تعددت طرق وحملات الدعاية والإعلان في فترة إنتخابات البرلمان المصري، حيث تفنن المرشحون في إثبات جدارتهم واستحقاقهم لتمثيل أهل الدوائر في مجلس الشعب. ونتيجة لهذه الحملات إنتعشت سوق الإعلان، إضافة إلى أصحاب الحرف وخاصة الخطاطين.


القاهرة: انتعشت سوق الدعاية في مصر إثر الإنتخابات البرلمانية، وقد رصدت إيلاف أنواعا مختلفة من الدعاية وحجم الإنفاق عليها، ويمكن تقسيم هذه الأنواع من الدعاية التي قام بها المرشحون إلى ثلاثة أقسام: أولها الدعاية التقليدية، وهي التي يقوم فيها المرشح بتقديم نفسه عن طريق تعليق اللافتات التي تحمل إسمه ورمزه الإنتخابي وتوجهاته الحزبية والسياسية، إلى جانب المطبوعات التي يوزعها على أفراد دائرته، والتي من خلالها يقدم فيها نبذة عن سيرته الذاتية وبرنامجه الإنتخابي، وغيرها من أنواع المطبوعات واللافتات التي سنتناولها تفصيلياً، وثاني دروب الدعاية وهي التي يمكن أن نطلق عليها الدعاية الوقتية، كتوزيع السلع الغالية الثمن بأسعار زهيدة أو توفيرها مجاناً لأهالي الدائرة، والتكفل بعلاج المرضى غير القادرين، وحتى توفير مركبات وسيارات لنقل الركاب مجانا في بعض المناطق المتسمة بالزحام وتعاني مشاكل المواصلات ،وأخيرا تأتي الدعاية الشاملة المدروسة ،وهي التي يقوم فيها المرشح بإسناد الترويج لحملته الإنتخابية إلى مركز متخصص، وهي أندر وأحدث أنواع الدعاية المستخدمة في الإنتخابات البرلمانية المصرية.

أما عن اللافتات والمطبوعات فقد رصدت إحدى الجمعيات المصرية - كما يقول رئيسها الدكتور محمد لطفي لـquot;إيلافquot; إنه تم إنفاق ما يقرب من 500 مليون جنيه على هذا النوع من الدعاية الإنتخابية، وقد بنت الجمعية رصيدها على حساب المتوسط حيث تقول إن هناك 5700 مرشح للبرلمان بدورته الحالية والمرشح يعلق في دائرته حوالى 200 لافتة مصنوعة من القماش ، أي أن الإجمالي حوالى مليون لافتة تتكلف الواحدة في المتوسط أيضا 50 جنيها أي أنه تم إنفاق حوالى 50 مليون جنيه على بند اللافتات و الوضع نفسه ينطبق على الملصقات وقد طبع منها ما يقرب من 300 مليون تكلف الواحدة جنيها أي أن إجمالي تكلفتها 300 مليون جنيه ، أما اللافتات الضوئية فقد قدرتها الجمعية بحوالى 100 ألف لافتة ضوئية بتكلفة 25 مليون جنيه ، وباقي المبلغ موزع على أنواع المطبوعات الأخرى من كتيبات وأجندة ونتائج السنة الجديدة ومجاملات المحال التجارية بالأكياس المطبوع عليها اسم المرشح .

ومن الواضح أنه نتيجة لهذه الحملات انتعشت سوق الطباعة والخطاطين في الفترة الحالية حتى أن هناك من أرباب هذه الحرف وبخاصة الخطاطين من لا يعمل بحرفته هذه إلا خلال فترة الإنتخابات كما يقول مجدي الحايس ndash; خطاط لم أبالغ إذا قلت إنني طوال الأعوام الأربعة الماضية لم أكتب خلالها أكثر من 50 لوحة لأصحاب المحال التجارية الجديدة أو دعايات لافتتاح عيادة طبيب أو ما شابه ذلك ولكني خلال الشهر الماضي فقط كتبت ما يزيد عن 100 لافتة لمرشحي مجلس الشعب وحصلت على إجازة من مدرستي التي أعمل بها كي أتفرغ لكتابة اللافتات، أما رضا ndash; صاحب مطبعة فأكد لـquot;إيلافquot; أنه اضطر إلى رفض طلبات طباعة منشورات و ملصقات لبعض المرشحين نظرا لضغط العمل لديه لافتا إلى أن الشهر الماضي شهد أكبر فترة رواج في تاريخ مطبعته .

