ويرى محللون اقتصاديون عدة أن المشكلة تكمن في الأزمة المصرفية التي بدأت في الولايات المتحدة الأميركية. إذ إن الكثير من البنوك الأميركية بدأت عمليات محفوفة بالمخاطر أكثر من أي وقت مضى، وأكثر تعقيداً، ومنحت قروضاً كبيرة، كثيراً ما تكون مدعومة بأوراق مالية تتصل برهون على بيوت الناس. هذه المخاطر كانت quot;متنكرةquot; بالارتفاع المستمر لأسعار السكن، ولكن حين بدأت أسعار العقارات بالانخفاض، فشل العديد من المقترضين الوفاء بالتزاماتهم في تسديد الديون، وبدأت البنوك تفقد الأموال بسرعة، وانخفضت قيمة أصولها بشكل هائل.

ونظراً إلى الطابع العالمي للبنوك الأميركية، وآثار اقتصاد الولايات المتحدة على العالم ككل، انتقلت عدوى الأزمة المصرفية من الولايات المتحدة إلى العالم. في الواقع، اتهم الرئيس البرازيلي لولا إيناسيو دي سيلفا، الأسبوع الماضي، quot;ذوي الوجوه البيضاء والعيون الزرقاءquot;، بالتسبب بالأزمة، لكنها لن تضر سوى الناس quot;ذوو الوجوه السوداء والسكان الأصليينquot;.

ونتيجة لذلك، اتجهت أنظار زعماء مجموعة الـ 20 الأسبوع الماضي إلى الولايات المتحدة، إذ كشف تيموثي غيثنر، وزير الخزانة الأميركية، عن خطط لحل quot;الأصول السامةquot;، المشكلة الأساسية للبنوك الأميركية. وتسعى تلك الخطة إلى تشجيع الاستثمارات الخاصة المدعومة من قبل حكومة الولايات المتحدة لشراء quot;الأصول السامةquot;، ودعم ميزانيات البنوك، وتعتبر خطة غيثنر أهم جزء في قانون السياسة الاقتصادية للولايات المتحدة، منذ أكثر من خمس عقود من الزمن. وعلق مارك زاندي، خبير أميركي اقتصادي بارز، على تلك الخطة قائلاً: quot;إن الخطة التي طرحها غيثنر ستساعد على تحديد ما إذا كانت أميركا ستشفى بسرعة أو ببطءquot;.

حتى الآن، كانت رد الفعل في وول ستريت على هذه الخطة إيجابية، حيث ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي مستعيداً بعضاً من خسائر الشهر الماضي، إلا أن أحد المحللين الماليين قال لـ quot;إيلافquot;: quot;من المحتمل أن تكون هذه الظاهرة كارتداد القطة الميتة. ترمي القطة قبالة مبنى، إلا أنها سوف ترتد مرة أو مرتين، قبل أن تسقط على الأرض مجدداً ميتةquot;.

إضافة إلى خطة غيثنر المصرفية، تعهد الرئيس باراك أوباما بإنفاق ما يصل إلى 2 تريليون دولار لتنشيط الاقتصاد الأميركي. وفي حين أن الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة سيلعب دوراً حيوياً في إنعاش الاقتصاد العالمي، حثّ أوباما الدول على بذل المزيد من الجهد لتحفيز اقتصادها الداخلي، وخلق برامج تحفيز كبيرة خاصة بهم. مما دفع إلى نشوب بعض الخلافات الحادة بين الحلفاء.

وانتقد رئيس الوزراء التشيكي ميريك توبولانيك سياسة أوباما، باعتبارها quot;الطريق إلى الجحيمquot; في حال إتباع الحكومات الأوروبية مسار خطة العمل عينه. وأعرب عن خشيته من أن يكون الإنفاق الزائد حافزاً، من شأنه أن يؤدي إلى عجز في الميزانية، لا يمكن تحمله. في الوقت نفسه، انتقد رئيس الوزراء الصيني وين جياباو بحدة سياسة الولايات المتحدة، معرباً عن قلقه من أن الـ 740 مليار دولار الصينية الموجودة في أصول الخزانة الأميركية، لن تكون بمأمن عن التراجع الاقتصادي في أميركا.

