يختفي في المغرب شيئا فشيئا إقبال ذوي الدخل المحدود على السكن الاقتصادي الذي تراهن عليه الدولة لمحاربة البناء العشوائي. لقد هجر المنعشون العقاريون بعد تقليص نوعية الامتيازات الممنوحة إليهم من قبل الحكومة التي توزعت بين الحصول على أراضي الدولة بالمجان أو بدرهم رمزي, وفي أحسن الحالات بأثمنة زهيدة مكنتهم من تحقيق أرباح باهظة.

الدار البيضاء: سجل سوق العقار في المغرب انتعاشة غير مسبوقة في السنوات الأخيرة بفضل منح امتيازات مهمة للمنعشين العقاريين، ما دفعهم إلى الإقبال على السكن الاقتصادي، الذي حقق لهم أرباح طائلة.ورغم كل هذه التسهيلات لم يسلم السكن الاقتصادي من المضاربات والتلاعبات، ما جعل ثمنه يقفز إلى أرقام خيالية تفوق بكثير القدرة الشرائية للمواطنين العاديين.
يقول جمال حسباتي، مستخدم في القطاع العمومي: quot;توجهت إلى إحدى مراكز مؤسسة تعمد إلى تسويق شقق تدخل في إطار السكن الاقتصادي، غير أنني فوجئت بأن ما يطلق عليه بالتسبيق (وهو مبلغ لا يجري الإعلان عنه في الوثائق حتى لا تؤدى عليه الضرائب) وصل إلى أزيد من 8 آلاف دولار، ويجب عليه آداءه دفعة واحدة، وبعدها أتقدم إلى البنك ليقرضني مبلغ الشقة على دفعات قد تتراوح ما بين 200 و300 دولار شهريا، حسب حجم الشقة، التي أريد اقتناءهاquot;.
وذكر جمال، في تصريح لـ quot;إيلافquot; أن quot;التسبيق يصعب علي توفيره حتى بعد عشر سنوات، كما أنه لا يمكنني التقدم بقرضين الأول خاص بالتسبيق والثاني بالشقة لأن الاقتطاع سيكون كبيرا، وبالتالي لن أتمكن من توفير مصاريف المعيشة اليومية لأفراد أسرتيquot;.ويستعد المغرب إلى وضع خطة، من خلال قانون المالية لسنة 2010، للنهوض بالقطاع، الذي يعيش حاليا حالة انتظار وترقب، خاصة بعد أن دخل إلى قائمة المتضررين من الأزمة المالية العالمية.
وتهدف الخطة إلى إنعاش بناء المساكن الاقتصادية، التي توقفت في سنة 2008، عندما ألغت الحكومة الإعفاءات الضريبية لفائدة المنعشين العقاريين الخواص. وأثار هذا التغيير آنذاك غضب المنعشين، وتسبب في تراجع عدد وحدات السكن الاقتصادي من 129 ألف في سنة 2008 إلى 35 ألف فقط في سنة 2009.وقال الدكتور رضوان زهرو، الخبير الاقتصادي المغربي، quot;عرف السكن الاقتصادي في المغرب، أخيرا، تطورا ملحوظا، بالنظر إلى الامتيازات الكبيرة التي استفاد منها عدد من المنعشين العقاريين، وكذلك بالنظر إلى الطلب المتزايد عليهquot;.وأوضح الدكتور رضوان زهرو في تصريح لـ quot;إيلافquot; أن quot;هذه الوضعية لا شك أنها مكنت من تلبية الخصاص الموجود، الذي تراكم على مدى سنوات عديدةquot;.
لكن هذه الوضعية، يشرح الخبير الاقتصادي، quot;أدت إلى بروز طبقة من المنعشين العقاريين استطاعوا الاغتناء في وقت وجيز، وتحولوا اليوم من دعم السكن الاجتماعي إلى السكن الاجتماعي المتوسط (يستهدف الطبقة المتوسطة)، والسكن الممتاز أو الراقي، الذي يضمن لهم أعلى معدلات ربح على حساب السكن الاقتصاديquot;. وأضاف رضوان زهرو: quot;اليوم، مع الأزمة المالية العالمية، هناك حالة ركود وانتظار، والوضعية الآن مستقرة، إلا أنها غير متراجعة. والأكيد أن سوق العقار، كباقي القطاعات الأخرى في بلادنا، خضع ويخضع لمنطق العرض والطلب، دون مراعاة القدرة الشرائية الحقيقية لذوي الدخل الهزيلة، الذين كانوا الفئة المستهدفة في بداية الأمرquot;.
من جهة أخرى، أفادت مصادر رسمية quot;إيلافquot; أنه ينتظر، في الشهور الأولى من السنة الجارية بدء عملية تسليم مفاتيح الوحدات السكنية، التي تدخل، في إطار برنامج السكن الاقتصادي منخفض التكلفة إلى المستفيدين، في بعض المدن.
ويهم برنامج السكن الاقتصادي المنخفض التكلفة (14 مليون سنتيم)، ذوي المداخيل الضعيفة، الذين يقطنون أحياء الصفيح، والبالغ عددهم أكثر من 300 ألف أسرة، حسب إحصائيات وزارة الإسكان. وكانت وزارة الإسكان أكدت، أخيرا، بمناسبة انطلاق أشغال البرامج، في بعض المدن، أن الأوراش التي تهم المنتوج السكني الجديد، انطلقت في مدن عدة، لاسيما مراكش، ووجدة، ومكناس، وتامسنا قرب الرباط، إضافة إلى العيون والداخلة وأوسرد.
ومن المقرر- حسب وزارة الإسكان- أن تنجز العمران عبر شركاتها الفرعية 129 ألف وحدة، من هذا الصنف، في الفترة بين 2008 و2012 بمعدل يتراوح بين 20 إلى 25 ألف وحدة سنويا منها ألف وحدة في الوسط الحضري، و10 آلاف في الوسط القروي.
ومن المنتظر إنتاج 3896 وحدة منها 3596 في الوسط الحضري والباقي في الوسط القروي في إطار الشراكة بين مختلف المنعشين العقاريين الصغار والمتوسطين من ناحية والأطراف العمومية من ناحية ثانية والمؤسسات التمويلية من ناحية ثالثة، من أصل 24482 وحدة في الوسط الحضري 1047 في الوسط القروي كل سنة إلى حدود 2012.
ويبلغ ثمن الشقة 140 ألف درهم، والوحدات موجهة إلى الفئات الفقيرة، التي بينت التجربة أن نسبة منها تقدر بـ 20 في المائة يستحيل عليها إيجاد تمويل. وتشير الدراسات إلى أن العجز المسجل في القطاع السكني، يقدر بمليون و200 ألف وحدة، ما يعني أنه يجب إنجاز 216 ألف وحدة سنويا في الفترة من 2007 إلى 2012، زيادة على 36 ألفا وهو عدد الأسر التي يجب تلبية طلبها كل سنة.