إيلاف: طالما تحير الباحثون في أسباب انهيار الإمبراطورية الرومانية، وطرح متخصصون الكثير من النظريات عن هذا الحدث المهم. وكان أهم كتاب عن هذا الموضوع يحمل عنوان "تاريخ انهيار الإمبراطورية الرومانية وسقوطها" للمؤرخ المعروف إدوارد غيبون، الذي نشر في أواخر القرن الثامن عشر.

روما شهدت أوج ازدهارها تزامنًا مع ظروف مناخية دافئة

تقول الروايات الكلاسيكية إن السقوط جاء عندما هاجم الملك ألارك ورهطه من القوط الغربيين مدينة روما ونهبوها وسلبوا ما فيها. وما أن انتشر هذا الخبر فِي كل أنحاء الإمبراطورية مترامية الأطراف، لملم المحاربون والجنود خيامهم وعددهم وغادروا مواقعهم إلى ما غير رجعة.

تذكر التحليلات التقليدية أيضًا أن روما شهدت قبل سقوطها النهائي في النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي وعلى مدى قرون عديدة صعود أباطرة فاسدين ولا مبالين، قضوا سنوات حكمهم، وهم يخوضون صراعات داخلية على السلطة والمكاسب. أما الإمبراطورية الرومانية الشرقية فصمدت حتى عام 1453، وهو عام سقوطها على يد العثمانيين.

تغيرات مناخية
لكن المؤرخ كايل هاربر أستاذ الكلاسيكيات في جامعة أوكلاهوما يضيف إلى كل هذه الأسباب التقليدية سببًا جديدًا هو التغيرات المناخية التي يقول إنها تآمرت على هذه الحضارة مع الدورات الشمسية والثورات البركانية والأمراض والأوبئة، لا سيما الطاعون، كما تضامنت مع انتشار الصراعات السياسية الداخلية وضعف الأباطرة لتقضي على أهم دولة في تلك الحقبة الزمنية. ويسند الكاتب رأيه بنتائج بحوث علمية عن المناخ والجيولوجيا والأمراض في كتاب حمل عنوان "مصير روما: المناخ والأمراض ونهاية الإمبراطورية".

لا يفند هاربر آراء غيبون عن أسباب السقوط، بل يتفق معه على أن أكثر الفترات ازدهارًا كانت بين 96 و180 ميلادية، ويرى أنه بحلول عام 650 كان الإزدهار قد ولى بشكل نهائي، فيما بلغ عدد سكان حوض المتوسط نصف عددهم السابق، الذي كان 75 مليون نسمة. أما عدد سكان روما الذي كان يقدر بمليون شخص فسجل رقمًا بائسًا في تلك الفترة، وهو 20 ألفًا فقط.

دفء وبرودة
ويعتقد هاربر أن روما شهدت أوج ازدهارها في الفترة ما بين 200 قبل الميلاد و150 بعد الميلاد، والتي تزامنت مع ظروف مناخية دافئة. وينقل عن المؤرخ بلينيوس الأكبر كيف أن أشجار الزان، التي عادة ما تعيش في المناطق الواطئة، راحت تتسلق سفوح الجبال، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، فيما انتشرت أشجار الزيتون والأعناب في مناطق شمالية أخرى.

ثم ما لبثت الأحوال الجوية أن تدهورت بين الأعوام 150 و400 بعد الميلاد، وهي فترة انتقالية ليحل بعدها عصر شديد البرودة امتد ما بين 450 و700 ميلادية، وقد سقطت روما في بدايته.

يرى الكاتب أيضًا أن هذه التغيرات الحرارية والجوية ضربت القارة بالترافق مع انتشار الطاعون في العام 165، ثم في العام 249 ثم في العام 541.

ووفقًا لحسابات هاربر قتلت موجات الطاعون هذه ملايين الأشخاص، فهو يتحدث عن سبعة ملايين حالة وفاة في أقل هذه الأوبئة قوة. ولو قارننا هذه الأرقام بعدد القتلى الذين خلفتهم أكثر المعارك دموية في تاريخ روما العسكري، وهي معركة أدريانوبل في عام 378 ميلادية بين الروم الشرقيين والقوط، وسقط فيها عشرون ألف قتيل، ندرك أن الأمراض قتلت عددًا من الناس أكثر من الأسلحة، وأن هذه الحقيقة ظلت قائمة إلى حين اندلاع الحرب الأميركية الأهلية.

هذا وكان الجفاف والطاعون وانعدام الاستقرار السياسي قد أدت كلها إلى انهيار روما الأصغر، ويسمى أحيانًا بالانهيار الأول. وفِي مصر انحسرت مياه النيل الضرورية للزراعة، ما أدى إلى قلة المحاصيل على مدى عامين.

ثم تعاضد الطاعون والبرد القارس في القرن السادس لإنجاز المهمة. في سنة 536 تجمعت غيوم وحجبت نور الشمس بعد ثورة بركانية هائلة في شمال الكرة الارضيّة، وسمي ذلك العام بالعام الذي لا صيف له. واستمر الوضع في التدهور بشكل تدريجي وثابت، ثم وبحلول 626 وصل الفرس إلى أسوار مدينة القسطنطينية.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "سبكتاتور". المادة الأصل منشورة على الرابط

https://www.spectator.co.uk/2017/12/famine-fever-and-the-fall-of-rome/