صباح الخفاجي من بغداد: طوال أكثر من 30 عامًا، وجّهت للاقتصاد العراقي ضربات قاصمة أصابته بالشلل والعجز فالإنهيار. وحسب مختصين اقتصاديين، فإن العراق اعتمد طوال هذه المدة على النفط كمورد اقتصادي أساسي، فيما تجاهلت الحكومات المتعاقبة ضرورة بناء الاقتصاد في كافة مجالاته العلمية والسياحية،التجارية والصناعية،الطبية والزراعية. ويصف المختصون الاقتصاديون الاقتصاد برضيع حديث الولادة بحاجةماسة إلى رعاية الدولة الأم لكي يشتد عوده، ويصير قادرًا على أداء دوره الأساسي. فالدول التي لا اقتصاد لها تصبح دولاً معدومة متخلفة عن القطار العالمي السريع. ولبناء الاقتصاد يتوجب على الدولة الأم،توفير البيئة الآمنة أو ما يصطلح على تسميته الملاذ الآمن،وتهيئة البني التحتية من كهرباء وماء وطرق وجسوروأنظمة وتشريعات توفر له سقفًا كافيًا للتطور والارتقاء. وغالبًا ما يعتمد الاقتصاد على القطاع الخاص، وإذا كانت غالبية كبيرة من دول العالم قد شرعت في بناء اقتصاد متين منافس، وقطعت أشواطًا بعيدة وحققت قفزات هائلة،فإن الأمر في العراق مختلف. وقد وصف المهندس علي صبيح لإيلاف وضع رجال الأعمال والاقتصاد في العراق بالقول: quot;وضع رجال الإعمال سيئ بل يكاد يكون تحت الصفر. الحكومة تعامل القطاع الخاص وكأنه ابن عاق، أو عدو لها. فهي لا توفر التسهيلات او الدعم، ولا تصادق على مشاريع نقدمها. إنهم يحاربوننا ويعاملوننا كأننا لصوصquot;.


مشاكل مع القطاع العام

يتفق رجال الأعمال على ان الاقتصاد الحر لن يقوم إلا على أكتاف القطاع الخاص وان البلد لا يتم بناؤه الا بمساعدة الشركات الخاصة العراقية... ويطالب رجال الأعمال بأن يكون القطاع الخاص شريكًا للقطاع العام. لكن الحكومة تكيل بمكيالين. فهي تدعم القطاع العام الحكومي فيما تشيح بنظرها واهتمامها عن القطاع الخاص. وشكى المهندس علي صبيح عضو اتحاد الصناعات العراقي. ان القطاع العام لا يتعاون إطلاقًا مع القطاع الخاص... ولفت الى ان اللجنة الاقتصادية التي يترأسها نائب رئيس الوزراء برهم صالح،والتي تمتلك القرار الاقتصادي،كانت قد خصصت 400 مليون دولار للقطاع الخاص، لم يتم صرف إلا 90 مليون فقط!


وأضاف: quot;ينصب اهتمام الحكومة على القطاع العام،ويغلقون الباب بوجه القطاع الخاص،وعلى الرغم من الدعم الحكومي فإن وزارة الصناعة تعاني من بطالة مقنعة متفشية. فوزارة التخطيط ودائرة السيطرة النوعية مسؤولة عن مراقبة السلع المستوردة لكنها لا تقوم بدورها الرقابي. أما نحن في القطاع الخاص فلا نمتلك أرضًا لإقامة المعامل أو المصانع... فالحكومة لا توفر لنا الكهرباء، ولا تساعد في توفير المواد الأولية،ولا تمدنا بالقروض اللازمة لإحياء الاقتصادquot;. وأضاف صبيح: quot;لدينا قرابة 40 ألف مشروع للقطاع الخاص لم تتم المصادقة عليها،ولم توفر لها الاحتياجات والتسهيلات. قالوا ان المصرف الصناعي سيزيد رأسماله من 25 مليون إلى 100 مليون واستبشرنا خيرًا لكنه مجرد كلام زائفلا احد يكترث للقطاع الخاص او لبناء اقتصاد حقيقي في العراقquot;!!

