بإمكان تحوّل اليوان إلى عملة احتياطية جوهرية أن يجعل الصين تتخلص من اضطهاد الدولار الأميركي وهيمنته في المستقبل، كما إنه سيكون أحد الضمانات لتوفير الرعاية لكبار السن.

إيلاف: أكد البروفيسور يين جيان فنغ نائب مدير معهد البحوث المالية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية أن الوضع المالي العام في الصين تحوّل من فائض في السيولة في عامي 2009 و2010 إلى حالة من السيولة غير الكافية، بل حتى نقص في السيولة، وحتى نتجنب أن يتطور هذا النقص في السيولة إلى انكماش اقتصادي طويل المدى، ولنتجنب تفاقم الوضع أكثر، ومن ثم حدوث فائض من جديد في السيولة، ينبغي أن تتخذ الصين إجراءات تأخذ في عين الاعتبار الإصلاح طويل المدى والمخاطر قصيرة المدى، إضافة إلى ضرورة إصلاح آليات التمويل والرقابة على السياسات النقدية الحالية، والحفاظ على مستويات معقولة للسيولة إلى جانب الإسراع من دفع الإصلاحات المالية في الصين. 

صعوبة تسوية تجارية
ورأى في كتابه "التحولات المالية في الصين" أنه ينبغي على الصين أن تتخذ وسائل معالجة تجمع بين "العلاج الطويل وقصير المدى" في مواجهة القضايا الاقتصادية القائمة في الاقتصاد الصيني، فمن ناحية، ينبغي أن تلتزم بالتخطيط المنظومي الشامل طبقًا للدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب الشيوعي الصيني، ومن ناحية أخرى، ينبغي علينا أن تتخذ بعض الإجراءات التي تستطيع تقديم العلاج لأي خلل على المدى القصير، وبالتالي تقليل نسبة الرفع المالي تدريجيًا، والقضاء على فقاعات سوق العقارات.

وأشار إلى أن تدويل اليوان الصيني هو تصدير اليوان عن طريق التسويات التجارية، ثم رفع الرقابة على حساب رأس المال تدريجيًا، حتى يُعاد تدفق اليوان المجمَّع من الأسواق الخارجية إلى البلاد، وعلى الرغم من أن نطاق تصدير اليوان وإعادة تدفقه ليس كبيرًا حتى يومنا هذا، لكن النموذج المطبق هو النموذج الياباني نفسه "تسوية المبادلات التجارية + الأسواق الخارجية (رفع الرقابة على حساب رأس المال)". 

لكن - يتساءل الكاتب - تُرى هل ستختلف التجربة الصينية رغم فشل هذا النموذج الياباني؟. للإجابة عن هذا السؤال، ينبغي أولًا أن نحلل مدى إمكانية تدويل اليوان عن طريق التسويات التجارية. إذا أخذنا الهيكل الإقليمي للتجارة الخارجية في الصين لعام 2009 نموذجًا، فإن الدول التي تصدر العملات الاحتياطية، كالولايات المتحدة، ومنطقة اليورو، والمملكة المتحدة، واليابان، تشغل نحو 37 % من التجارة الخارجية الصينية، وإذا أدرجنا هونغ كونغ كذلك ضمن الحسبة (لأن التجارة الداخلية في هونغ كونغ تعتمد على تجارة إعادة التصدير، وتعتمد على التصدير إلى أوروبا والولايات المتحدة)، فسنجد أن 45% من التجارة الخارجية في الصين تتم مع الدول ذات العملات القوية والدول التي تربط عملاتها بالعملات القوية (هونغ كونغ)، وبالتالي فإن التجارة هنا يصعب فيها التسوية باليوان.

شيخوخة مسيطرة
وأوضح أن تحول اليوان الصيني إلى عملة احتياطية جوهرية سوف يجعل الصين تتخلص من اضطهاد وهيمنة الدولار الأميركي في المستقبل، إضافة إلى أنه أحد الضمانات الصينية لتوفير الرعاية لكبار السن. فطبقًا لتوقعات البنك الدولي، فإن العالم في المستقبل سيعاني من ظاهرة شيخوخة السكان، ومن المتوقع نظرًا إلى ارتفاع أعداد الشيوخ، أن ترتفع معدلات الإعالة العالمية من 51.6% لعام 2015 إلى 58.1% في عام 2050. 

