استأثر سوق الأسهم السعودية خلال عقد من الزمن باهتمام منقطع النظير من قبل البنوك وشركات الاستثمار والموطنين، وساهم السوق السعودي في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة في إنشاء قنوات خاصة بالاقتصاد وتحويل اهتمام قنوات أخرى لمتابعة الحركة اليومية لتداولاته. وفي الشأن الاجتماعي طغت أخبار البورصة السعودية على مجالس السعوديين، ويؤكد المراقبون أن تاريخ السادس والعشرين من فبراير عام 2006 سيظل عالقا في أذهان السعوديين لسنوات طويلة.

فيالسادس والعشرينمن فبراير عام 2006 سجل سوق الأسهم السعودية خسائر فادحة قدرت ب260 مليار دولار، أي مايعادل نحو التريليون ريال من قيمته الأسمية حسب إحصاءات غير رسمية. البعض أطلق على ما شهده السوق انهيارا في حين فضل البعض الآخر تسميته تصحيحا إلا أن ما اتفقوا عليه هو أن هذا التاريخ أرخ لمرحلة مهمة لسوق الأوراق المالية في المملكة، مرحلة ما قبل فبراير ومرحلة ما بعده.

ما قبل فبراير

شهد سوق الأسهم السعودية منذ عام 2002 وحتى مطلع العام 2006 إقبالا متزايد من المستثمرين وصل إلى أربعة ملايين متداول، في حين تزايد عدد الشركات المطروحة للاكتتاب العام بشكل لافت. وتسابقت البنوك على طرح الصناديق الاستثمارية في السوق. وتزايد الاهتمام منقطع النظير من وسائل الإعلام المقروءة والمرئية بمجريات تعاملات السوق بشكل يومي.

القيمة المالية للتداولات اليومية ارتفعت من جهتها بشكل مطرد حتى تجاوزت مع مطلع العام 2006 ما يتم تداوله في بورصة لندن حين اقتربت قيمة الأموال المستثمرة في السوق السعودية خلال تلك الفترة وبشكل يومي من خمسين مليار ريال.

وتضاعفت قيمة الأسهم المنتمية لجميع القطاعات العاملة في السوق لتصل في شركات عدة إلى نسبة 1000 في المئة, دون معرفة سبب هذه الارتفاعات الهائلة. كثيرون نبهوا إلى بضرورة الانتقائية في الشراء خلال تلك المرحلة المفصلية من تاريخ سوق الأوراق المالية في السعودية والتفرقة بين الأسهم الاستثمارية وأسهم المضاربة للبعد عن خسائر يمكن أن يتكبدوها. وأصبحت الأسهم حديث المجالس الخاصة والعامة بسبب سهولة استثمار أي مبالغ سواء كبيرة أو صغيرة في سوق الأسهم, وشهدت البنوك إقبالا كبيرا على القروض المتجهة للسوق وقدمت تسهيلات ائتمانية مغرية للراغبين في شراء الأسهم, وبفعل الارتفاع الحاد والمتواصل جنى المتعاملون في سوق الأسهم أرباحا خيالية ماشجع أعدادا كبيرة من المواطنين على دخول سوق الأسهم. وسرت حمى المضاربة بالأسهم إلى جميع شرائح المجتمع وشارك فيها النساء بجانب الرجال ودفع الطمع بجني الأرباح الفاحشة والسهلة البعض إلى بيع أملاكهم من أراض ومبان وأثاث لشراء المزيد من الأسهم. حتى أن البعض منهم باع منزله وسيارته ورضي بالسكن في شقة مستأجرة صغيرة. وأدى الإقبال المنقطع النظير على شراء الأسهم إلى ارتفاع جنوني في أسعارها وواصل المؤشر العام للسوق حركته التصاعدية أوائل عام 2006 وارتفع إلى أعلى نقطة في تاريخه في الخامس والعشرين من فبراير شباط من ذلك العام حيث بلغ 20634 نقطة.

ما بعد فبراير

بعد بلوغ المؤشر السعودي ذروته بدأ بالتراجع وبصورة لم يتوقعها أحد فقد اعتبر الجميع الهبوط الحاد في بدايته مجرد تصحيح سريع بعد ارتفاع متواصل وحاد وكانوا مطمئنين إلى سرعة انحسار الموجة التصحيحية بتوقف المضاربين عن جني الأرباح من بيع بعض أسهم محافظهم الاستثمارية ليعاود المؤشر حركته لتصاعدية من جديد.

ووسط دهشة حملة الأسهم والمضاربين الذين كانوا متفائلين، واصل المؤشر تدهوره بشكل غير مسبوق وبوتيرة متسارعة وخلال الأشهر العشرة المتبقية من العام خسر المؤشر أكثر من 60 في المئة من قيمته ليصل إلى مستوى 7933 نقطة.

