هذا كتاب يلمّ بين دفتيه سيرة ثورات في ثلاث مدن، تترابط في السياسة من طريق جذور الفكر والتنوير والثورة. لكن تبقى العلاقة بينها مشوشة.

إيلاف: "فردية الإنسان لها الأسبقية": هذه هي القناعة الأعظم والأبسط التي في إمكانها أن تلخص أفكار الثورتين الأميركية والفرنسية، اللتين انطلقتا من انتشار القوات المتصاعدة في أوروبا على مدار قرنٍ ونصف. 

فالأميركيون الذين يعون جيدًا الروابط الفكرية بين تأسيس دولتهم والجمهورية الفرنسية، ربما لا يعلمون أن جذور بريطانيا السياسية الحديثة مرتبطة بالاثنتين. 

هذا محور أساس في كتاب مايك رابورت المصور "المدينة الجامحة: باريس ولندن ونيويورك في عصر الثورة" The Unruly City: Paris, London and New York in the Age of Revolution (المكون من 364 صفحة، منشورات بايسيك بوكس، 32 دولارًا).

بين التنوير والإمبريالية 
العلاقة مشوشة لأن الثورة الأميركية يُنظر إليها بوصفها مواجهة بين قيم التنوير والإمبريالية البريطانية. لكن، على الرغم من أن البريطانيين لم يتمردوا على ملكهم، فإن بريطانيا كانت ناشطة تمامًا كفرنسا، في تطوير وتحليل ومناقشة المفاهيم التي كونت "التنوير"، والتي يتمسك بها أنصار الليبرالية اليوم بشكلٍ غريب ونادر.

مدن جامحة في سير ثورية واحدة

أما السبب وراء عدم لجوء البريطانيين إلى التمرد على عكس المستعمرين الأميركيين ومنافسيهم الفرنسيين، فهو أساس الدراسة الدقيقة التي أجراها رابورت في كتابه، الذي على الرغم من تمحوره حول حقبة القرن الثامن عشر، فإن القضايا التي يطرحها تنال اهتمامًا أكبر نسبةً إلى المناخ السياسي السائد في يومنا هذا.

في هذا الكتاب، يركز مايك على 3 مدنٍ هي: نيويورك ولندن وباريس. ففي نيويورك، ساعد كون مانهاتن جزيرة على أن يعطي المدينة زخمًا، فيما ميراث المستعمرات الأميركية لعددٍ من الحقوق والحريات من بريطانيا - والتي أصلها الثورة المجيدة عام 1688 وإرساء شرعة الحقوق الإنجليزية - جعلها مبرمجة للمقاومة.

حكم ذاتي 
إنطلقت الثورة فيها بعد فرض بريطانيا - الغارقة تحت الأعباء المادية بسبب حرب السنوات السبعة - الضرائب على مستعمراتها من دون أن تعطي فرصة لأحد للمناقشة أو المعارضة، حيث إستطاع الأميركيون طرد الجيش البريطاني خارج المدينة تحت تأثير إعلان جورج واشنطن الإستقلال.

أما باريس، فكانت لها خلفية سياسية مختلفة قبل عام 1789، ولم تكن الديمقراطية مرحبًا بها؛ هذا ما جعل عصر الثورة يحوّل الكنائس والأديرة والمنازل الأرستقراطية إلى أماكن يلجأ إليها الثوار كي تخدم أهدافهم.

لكن، تركزت الأحداث على المكان الذي تواجد فيه من أساؤوا إستخدام السلطة الملكية: قلعة سجن الباستيل التي كانت تطل على الأشخاص الذين عانوا القمع الإقتصادي.

بالنسبة إلى لندن، وصلت أفكار التنوير من النظام الملكي الفرنسي إلى إنكلترا، وتحديدًا إلى العاصمة، في الوقت الذي كان فيه سكان المدينة يستخدمون قوتهم الإقتصادية أداة لإرغام الملك على إعطائهم حقوقهم وحرياتهم، حيث أرسوا نوعًا من "الحكم الذاتي" في المدينة وقتها.

فرض الإصلاح
لكن الإضطرابات الشعبية في لندن بلغت ذروتها خلال "أعمال شغب غوردون" في عام 1780، من دون أن تؤدي إلى ثورة، وذلك لأن - بحسب رابورت - الحركة الحضرية الأوسع لم تسع إلى مهاجمة إمتيازات المدينة، بل إنضمت إلى الشريحة الراقية في محاولة فرض درجةٍ من الإصلاح، بطريقةٍ "سمحت لسكان لندن بإقامة إحتجاجاتهم من دون أن يتحدوا هياكل السياسة الأوسع".

إلى ذلك، يجد القارئ أن الفحوى من كتاب رابورت هو إدراك أن الهياكل الديمقراطية التي قدمت إلينا الدعم على إمتداد فتراتٍ، هي وليدة سلسلة من الإضطرابات في النظام القائم، وأنه يجب أن يبعث الراحة في النفس واقع أن العنف لم يكن محتمًا في جميع الحالات.


أعدت "إيلاف" هذه القراءة عن "نيويورك تايمز". الأصل منشور على الرابط:
https://www.nytimes.com/2017/05/18/books/review/the-unruly-city-mike-rapport-paris-london-new-york-revolution.html