كانت الدولة العثمانية واحدة من أكبر إمبراطوريات العالم وأقواها حتى بدايات القرن العشرين، وقد ظلت قائمة على مدى أكثر من ستة قرون، وضمت ضمن أراضيها بلدانًا وأقاليم عديدة تتوزع في قارات ثلاث هي أوروبا وآسيا وأفريقيا. 

إيلاف: أسس هذه الدولة عثمان الأول بن أرطغرل في عام 1299، وظلت قائمة حتى عام 1923 عندما تفككت بعد الحرب العالمية الأولى، وتقاسم أراضيها البريطانيون والفرنسيون بشكل خاص. 

شهدت هذه الدولة فترات ذهبية، لا سيما في القرنين السادس عشر والسابع عشر، حيث بسطت سلطتها على أراض واسعة، امتدت من ضفاف نهر الدانوب إلى حدود إيران والقوقاز ومن شبه الجزيرة العربية إلى المغرب.

ونظرًا إلى سعة هذه المساحات تميزت الدولة العثمانية بالكثير من التنوع من نواح عديدة، منها الناحية الدينية، حيث كان رعاياها من المسلمين والمسيحيين واليهود بمذاهبهم العديدة، كما تميزت بتعدد اللغات فيها، علمًا أن اللغات الرسمية فيها كانت التركية والعربية بالدرجة الأساس.

وبالطبع كانت أهم مدنها وعاصمتها الرئيسة إسطنبول التي استولى عليها محمد الفاتح في عام 1453. معرض الحديث عن العثمانيين ودولتهم يأتي بمناسبة صدور كتاب احتاج التحضير له عشر سنوات كاملة، وشارك في إنجازه 175 باحثًا، ويضم 720 مبحثًا، ويقع في 1350 صفحة. 

عنوان الكتاب "قاموس الإمبراطورية العثمانية"، وأراد به المشرفون عليه أن يكون مرجعًا لكل ما له علاقة بهذه الإمبراطورية من قريب أو بعيد منذ زمن عثمان الأول مرورًا بمحمد الفاتح الذي جعل الرسام الإيطالي جنتيلي بيليني يرسم صورته رغم تحريم الإسلام هذا النوع من الرسومات، وأمر بترجمة الآداب الأغريقية واللاتينية، وانتهاء بمرحلة الرجل المريض وموته، علمًا أن غالبية الصراعات التي دارت في العقود الأخيرة أو التي تدور حاليًا ابتداء بسراييفو ومنطقة البلقان ومرورًا بدمشق ومصر واليمن أو ليبيا ودول الشرق الأوسط كلها لها علاقة بتاريخ الدولة العثمانية. 

تنوع
يتضمن المؤلف أبوابًا غطت كل شيء تقريبًا له علاقة بهذه الدولة، ومنها تنوع الأراضي والأقاليم والمدن المهمة، مثل إسطنبول وبغداد والقاهرة وأزمير وحواضر أخرى عديدة مع شروحات لكل منها. 

يتضمن أيضًا إلى جانب أسماء السلاطين وتاريخ حياتهم وإنجازاتهم وأعمالهم وممارساتهم والحروب التي خاضوها، أسماء شخصيات مهمة في مجالات السياسة والثقافة والفكر والاقتصاد والدين والدولة والعسكر والفن والأدب والشعر، نطلع فيها مثلًا على موجز حياة الشاعر بير سلطان عبدال، إلى جانب إشارة الى الشاعر الفرنسي ألفونس دو لامارتين الذي انبهر بإسطنبول عندما زارها في عام 1833 وكتب في مدحها عددًا من القصائد.

في الكتاب أيضًا شرح لكل الأقليات الدينية والعرقية والمذهبية، وذكر لمختلف اللغات التي تحدث بها رعاياها، وتفاصيل عن تاريخ المؤسسات التي قامت فيها والأفكار التي ولدت ونمت في كنفها، وحتى طريقة تفكير جموعها وأفرادها والمصطلحات التي استخدموها، وما تميزت به أراضي هذه الدولة من تضاريس وجغرافيا، ويشمل ذلك الغابات والجبال والأنهار والأقاليم والبلدان إلى جانب شروحات عن مختلف المهن التي كانت تُمارس عبر تلك القرون، وبضمنها الزراعة بأنواعها وأصنافها، وحديث عن صناعة السفن والقوارب وعن تنظيم الحدائق وعن المكتبات والحمامات وعن العلوم التي ازدهرت في الإمبراطورية أو انتشرت فيها، وعن المستشفيات التي بنيت هنا وهناك فيها، وعن الأطباء وعلماء الفلك والرياضيات، وحتى عن نظام الإدارة والحكم والضرائب وأنظمة النقل والسكك الحديدية والجباية والمبيعات وطرق تسجيلها وتوثيقها. 

نزور في رحلتنا داخل هذا القاموس مدنًا عديدة كبرى وصغيرة تقع في قلب الإمبراطورية او في اطرافها ونتعرف فيها على مختلف الحركات السياسية التي نشأت فيها والمعارك التي خاضها السلاطين والوزراء ومع من وبقيادة من ونلتقي خلال الرحلة بابن خلدون وابن العربي وفرانسوا الأول وسليمان القانوني ونتعرف على مختلف الصراعات الداخلية والخارجية التي دارت على مدى تاريخها الطويل. 
الباحثون الذين ساهموا في إنجاز هذه الموسوعة ينتمون إلى أصول متنوعة، بينهم فرنسيون وألمان وهولنديون وأميركيون وروس وعرب وصربيون وأتراك وبولونيون وأرمن وغيرهم، ويضم المؤلف 25 خريطة وصورًا ملونة عديدة.

هذا القاموس يعتبر مرجعًا مهمًا جديدًا قامت بنشره دار فايارد التي سبق أن نشرت مؤلفًا آخر يعتبر مرجعًا أيضًا تحت عنوان تاريخ الإمبراطورية العثمانية في عام 1989 علمًا أن دراسة هذه الإمبراطورية أصبحت فرعًا منفصلًا وقائمًا بحد ذاته، ويكشف المشرفون على إنجازه خطأ الرأي القائل إن فترة الدولة العثمانية ارتبطت بانحطاط وتدهور أوضاع المناطق التي كانت تابعة لها. 

كمثال على مدى التنوع في تاريخ هذه الإمبراطورية يشير المشرفون على هذه الموسوعة إلى 47 وزيرًا قادوا الإمبراطورية بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر، وكان منهم خمسة فقط من أصل تركي. أما الباقون فكانوا كلهم من أصول غير تركية. 

أعدت "إيلاف" هذا التقرير نقلًا عن "laviedesidees". الأصل على الرابط
http://www.laviedesidees.fr/Mondes-ottomans.html