صدر عن دار "أليكا" للأديب الفنان فلاح الجواهري: "ما ترك الشاعر للريح" (234 صفحة). ويتكون الكتاب من 26 فصلا& يعيد فيها الروح إلى شخصيات أثيرة في التاريخ الأدبي العراقي بالأخص والعربي: محمود البريكان، رشيد ياسين، غائب طعمة فرمان، نجيب سرور، جيلي عبد الرحمن...الخ. لكنها شخصيات تتجلى في صور قلمية رائعة مليئة بالحياة بحيث نشعر وكأننا كنا حاضرين في تلك اللحظات، وفي غمرة النقاش وتحت الشمس نفسها ورائحة التراب عينها بعد ان رش بماء التذكر الذي يبرع فيه الكاتب. هكذا يأخذنا فلاح الجواهري من مدينة إلى مدينة، من جو سياسي متشنج الى جو حميمي تلفحنا رياحه من وراء الستائر الشفافة حيث اللقاءات في سرير التاريخ الصميمي... من الضمادة والمئبر في مستشفى ضائع إلى شوارع العالم ومطبوعاته الورقية... يستفيد فلاح من سيرة أبيه المتعدة والحيوية والمزدحمة بهذه الشخصيات. فرسائله واشعاره يعتمد عليها الكتاب في كثير من الفصول... لكن فلاح لا يريد ان يعطي صبغة تاريخية فجة وكأنه يوثق فترة من التاريخ. كلا إنه يلعب بكل شاعرية بالتواريخ، بالحكايات مستخرجا كنوز القصص الخلفية، لكي تستقر في نهج إنساني آخر، هكذا يترك مخيلته تتحرك عبر "هامش التاريخ" كما كتب علي بدر في كلمته على الغلاف الأخير من الكتاب: "هذا الهامش الذي لا يكون للتاريخ معنى من دونه". لقد استطاع فلاح الجواهري ان يكمش قبضة ريح تركها الشاعر الكبير ولم يلتفت أحد اليها، ولن يكون بإمكان مؤرخ أن يلتفت إليها دون ريشة الابن المغموسة في حبر الجمال وسمو الحياة التي بقيت في الذاكرة إلى أن يجيء زمن تدوينها وها هي مدونة باللغة المرادة التي تستحقها...
"ما ترك الشاعر للريح" كتاب ذكريات يعيد لفن السرد هيبته ويمنحه فرصة تاريخية لشق الزمن والنفاذ إلى الجهة الأخرى من المرآة... إنه فعلا كتاب لذيذ بكل ما تحتوي هذه الكلمة من معانن روحية وجمالية وعضوية أيضا. فمواده التاريخة& فتحت نفسها من أجل النص المكتوب، أي من أجل لذة الفقراءة...