حكاية آل ليمان هي نفسها حكاية وول ستريت، حيث يمشي الناس على الهواء في كل يوم. وهي نفسها حكاية الأزمات المتتالية منذ الكساد الكبير إلى طفرة 2008.

إيلاف: منذ زمن طويل، كان الإيطاليون يستلهمون ما في أميركا. في عقد الستينيات مثلًا، لم يمر عام من دون فيلم إيطالي عن رعاة البقر الأميركيين. والآن، بعد مرور نصف قرن على فيلم سيرجيو ليوني "ذات مرة في الغرب"، يستضيف المسرح الوطني في لندن عملًا إيطاليًا مغايرًا عن الغرب الأميركي، هو حكاية أخلاقية كبرى عن الله والجشع والقهر والعائلة، أبطالها مصرفيون بدلًا من رعاة البقر.

قصة ليمان
كان قسم من "ثلاثية ليمان" التي تروي انهيار المصرف الشهير بقلم ستيفانو ماسيني، وهو كاتب مسرحي من فلورنسا، عُرض في باريس عام 2013. وتُرجمت المسرحية إلى الألمانية، وأعاد ماسيني كتباتها في رواية. وتُعرض المسرحية الآن في لندن من إخراج سام ميندز بعدما أعدّها بن باور للمسرح.

تبدأ المسرحية يوم 15 سبتمبر 2008 الذي انهار فيه مصرف ليمان براذرز العملاق. لكنها تقفز على الفور إلى 11 سبتمبر 1844 عندما وصل هايون ليمان، وهو ابن تاجر ماشية يهودي، من بافاريا إلى نيويورك، بحذاء جديد احتفظ به لهذه المناسبة.

في الميناء، يصبح هنري ليمان بدلًا من هايون ليمان، ويستقر في مدينة مونتغمري في ولاية آلاباما، حيث يفتح متجرًا متواضعًا. يلتحق به شقيقاه إيمانويل وماير. ويعمل الأخوة ليمان في صناعة القطن. وفي أواخر خمسينيات القرن التاسع عشر، يفتح الأخوة الثلاثة مكتبًا في نيويورك ويؤسّسون مصرفًا. "ثلاثة أشقاء. مسافرون. مهاجرون. وصلوا بلا شيء معهم وبنوا كونًا كاملا"، كما تنقل "إيكونومست".

تروي المسرحية قصة بناء أميركا الحديثة في إطار قصة عن المال، من خلال متابعة حظوظ عائلة ليمان وشركتها المصرفية خلال سنوات الحرب الأهلية والكساد العظيم.

أزمة مهدت لأزمة
لكن "ثلاثية ليمان" عمل عن الإبداع المسرحي أيضًا. فعندما ينزل هايون من السفينة في بداية المسرحية، يقف فورًا على أنقاض المصرف المنهار في عام 2008. نجد صناديق الورق المقوى المعروفة من أيام الأزمة المالية تتناثر على المسرح. وفي مشاهد أخرى، تصبح منصات خطابة ومناضد ودرجات سلم وأعمدة في بورصة نيويورك. وعلى امتداد ثلاث ساعات، يقوم الممثلون الثلاثة بأدوار مختلفة.

يروي الممثلون الثلاثة القصة في أثناء تمثيلها. وكثير من اللغة التي ينطقون بها غنية غناء أدائهم المسرحي. وكان النص الإيطالي الأصلي زاخرًا بالتقليد اليهودي الذي يحافظ عليه باور في إعداده للمسرح البريطاني.

لكن، بمرور الوقت تتلاشى الطقوس والشعائر اليهودية، بما في ذلك مجالس العزاء على الموتى التي اختصرت من سبعة أيام في البداية إلى ثلاثة أيام في المرة الثانية، وإلى ثلاث دقائق عندما أغلق المصرف أبوابه.

تنقل إلينا لغة النص أن العائلات والشركات والبلدان تصنع من المادة الوراثية للأجيال، وأنها تتطور، بحيث تغير شكلها كاملًا، لكنها تكرر نفسها أيضًا. وانهيار البورصة في عام 1929 مهّد الطريق لأزمة 2008. فإن وول ستريت "مكان يمشي فيه الأشخاص على الهواء كل يوم"، كما يقول النص.

حصان الحرب
يؤكد الإبقاء على أزياء الأخوة ليمان من منتصف القرن التاسع عشر ولكنتهم الوسط أوروبية هذا الإحساس بالاستمرارية. ويكون الأخون ليمان الأصليون حاضرين شبحيًا حتى النهاية التي يتوقعها الجمهور. وهذا كله يجعل العمل مسرحية استثنائية.

على الرغم من مادة موضوعها المختلفة، فإنها تعيد التذكير بمسرحية أخرى عُرضت على المسرح الوطني هي "حصان الحرب" حيث سحر الفن وتشوق الجمهور يشكلان المعنى والأسلوب كما في مسرحية "ثلاثية ليمان".

تقول إيكونومست في مراجعتها للمسرحية إن المأخذ الرئيس عليها هو تصويرها الجنوب الأميركي عشية الحرب الأهلية والحرب نفسها.

الرسالة النهائية للعمل هي أن الفضيلة والرذيلة متداخلتان؛ وخلافًا لأفلام رعاة البقر الايطالية فهذه المسرحية بلا أخيار وأشرار واضحين. فالصعود يؤدي إلى السقوط والطموح إلى الاستعلاء. وأخلاق العمل التي يستوحيها آل ليمان تتحوّل إلى جشع، وتحط من مستوى المصرف، فتكون استثماراته عابرة منتقلة من السلع إلى الأفلام إلى الموازنة.

باختصار، النظام المالي وأميركا يلتهمان نفسيهما مدفوعين بشطارتهما وشهيتهما التي لا تشبع.


أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "إيكونومست". الأصل منشور على الرابط:
https://www.economist.com/books-and-arts/2018/07/14/on-stage-the-saga-of-the-lehman-brothers-is-a-parable-of-america?frsc=dg%7Ce