى، عن قصة مالفا مارينا، إبنة الحائز على جائزة نوبل، التي تخلّى عنها ولم يتطرق إليها في مذكراته.
تناولت الشاعرة الهولندية هاغار بيترز في روايتها الأولى التي تحمل إسم إبنة بابلو نيرودا "مالفا"، قصة الصغيرة التي أنكرها الشاعر التشيلي. وتقول هاغار الشاعر عن نيرودا أنه "رجل منافق، وغريب، لكن حسّاس أيضاً"، بعد أن إكتشفت علاقته بإبنته، والأسباب التي دعته لعدم الإعلان عنها أبداً.
وفي لقاءٍ أجرته معها وكالة "إيفي" الإسبانية خلال إنعقاد المعرض الدولي للكتاب في دورته ال30، في العاصمة الكولومبية بوغوتا، والذي بدأ من 25 أبريل/نيسان الماضي وإستمر حتى 8 مايو/ آيار الجاري، قالت الشاعرة الهولندية "عندما كتبت هذه الرواية عرفت نيرودا كرجل كامل المواصفات، لأنه بالنسبة لي كنت أعتبره بطلاً مثالياً. وهناك أدركت معنى الإنسانية، لأن جميعنا من البشر ولدينا نواحٍ ناقصة". وتروي "مالفا" حكاية إبنة نيرودا (1904 – 1973) من زوجته الهولندية ماريا أنطونيتا هاغينار "ماروكا"، الإبنة الوحيدة التي كانت لديه عندما كان يبلغ الحاصل على جائزة نوبل للآداب 69 عاماً.
ولدت مالفا مارينا في 1934 في مدريد، وتوفيت في 1942 لإصابتها بمرض إستسقاء الرأس، وتنكر لها والدها لأنه لم يكن بمقدوره تحمل أن تكون له إبنة ربما تنتزع منه شهرته بسبب من مرضها.
وإكتشفت بيترز، المولودة في أمستردام عام 1972، قصة مالفا أثناء رحلتها إلى التشيلي قبل عشر سنوات تقريباً، تلك القصة التي كان الجميع يتحدث عنها، بعد ان كان نعشها قد إختفى قبل عام على ذلك، وتم العثور عليه لاحقاً في مقبرة هولندية صغيرة.
ومع ذلك، أقرت الشاعرة أن لا أحد يعرف تأريخ حياة الطفلة لأن نيرودا لم يعترف بها في العلن، أو في سيرته الذاتية، كونها كانت مصابة بمرض إستسقاء الرأس الذي عانت منه على مدى ثمان سنوات من عمرها. وتضيف بيترز "نيرودا كان يدرك أن تربية طفل مريض لم يكن بالأمر السهل، ويعرف أيضاً أن مالفا كانت ستنتزع منه إهتمام وإحترام الناس له بسبب شهرته التي بلغها كشاعر".
وتروي بيترز أيضاً أن إزدراء نيرودا للصغيرة كان قد بلغ حداً كبيراً، الأمر الذي بدا جلياً في الرسائل التي كان يبعثها إلى صديقاته، إذ توجد هناك رسالة يصف فيها إبنته بصورة مقتضبة. ويقول نيرودا في تلك الرسالة، التي أبدى فيها برودة وهو يصف إبنته "أنها كائنة مزرية للغاية، ومصاصة دماء تزن ثلاثة كيلوغرامات". وتؤكد بيترز لوكالة "إيفي" على أن إسلوب حديث نيرودا عن إبنته كان قد ألهمها لمنح شخصية روايتها صوتاً قادراً على توجيه العتاب لوالدها الذي تخلّى عنها "كان من المهم جداً بالنسبة لي أن أعطي صوتاً تستطيع من خلاله شخصية الطفلة أن تفهم والدها، وتعرف من هو وكيف يفكر، ولكن كنت أسعى في الوقت نفسه، إلى إبراز هذا الغضب الذي يتملك الأطفال حين لا يعير الأب إهتماماً لهم. وهكذا أصبح الهدف واضحاً: إظهار الجانب الإنساني في شخصية مالفا".
وتعترف الشاعرة أنها، في الوهلة الأولى، أرادت أن تكتب الرواية بلغة الشعر، غير أن ذلك لم يتحقق، بسبب الطابع المعقد الذي تتسم به الشخصية، الأمر الذي كان سيحول دون منح الصغيرة صوتاً مستقلاً".
ووفقاً لما روته بيترز، أنها تمكنت من أن ترى نفسها في مالفا، بالنظر للعلاقة التي كانت تربطها بوالدها الصحفي هيرمان فويجسجي، في السنوات الإحدى عشرة الأولى من حياتها، وهي الفترة التي لم يكن والدها هناك أبداً لإنشغاله بالسفر عبر دول أمريكا اللاتينية. وتؤكد بيترز "أثناء طفولتي لم يكن والدي بقربي، لكثرة أسفاره وتصوير الفقر في أمريكا اللاتينية، مثلما كان يفعل نيرودا. هذا هو السبب الذي جعلني أعتبره بطلاً، لأنه أراد أن يعطي الصوت لمن لا صوت لهم".
وإنطلاقاً من هناك، إكتشفت الشاعرة "نفاق" نيرودا، لكن أيضاً "تعلمت كيف تفهمه"، لإدراكها مدى صعوبة التواصل مع الطفلة، لأنه كان سيموت عاجلاً.
وتختتم الشاعرة الهولندية كلامها بالقول "عندها أدركت أن نيرودا كان إنساناً أيضاً، حيث إكتشفت مثل الجميع، خوفه من أن يكون على إتصال مع من يعيش في حالة إحتضار. هذا الشعور كان قد سيطر عليه تماماً، وحال دون أن يتفاعل مع إبنته، كما فعل مع الفقراء الذين كان يمنحهم الصوت في قصائده".