وبحسب توزيع الأجور، يضيف، فإن سرعة شيخوخة السكان في الدول المتقدمة أعلى كثيرًا من الدول الأقل نماءً. وبحلول عام 2050، سوف تكون معدلات الإعالة في الدول المتقدمة أعلى بعشرين نقطة مئوية مقارنةً بالدول الأقل نماءً. أما بحسب الموقع الجغرافي، فإن معدلات شيخوخة السكان في أوروبا تُعد الأخطر، ثم تتلوها الولايات المتحدة، وتُعد معدلات الشيخوخة في اليابان الأخطر بين الكيانات الاقتصادية الأربعة الكبرى عالميًا، ثم تأتي بعدها ألمانيا، ومعدلات الإعالة في الولايات المتحدة تُعد أعلى من الصين. 

هنا يوجّه المؤلف دعوة إلى التخلص من هيمنة الدولار، ودفع اليوان لكي يصبح عملة احتياطية مهمة داخل النظام المالي والنقدي العالمي، ولكن في الوقت نفسه، يجب عدم الاعتماد على الفهم السطحي لتدويل اليوان عن طريق توسيع نطاق استعماله فحسب، ولا ينبغي اللجوء إلى نموذج التدويل الياباني الذي أُثبت فشله.

مصرفي ورأسمالي
قارن يين جيان فنغ بين النظام المالي المقيّد المطبق في الصين والنظام المالي الحر في الدول المتقدمة ومميزات وعيوب النظام الصيني. فقد أشار قرار "اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بشأن القضايا الرئيسة الخاصة بتعميق الإصلاح على نحو شامل" إلى فكرة إصلاح النظام الاقتصادي الصيني، بحيث تؤدي الحكومة دورها بشكل أفضل. 

وتطرق هنا إلى ثلاثة محاور أساسية: أولًا، مبادرة الحكومة بالحدّ من أي تدخل غير مناسب، ثانيًا الدفع بتأسيس منظومة كاملة وقواعد تضبط السوق، ثالثًا تعزيز الرقابة والتنظيم والضبط الكلي للسوق، ويعني تغيير وظيفة الحكومة بهذا الشكل أن النظام المالي المقيد سوف يتحول إلى نظام مالي حر، وبالتأكيد إن تعزيز الرقابة والتنظيم الكلي للسوق يتطلب الاستفادة من الدروس المستخلصة من الأزمات المالية العالمية، حتى تتمكن الصين من بناء نظام رقابة مالي حديث يمكنه الوقاية من المخاطر. 

كما قارن يين جيان فنغ أيضًا بين النظام المالي المصرفي والرأسمالي، مشيرًا إلى أن النظام المالي الحالي في الصين ينتمي إلى النظام المصرفي (أو التقليدي) الذي يقوم على التمويل المصرفي. يتفق هذا النظام مع النظام المالي المقيد؛ حيث يقوم بتعبئة المدخرات، ودفع الاستثمارات واسعة النطاق، بهدف خدمة التنمية الاقتصادية في المقام الأول. لكن إذا ما قارنّا هذا النظام بالنظام المالي القائم على السوق (أو الرأسمالي) في الدول المتقدمة، سنجد أنه يعجز عن تقديم قنوات متنوعة لاستثمار المدخرات وتخصيصها لاستثمارات في اختراعات وتقنيات حديثة، كما تتركز المخاطر الائتمانية ومخاطر السيولة بشكل كبير في القطاع المصرفي الهش.

الفائض المزدوج
وبالنظر إلى الوضع المالي العالمي، رأى أن الأنظمة المالية القائمة على السوق (الرأسمالية) - وليس على القطاع المصرفي - لطالما كانت سمة من سمات الدول الرائدة عالميًا، وبالتالي لن تستطيع الصين تحقيق حلم النهضة الصينية اعتمادًا على النظام المالي الحالي القائم على القطاع المصرفي بشكل أساسي. 

