كان الفنان السوري ماهر البارودي المقيم في مدينة ليون الفرنسية منذ عام 1979 من أبرز المشاركين في أيام الفنون والحوار بين الثقافات التي انتظمت في فندق "صدربعل" بمدينة الحمامات التونسية في الأسبوع الأخير من شهر أبريل-نيسان من هذا العام. وهو من مواليد عام 1955. وبعد تخرجه من كلية الفنون الجميلة بدمشق، سافر الى فرنسا لينتسب إلى المدرسة العليا للفنون الجميلة بمدينة ليون. وفي عام 1983، أحرز على منحة خوّلت له إمضاء سنة في باريس تعرف خلالها على الحياة الفنية هناك، مكتسبا &تجربة &ثرية وعميقة . بعدها عاد إلى مدينة ليون ليصبح من أبرز وأشهر وجوهها الفنية.
وقد عرضت لوحات ماهر البارودي في العديد من كبريات المدن الفرنسية. كما عرضت في ألمانيا، وإيطاليا، وتونس روسيا، والإمارات العربية المتحدة، وسويسرا...
ويقول ماهر البارودي بإنه "إبن الحروب والانقلابات العسكرية". ففي طفولته عاشت سوريا العديد من الانقلابات العسكرية التي كانت تجبره وتجبر عائلته والسوريين جميعا على العيش في خوف دائم. لذلك ظلت راسخة في ذاكرته صور العسكريين وهم يعنفون ويروّعون الناس، في الشوارع، ويداهمون البيوت في ظلام الليل ، وينصبون المشانق في الساحات العامة. كما أنه تأثر وهو طفل بمحنة أخيه الأكبر الذي أصيب بالجنون. وفي كل أسبوع كان يصطحب عائلته لزيارته في المصحة العقلية. وكل هذه الأجواء ستؤثر فيه، وستنعكس على مجمل اللوحات التي سيرسمها في ما بعد لتكون هذه اللوحات معبرة عن شقاء الإنسان ،وعن العذابات التي يقاسيها في أرض الشرق،أرض العنف، والحروب والخوف الدائم الجاثم على قلوب الناس.
وكان ماهر الباردوي طالبا في كلية الفنون الجميلة بدمشق لما حدثت مجزرة "تل الزعتر" في بيروت خلال الحرب الأهلية اللبنانية. ومتأثرا بها، رسم لوحة تجسد تلك المجزرة الرهيبة .كما رسم لوحات أخرى تعيد إلى الذاكرة مجازر أخرى حدثت في بلاد الشرق في مراحل مختلفة من التاريخ. وفي لوحة بديعة حملت عنوان:” تحية إلى الحكام"، رسم رجالا على شكل وحوش ضارية وأمامهم تنتشر جثث ضحاياهم بينما هم يقهقهون مهنئين بعضهم بالنصر العظيم. ويقول ماهر الباردوي بإنه أرد من خلال هذه اللوحة رسم الصورة البشعة للحكام العرب الذين يقتلون شعوبهم، & ويهينونها، ويذلونها، و يسلطون عليها يوميا شتى أنواع المظالم الرهيبة.
كما رسم ماهر البارودي لوحات أخرى من وحي مصير الإنسان في أرض الشرق. وعلى جميع هذه اللوحات يطغى اللون الرمادي، لون الكآبة والحزن، واللوعة، والعذاب في شتى مظاهره. وقد جسد ذلك من خلال أشجار مقطوعة الغصون، ومدمرة ، وطيور ميتة، ومداسة بالأقدام، وأياد مشوهة، وكائنات غريبة لها أشكال مخيفة لا نعرف إن كانت بشرية أم حيوانات.
وفي مرحلة متقدمة من مسيرته الفنية، رسم ماهر البارودي لوحات تحضر فيها الحيوانات لتعبر عن جوانب سياسية واجتماعية وثقافية في بلاد الشرق تماما مثلما فعل إبن المقفع في "كليلة ودمنة"، والشاعر الفرنسي لافونتين، والكاتب البريطاني جورج أورويل في روايته"الشهيرة" مزرعة الحيوانات". فالخنزير مثلا هو رمز التعفن، والتوحش، والغطرسة ، وغير ذلك من المواصفات التي يتميز بها طغاة الشرق القدماء والمحدثين. والببغاء رمز لكل من يردد كلام غيره من دون أن يفقه معانيه ودوافعه ورموزه وتداعياته. وقد يكون هذا الببغاء مثقفا أو كاتبا شرقيا انتهازيا لا يبدع الأفكار، بل يَنتحلها، و يرددها بغباء محاولا أن يقنع الناس بأنها من ابتكاره. وربما يكون هذا الببغاء رمزا لحكام صغار وتفهاء وجهلة يسعون إلى فرض سلطتهم ونفوذهم من خلال تقليد عظماء الحكام.
وفي لوحات أخرى يحضر الخروف كرمز للإنسان العربي البريء الذي تنتهك حقوقه، وبه يضحى في الحروب والنزاعات من أجل النفوذ والفوز بالسلطة ليكون من جديد ضحية لمظالم أخرى قد تكون أشد إيلاما من المظالم السابقة. ومثل الخروف، يجد الإنسان الشرقي نفسه مجبرا على الطاعة، وعلى مسايرة القطيع حتى ولو أدى به ذلك إلى الموت، والسقوط في الهاوية. بل قد يكون الخروف رمزا للحاكم العربي الساذج والغبي الذي يرغب في أن يظهر أمام شعبه بمظهر الحاكم القوي، والمحنك.
ويقول ماهر البارودي بإن فنه هو "فن الإدانة". إدانة العنف، والحروب، والمظالم، والمجازر، وفضح الطغيان، وتعرية الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في أرض الشرق التي لايزال فيها الإنسان مجبرا على أن يعيش مقيدا بالعديد من المحرمات السياسية والدينية والاجتماعية التي تفرض عليه أن يكون شبيها بالعبد الفاقد لأدنى حرياته الشخصية. ويضيف ماهر البارودي قائلا بإن الفنان الحقيقي في نظره لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال مُحايدا. ورغم أنه يعيش بعيدا عن بلاده، فإنه يشعر أنه شديد الارتباط بها، بل أنه يشعر أنه يعيش محنها وعذاباتها اليومية .
عن ماهر البارودي، كتب الناقد الفرنسي فيليب ريفيار يقول:” ماهر البارودي ليس تراجيديا، وليس حزينا، ومضجرا. ماهر يقول لنا في كل لحظة أن وضع الأشياء، ووضع العالم مثير لليأس، لكن في نفس الوقت ، يجانب العبثي، والمثير للغرابة والسخرية والامتعاض ، الظلم َ ومأساة الإنسان اليومية".