كما دعت الصين إلى إنشاء عملة احتياطية دولية من شأنها أن تنافس الدولار. ورأت أنه إذا ما تم التعامل بهذه العملة، فستغير بشكل دراماتيكي قدرة أميركا على تحمل الديون الكبيرة، وبالتالي تحدث تراجعاً في الإنفاق الاستهلاكي.
في المقابل، تؤيد الصين رؤية أوباما quot;أن على بلدان مجموعة الـ 20 الاشتراك في برامج تحفيزية quot;عدوانيةquot;. في الواقع، برنامج الصين التحفيزي البالغ قيمته 547 مليار دولار، برهن بالفعل على وجود مؤشرات للنجاح. ونتيجة لذلك، ووفقاً لغلين ماكير، اقتصادي معتمد في هونغ كونغ، قال quot;لا يمكن أن تقف الصين وتقول سياساتنا نجحت، لقد حققنا الاستقرار الاقتصادي أولاً. بل أن تحاول الصين أن تأخذ دوراً أكثر أهمية وذا تأثير خلال اجتماع مجموعة الـ 20 هذا، أكثر مما حاولت خلال أي محفل دولي آخر في الماضيquot;.

أما بالنسبة إلى مستضيفي الاجتماع، يواجه رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون، الذي كان في رحلة حول العالم يجوب القارات الثلاث لحشد الدعم للعمل المشترك قبل انعقاد اجتماع مجموعة الـ 20، أسئلة صعبة في الداخل حول حزمة الحوافز التي اقترحها. وشكك ميرفن كينغ، حاكم مصرف بريطانيا المركزي، علناً بسياسة رئيس الوزراء براون لزيادة الحوافز الاقتصادية، مما حث براون على دعم المسار بحماس.
وسط هذه النزاعات الداخلية، تواجه مجموعة الـ 20 quot;اختباراً حاسماً خلال تاريخها القصيرquot; وفقاً لما ذكره شيرل شوينينغير، خبير الاقتصاد الأميركي. أما جورج سوروس، المستثمر المعروف على نطاق واسع دولياً، فوصف الاجتماع بأنه quot;اجتماع حياة أو موتquot; بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي.



أفشين مولافي من واشنطن، ترجمة حنان خالد: وسط أسوأ أزمة اقتصادية تجتاح العالم منذ أكثر من 6 عقود، سيجتمع في لندن يومي الخميس والجمعة قادة الدول الصناعية الكبرى والاقتصاديات الناشئة في العالم، للبحث عن حلول لانهيار الاقتصاد العالمي، الذي نجم من الأزمات المالية في العالم المتقدم. هذه هي المرة الثانية خلال 6 أشهر التي تجتمع خلالها دول مجموعة الـ 20، وسيتم اللقاء على مستوى رؤساء الدول، وهو حدث غير اعتيادي على الإطلاق.

الإحصاءات لا تزال غامضة، إلا أنها تشير إلى أن التجارة العالمية سوف تنخفض بنسبة 9 % في عام 2009، وفقاً لمنظمة التجارة العالمية، وهو أسوأ انخفاض تسجله أرقام التجارة منذ الحرب العالمية الثانية أوائل 1940. وانخفض خلال الشهرين الماضيين، الناتج الصناعي في أوروبا والولايات المتحدة بشكل حاد، بنسبة 17 % في أوروبا و11 % في الولايات المتحدة. وعلى مدى الأشهر الستة الماضية، خسر المستثمرون التريليونات جراء هبوط أسعار الأسهم، وبلغت قيمة أرباح الشركات أدنى مستوياتها. بيد أن البلدان النامية، لاسيما في أفريقيا، ستكون الأكثر تضرراً. وقال رئيس لجنة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة إن أكثر من مليار شخص quot;سيعانون الجوع المزمنquot; نتيجة للأزمة.