مقترحات لإحياء الاقتصاد وإعادة تأهيل القطاع الخاص

اكد رئيس اتحاد رجال الأعمال العراقيين أن تقدم الدول أصبح يقاس اليوم بمدى تطور اقتصادهاومتانته وليس بما تمتلكه من ثروات..وان بالاقتصاد القوي تمكنت دول شرق آسيا ماليزيا, اندونيسيا,سنغافورة الخروج من خانة البلدان النامية إلى مصافي الدول العالمية المتقدمة صناعيًا واقتصاديًا. وينطبق الأمر على الهند وعشرات العشرات من دول العالم. وفي الوقت الذي تقدم اقتصاد دول عربية جارة وأخرى إقليمية فإن الاقتصاد العراقي يتدهور من سيئ الى أسوأ،حتى بلغ ادنى المراتب..

واستذكر العقابي فترة الانتعاش القصيرة التي شهدها الاقتصاد العراقي quot; فشهد العراق انتعاشًا اقتصاديًا في بداية الثمانينات،وتم استقدام 6 ملايين أيادٍ عاملة من مصر، لكن الأمر سرعان ما تدهور. وواصل: quot;لإعادة تأهيل الاقتصاد نحن بحاجة إلى هيكلة الاقتصاد العراقي في الميادين السياحية، الصناعية التجارية،المالية الزراعية وكافة الميادين الأخرىquot;. ويتفق رجال الأعمال العراقيون علىأن القطاع الخاص والاقتصاد بحاجة الى تأهيل. ويتم ذلك بعدة خطوات منها إعادة هيكلة الاقتصاد،عن طريق إيقاف العمل بالنظام الشمولي الذي كان سائدًا خلال فترة حكم صدام حسين، والذي وضع العراق في أسفل قائمة التخلف عربيًا وعالميًا. وسن تشريعات وقوانين جديدة تتماشى مع التطور السريع الحاصل في النظم والتشريعات العالمية.

ويجب ان يؤهل رجال الأعمال والاقتصاد عن طريق توفير القروض الميسرة من بنوك وطنية, وأخرى عالمية، وتأهيل شركات ممولة ليتمكن رجل الأعمال من الاستثمار، ومجابهة الشركات العربية والأجنبية التي تروم الاستثمار والأعمار في العراق،وانتقال الدولة من الاقتصاد الموجه الى الاقتصاد الحر،واعتبار رجال الأعمال العراقيين شركاء في القرار. ويحتاج رجل الأعمال العراقي إلى الشراكة مع المستثمر الأجنبي.وعلى الحكومة سن تشريعات تفرض على المستثمر القادم من خارج العراق،وان يتشارك مع مستثمر محلي،لكي يفعل الاقتصاد ,ويقوى رجل الأعمال المحلي، ويمنح مجالاً للسماح بزيادة رأسماله, وبالتالي يقوم هو بالاستثمار مستقبلاً وإن كان ضمن مشاريع صغيرة أو متوسطة.

وطالب حميد العقابي quot; الحكومة ان تحذو حذو الحكومات الخليجية وتتبنى قوانينها الاقتصادية من اجل إعادة الاقتصاد العراقي الى الحياة. وتفرض الحكومات الخليجية ان تكون 51% للمستثمر ابن البلد و49% للمستثمر والشركات الأجنبية المستثمرة. وأشار إلى ان العمل بهذا القانون من شانه إنعاش الاقتصاد المحلي،وطمآنة الشركات المستثمرة الأجنبية على رؤوس أموالها بوجود مستثمر شريك محلي،وهي خطوة كفيلة بالمساعدة في تأهيل المستثمر،أو رجل الأعمال المحلي. ومن الجدير بالذكر ان قانون الاستثمار الذي تم اقراراه منذ اكثر من عام ونصف اتاح للمستثمري

ضربات موجعة للاقتصاد ورجال الأعمال

وجهت ضربات موجعة شديدة للقطاع الخاص من قبل نظام صدام حسين، فتحول إلى قطاع يقوم بعملية استيراد البضائع الاستهلاكية البسيطة جداً، من ملابس ومواد تجميل ومستلزمات دراسية وغيرها. ومما يؤسف له استمرار الوضع بعد 2003 حيث لم تمتد يد ناجعة لإنقاذه. لا الحكومة او البرلمان العراقي تمكنا من إحياء الاقتصاد،على الرغم من الشعارات والتصريحات الكبيرة التي يطلقها المسؤولون هنا وهناك.
ويشبه المهندس علي صبيح رجل الأعمال العراقي وكأنه طير مقصوص الجناح بدون معين او سند. فيقول: quot;كل ما يظهر على الفضائيات وصفحات الجرائد من تصريحات تقول بدعم القطاع الخاص تعتبر دعاية كاذبة. رجل الأعمال العراقي طير مقصوص الجناحquot;.