وكان للفقرة الثانية من القرار، والمتعلقة بشرح كيفية تأسيس نظام اقتصادي أساسي وتحسينه، كان لها دور في رسم الطريق لهذه العملية، وهي التحول من نظام مالي قائم على القطاع المصرفي إلى نظام قائم على السوق (الرأسمالي). وبالتأكيد فإن تحول النظام المالي، وإعادة بنائه، وفتح مجالات جديدة للاستثمارات المالية سوف يؤدي إلى عصر مليء بالتغيرات المالية الكبرى، وفي الحقيقة ليست كل هذه التغيرات ببعيدة، حيث إنه بحلول عام 2020، يجب أن تحقق الصين نتائج حقيقة في أهم المجالات وحلقات الإصلاح المحورية، كما يجب أن تنتهي من مهام الإصلاح المطروحة في القرار، وأن تبني أنظمة تعمل بفاعلية وتتمتع بمنظومة متكاملة، ومعايير علمية، مما يدفع بنضج واستقرار النظام الاقتصادي ككل.

وعند مناقشة يين جيان فنغ ظاهرة "الفائض المزدوج"، التي قصد بها "الفائض في الحساب الجاري وحساب رأس المال معًا"، أكد أن الفائض في القوة العاملة بسبب التحول الديموغرافي لن يؤدي إلى قوة إنتاجية حقيقية ويعزز النمو الاقتصادي، إلا إذا اقترن برأس المال، ورأس المال الذي يحتاجه النمو الاقتصادي في كل الدول النامية تقريبًا يأتي من الخارج من دون استثناء، بما في ذلك الصين، لأن الفائض المستمر في حساب رأس المال مرتبط بصورة أساسية بالاستثمارات الأجنبية المباشرة في الصين. 

وإلى جانب الأسواق الخارجية ورأس المال الأجنبي، فإن ظاهرة "الفائض المزدوج" تحمل في طياتها شرطًا آخر من شروط تحقيق العائد الديموغرافي، ألا وهو استقرار الأنظمة المالية والنقدية الدولية. فإن الفائض المستمر وطويل الأجل في الحساب الجاري وحساب رأس المال يقابله نمو مستمر وطويل الأجل في الأصول الاحتياطية، فقد قفز النمو السنوي للأصول الاحتياطية في الصين منذ عام 1994 إلى حاجز 10 مليار دولار، ثم ارتفع منذ عام 2003 إلى حاجز 100 مليار دولار، ووصولًا إلى 2008 حيث اندلعت الأزمة المالية العالمية، سجل أعلى مستوى وصل إليه في تاريخ الاقتصاد الصيني، وهو 480 مليار دولار أميركي، وقد بلغ إجمالي الأصول الاحتياطية الصينية بين عامي 1982 و2013 نحو 3.9 تريليون دولار.

مخاطر اللامركزية
ولفت إلى أن اللامركزية المالية والنقدية الحالية تستنزف إمكانات تنمية العائد الديموغرافي، بل إنها تشكل مخاطر ماليةً منظوميةً كامنةً. وفي الواقع، فإن اللامركزية المالية والنقدية ليست أمرًا تنفرد به الصين فحسب، ففي منطقة اليورو التي شهدت أعنف الأزمات، يمثل تطبيق اللامركزية المالية والنقدية معًا أكبر المخاطر الكامنة التي تواجه اليورو للحفاظ على مكانته كعملة احتياطية. 
تطبّق منطقة اليورو سياسات نقدية موحدة وأنظمة مالية لامركزية، ولكن ربما لا يعرف العديد أن منطقة اليورو بحد ذاتها نظام مالي لامركزي، حيث تتمتع الدول الأعضاء بسلطات إدارية مالية حقيقية، كما تنقسم هياكل الإدارة المالية، إما إلى نموذج "اللامركزية مع التعاون"، أو "اللامركزية مع التنسيق"، وليس نموذج "المركزية". إضافة إلى ذلك، هناك اختلافات كبيرة في أطر الرقابة لدى الدول الأعضاء في منطقة اليورو، فهناك دول تفّعل الرقابة القطاعية (على مستوى القطاعات)، وهناك من تطبق الرقابة الوظيفية متعددة القطاعات، وهناك من تطبق الرقابة المتكاملة.