المحلل المالي محمد السويد اعتبر في حديث خاص quot;لإيلافquot; أن سوق الأسهم السعودي لم يكن له أي وجود يذكر مع مطلع العقد, قبل اكتتاب شركة الاتصالات السعودية، فقد كان قبل ذلك يعاني من شح التداولات وعدم اهتمام المستثمرين وانعدام الثقة فيه بسبب القصص التي كانت تسمع عن المستثمرين في أسواق الأسهم بشكل عام. وأكد السويد أن طرح شركة الاتصالات السعودية للاكتتاب هو المفتاح الذي أثار شهية المستثمر السعودي في سوق الأسهم وأعاد له الثقة بشكل قوي جدا خاصة عندما بدء يتحسس المستثمرين المكاسب التي جنوها من استثمارهم في شركة الاتصالات السعودي بمجرد طرحها للتداول. بعد ذلك بدءت طفرة سوق الأسهم تتضح خلال سنة 2003 بعد ان حصل له تصحيح كبير نسبيا خلال نهاية السنة ومن ثم الارتفاع الحاد الذي أعقبها خلال سنة 2004 قبل أن يصحح بشكل حاد أيضا خلال شهر مايو من نفس السنة. ومن ثم امتداد الفقاع الشهيرة خلال 2005 وحتى 2006 التي صاحبها دخول عدد أكبر من المستثمرين مستفيدين من القروض الشخصية التي كانت توفرها البنوك خلال تلك الفترة لمختلف شرائح المجتمع حتى حدث انهيار فبراير من سنة 2006 وتأثرت منه شريحة كبيرة من المستثمرين بدون استثناء وذلك بسبب الهبوط الحاد لمعظم أسهم شركات السوق وأيضا بسبب التدخلات الحكومية في أكثر من مناسبة والتي اعطت لمعظم المتداولين الثقة في الوقت غير المناسب.

وفي ردا على سؤال quot;لإيلافquot; حول تقييمه للإقبال الهائل من قبل المواطنيين على السوق المالية السعودية حتى وصلت عدد المحافظ الاستثمارية في السوق إلى أربعة ملايين محفظة عشية انهيار السوق فبراير 2006، قال محمد السويد إن هذا الإقبال يعتبر أمر طبيعي لأنه جاء مصاحبا لفقاعة السوق والتى جاوزت في حجمها أي فقاعة سابقة, فمن كان يتخيل أن ترتفع أسعار أسهم معظم شركات السوق لأكثر من 100 ضعف أسعارها خلال مطلع سنة 2000 بالإضافة إلى أن توفر القروض الشخصية عن طريق الأسهم في تلك الفترة ساعد على إغراء الكثير من الأفراد للاستثمار في سوق الأسهم مع ارتفاع مستوياته السعرية بشكل غير مناسب.

وأكد المحلل المالي السويد أن المواطنين السعوديين لم يكونوا على دراية ووعي استثماري عندما انكبوا على السوق فهي تعتبر التجربة الأولى لهم ولم تبذل هيئة سوق المال في ذلك الوقت أي جهد يذكر في توعية المستثمرين أو حتى التأثير على مجريات الأمور وهو بحسب تصوره يعتبر تطور طبيعي جراء محدودية خبرة مسؤولي الهيئة في ذلك الوقت ومحدودية صلاحياتهم على السياسة النقدية بشكل عام.

وحول انهيار السوق السعودية من أعلى مستوياته على الإطلاق قرب 21 ألف نقطة إلى أربعة آلاف نقطة، اعتبر محمد السويد المسألة بسيطة فالقروض الشخصية بالأسهم بدءت في التقلص وشبه توقفت خلال مطلع سنة 2006 وأصبحت أسعار الأسهم مبالغ فيها للمستثمرين وبدءت التحذيرات من المؤسسات المالية الدولية تتوالى على السعودية بأن فقاعة السوق تجاوزت حدودها وأصبحت خطيرة، وعندها بدءت الثقة في السوق تختفي تدريجيا مع بداية الانهيار حتى بدءت في العودة خلال سنة 2009 عندما بدءت تظهر بوادر اقتصادية جيدة من ناحية زيادة السعودية في حجم صرفها الحكومي على القطاعات التنموية في البلد وفتح المجال بشكل أكبر من السابق في نظامها التجاري، وفي نفس الوقت التزام السعودية في إستراتيجية صرف كبيرة تتجاوز 400 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. وأشار إلى أن تأثير انهيار الأسهم على الاقتصاد الوطني السعودي لم يكن كبيرا أو مزمنا، فارتفاع سعر النفط ساعد على توفير وسادة ممتازة لأي مشكلة في اقتصاد البلد، حيث تتبين الزيادة في الصرف على المشاريع الحكومية واستمرار الصرف هذا لسنوات قادمة عديدة. وأوضح محمد السويد أنه خلال سنوات الانهيار آثر ذلك على حجم الادخار الفردي، لكن ثقة المستهلك لم تتأثر طويلا والآن بعد عدة سنوات بدء الكثير من المستثمرين يخرجون من مشاكل قروضهم في سوق الأسهم بشكل تدريجي، وخلال السنة المقبلة سنشهد تحسنا في الاستهلاك الفردي.

وحول مساهمة انهيار الأسهم في زيادة خط الفقر في السعودية، أكد المحلل السويد في معرض حديثه عدم وجود أرقام أو بيانات صريحة تبين مساهمة سوق الأسهم في زيادة حجم الفقر في المجتمع، لكن حتما كان لانهيار السوق أثرا كبيرا على مدخرات الكثير من المستثمرين والأفراد، والجيد أن معظم المستثمرين في سوق الأسهم عن طريق القروض الشخصية يملكون وظائف دائمة تدر عليهم دخل شهري يساعدهم على تجاوز هذه المشكلة.