واستنكر المهندس علي صبيح إبقاء الأمر الذي أصدره الحاكم الأميركي للعراق،إبان فترة حكمه والقاضي بدفع 5% ضريبة كمرك على السلع المستوردة .مما أدى الى إغراق السوق العراقية بكل أنواع السلع الإيرانية,التركية,الصينية,الكورية,الأردنية,السورية, وغيرها.وقال: quot; لماذا لا يزيدون الكمرك على المواد المستوردة. إنهم يبقون نسبة 5% التي اقرها بريمر ويتعاملون معها وكأنها قرآن مقدس.لماذا لم تغيرها الحكومات المتعاقبةquot;؟ وواصلquot; تمتاز السلع الداخلة برداءتها لكن السوق غارق بتلك البضاعة ,مما أدى إلى توقف المعامل العراقية التي عاد بعضها للعمل ثم توقف لعدم قدرته على المنافسةquot;!

على الرغم من كل شيء يزدهر العمل في الأعمار

العراق اقرب ما يكون الى صحراء كبيرة بسبب الحروب والتدمير, التي شهدها طوال اكثر من 30عامًا ولان الحرب دمرت كل شيء كل المفاصل الاقتصادية ,التجارية, الصناعية, المالية الاستثمارية, الزراعية, ولكن يتركز نشاط رجال الأعمال العراقيين في مجال الأعمار. البنى التحتية العراقية مهدمة ونحن بحاجة الى الأعمار. ولفت حميد العقابي الى ان تحسن الظروف الأمنية اثر إيجابا على انتعاش عمل رجال الأعمال. حيث توفر ملاذًا آمنًا، خصوصًا في شمال العراق ومدنه الوسطى والجنوبية وحتى الغربية. وأصبحت الحكومات المحلية, ومجالس المحافظات أكثر انفتاحًا ع وتفاعلاً مع رجال الأعمال . ومنحت المقاولين بشكل اكبر فرص للعمل والأعمار.

وفيما اذا كانت الشركات العربية والأجنبية المستثمرة في العراق, تؤثر على عمل شركات رجال الاعمال..فقد قال العقابي ان قانون الاستثمار الذي تم إقراره قبل عام ونصف..يصب في مصلحة المستثمرين الأجانب والعرب لتشجيعهم على الاستثمار في العراق..ومن الأجدر بالحكومة إضافة بنود الى هذا القانون، تمنح فيه دورًا شريكًا لرجال الأعمال والمستثمرين العراقيين مع الشركات الأجنبية المستثمرة في العراق. أما بخصوص عودة رؤوس الأموال العراقية المهاجرة... فألمح رئيس اتحاد رجال الأعمال العراقيين الدولي إلى ان رجال أعمال عراقيين تأخذهم الحماسة إلى العراق للعمل والاستثمار. لكن العقبات والصعوبات التي تواجههم تجعلهم يعودون من حيث أتوا. ويعزفون عن استثمار أموالهم في العراق. رجل الأعمال يأتي ومن ثم يجد العقبات أمامه،فيعزف عن استثمار امواله في العراق،ويضطر إلى العودة واستثمار رؤوس أمواله في الخارج!!

الاقتصاد خضع للطائفية

وحمل حميد العقابي القائمين على الاقتصاد العجز والانهيار والتدهور الاقتصادي الشديد،لأنهم ليسوا على قدر المسؤولية اللازمةلإيصال الاقتصاد العراقي الى شاطئ الأمان وقال: quot;لا أظن القائمين على الاقتصاد اليوم يصلون به الى شاطئ الامان. لقد اخضعوا الاقتصاد أيضًا، وأصبح رهنًا للمحاصصة الطائفيةquot;. وواصل بانفعال : quot;لا يريدون فصل العلاقات الاقتصادية عن العلاقات السياسية. هذا بلاء أصاب العراق وأصاب الاقتصاد العراقي. يجب فصل الاقتصاد عن السياسة والخطوات الجبارة التي تمت في الدول الأوربية والدول الآسيوية نجحت في بناء اقتصاد متين وحقيقي لانها فصلت الاقتصاد عن السياسة.quot;الاقتصاد شريك للسياسة في كل العالم ,إلا في العراق حيث تسير الطائفية السياسية الاقتصاد وتسيطر عليهquot;.