ورأى أن اللامركزية المالية والنقدية منذ عام 2003 تعد أحد السبل لتحقيق التنمية المستدامة للاقتصاد الصيني، ولكنها في الوقت نفسه تسببت في مخاطر منظومية كامنة هائلة، ما يتطلب إصلاح النظام برمته، بشرط ألا يكون الإصلاح إصلاحًا سطحيًا أو "من القاعدة إلى القمة"، بل يجب أن يكون إصلاحًا منظوميًا يتم في النظامين المالي والنقدي معًا، أي ما يُطلق عليه "التخطيط المنظومي الشامل". 

زيادة السكان العاملين
وفي الحقيقية، فإن "التخطيط المنظومي الشامل" ليس بالأمر الجديد، فعلى مدار أكثر من ثلاثين عامًا من الإصلاح، يُعتبر "قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بشأن بعض القضايا المتعلقة ببناء سوق ونظام اقتصادي اشتراكي" الذي مررته الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الرابعة عشرة للحزب الشيوعي الصيني في عام 1993 مثالًا نموذجيًا لـ"التخطيط المنظومي الشامل"، إضافة إلى ذلك، فإن "قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بشأن القضايا الرئيسة الخاصة بتعميق الإصلاح بشكل شامل" والذي مررته الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب الشيوعي الصيني يُعد – أيضًا - نموذجًا للتخطيط المنظومي الشامل، والذي قد ساهم في تحديد المستقبل السياسي والتنمية الاقتصادية الصينية. 

وأوضح يين جيان فنغ أنه في الصين، بدأت ترتفع نسبة السكان في سن العمل بشكل ملحوظ منذ عام 1976، بعدما ظلت قبل ذلك ثابتة عند معدل 56%، ثم في "السنة الأولى" من تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح، أي عام 1978، بدأت تتجاوز نسبة السكان في سن العمل في الصين المعدلات العالمية، ثم شهدت هذه النسبة فترتي ارتفاع أخرى (من عام 1976 حتى 1995 ثم من العام 1996 حتى عام 2010)، وتجاوزت نسبة 72% بحلول عام 2010.

وقال "في ظل بعض الظروف المواتية، من الممكن أن يؤدي ارتفاع نسبة السكان في سن العمل إلى ثلاثة تأثيرات أساسية: أولًا: ارتفاع توريد القوة العاملة. ثانيًا: إذا استطاعت القوة العاملة الحصول على فرص عمل في القطاعات غير الزراعية، فسوف ترتفع معدلات الإدّخار والاستثمار، ما يعزِّز على الجانب الآخر من إنتاج قوة عاملة فعالة. ثالثًا: إن زيادة العمر المتوقع للسكان وارتفاع معدلات الأجور من الممكن أن يؤدي إلى زيادة في الاهتمام برأس المال البشري وقضية التعليم، مما يؤدي إلى تراكم قدرات رأس المال البشري، ويعجّل من التقدم التكنولوجي، وفي الحقيقية، إن تداخل هذه التأثيرات الثلاثة السابقة هو ما يُدعى بـ"العائد الديموغرافي".

يذكر أن الكتاب صدر ضمن سلسلة "قراءات صينية" التي يشرف عليها حسانين فهمي حسين أستاذ اللغة الصينية والترجمة المساعد في كلية الألسن جامعة عين شمس، والتي تصدر من دار صفصافة. وهو من ترجمة: آية محمد الغازي المدرس المساعد في قسم اللغة الصينية كلية الألسن - جامعة عين شمس، ومراجعة حسانين فهمي حسين.