ومن صور الإنفاق في الحملات الإنتخابية الدعاية الوقتية، وهي التي يستغل فيها المرشح غلاء سلعة أو خدمة في فترة زمنية ويوفرها بأسعار أقل مما هي عليه في السوق، ويتحمل هو فرق السعر، في محاولة لكسب رضا جماهير الدائرة المرشح عنها ، مثلا فقد قام مئات المرشحين بتوفير الطماطم وعلب الصلصلة أثناء أزمة غلائها الأخيرة لأهالي دوائرهم بأسعار رمزية ، كالذي وفر الطماطم بسعر جنيهين للكيلو في الوقت الذي وصل سعرها في الأسواق لـ 12 جنيها، وهناك من قام بعمل شوادر لبيع اللحوم البلدية بـ 35 جنيها للكيلو في حين تعدى سعرها في الأسواق 60 جنيها، وهذا النوع من الدعاية لم تستطع جهة تحديده ولا حتى بتقدير المتوسط فيه لأنه نسبي ويختلف من مكان لآخر بحسب عدد سكان الدوائر وحالتهم الإجتماعية والمادية ، وفي أطرف صور الدعاية الوقتية، قام مرشح مستقل في إحدى دوائر محافظة القليوبية بتوفير سيارات نقل جماعي مجاني في أوقات الذروة ، لأن الإزدحام فيها يصل لحد المشاجرات بين المواطنين لأجل ركوب وسيلة المواصلات التي تقلهم إلى مدينتهم، وأمثلة كثيرة أخرى من هذا النوع كتوفير العلاج والدواء للمرضى الفقراء وكذلك المساهمة في إتمام الزيجات ومساعدة الأيتام والأرامل إلى التجاوز الصارخ بشراء الأصوات الإنتخابية بمبالغ محددة، وعلى أي حال فإن هذا النوع من أنواع الدعاية تجاوز حاجز الصرف فيه مبلغ 500 مليون جنيه كما يقول الدكتور حمدي عبد العظيم الخبير الاقتصادي ، والذي أكد أنه من الأساليب التي يعتمد عليها المرشحون أكثر من الاعلان عن طريق تعليق المنشورات واللافتات لما له من أثر في نفوس الفقراء المتلهفين لقشة تنقذهم من الغرق في بحر الغلاء الفاحش المستشري في البلاد.

ثم تأتي أساليب الدعاية المدروسة كنوع أجمعت الآراء والتقارير على أنه مهمل في مصر ولم يحظ بالإهتمام إلا من الأحزاب والمنظمات التي تديرها المؤسسات كالحزب الوطني الحاكم الذي أعد حملة دعائية كبرى تشمل إعلانات تلفزيونية ولقاءات جماهيرية واللعب على وتر القدرة على توفير الخدمات وتقديم نماذج منها كرصف الطرق وتوفير فرص العمل والقوافل الطبية المجانية ، وقد قال عنها المحللون إنه لا يمكن حصر مبالغ معينة لأن الحزب الحاكم هو المتصرف الأول في موارد البلاد وميزانيتها كما يقول اللواء وجيه عفيفي رئيس المركز العربي للدراسات السياسية .

أما على الجانب الفردي فلم يحظ هذا النوع باهتمام المرشحين إلا قليلا جدا فمنهم من توجه إلى مراكز خاصة بهذا النوع من الدعاية وقد جاء في تقرير صحافي في جريدة روز اليوسف أن هذه المراكز التي لا يتجاوز عددها الثلاثة بدأت بالفعل في جذب المرشحين بدعاية من نوع العمل العلمي والمخطط معلنين أسعارًا تتراوح ما بين 10آلاف و 80 ألف جنيه للمرشح الراغب في العمل من خلالها وفي حين يرى القائمون على هذه المراكز أهمية دورها للإرتقاء بمستوى الخطاب السياسي يرى خبراء أنها مجرد ديكور، الغرض منه البحث عن أموال المرشحين.

وعن طبيعة عمل هذه المراكز يوضح استشاري في أحد مراكز تخطيط الحملات الإنتخابية أن صفة المركز القانونية هي شركة مساهمة مصرية للبحوث والإستشارات السياسية ثم تحولت في عام 2006 إلى أكاديمية للتعليم المدني في التخصصات المختلفة للتدريب على المشاركة السياسية وإعداد وتأهيل القيادات إلى جانب دورات متخصصة في حقوق الإنسان وأيضا التأهيل الدبلوماسي والقنصلي لاختبارات الخارجية.

وطريقة عمل المركز العامة في دراسة دائرة المرشح أو الدوائر كما يوضح - تتمثل في الإعتماد على المتخصصين من حيث الإستعانة بخريجي كليات الإقتصاد والعلوم السياسية وخبراء في العلاقات المختلفة التي يرغب في دراستها بكل تفاصيلها بداية من ظروفها العامة وبرامج المرشحين الآخرين فيها إلى قوة المنافسين وفرص النجاح الممكنة أمام كل مرشح منهم وبناءً علي الوضع الفعلي للدائرة يتم عمل الدعاية المطلوبة والخطاب الإعلامي الذي يقدمه المرشح وتنظيم المؤتمرات الشعبية التي يعقدها للناخبين.

ويضيف: أن المرشح يمكنه الحصول على الخدمات التي يريدها من المركز مجزأة أو القيام بتخطيط الحملة كاملة.. كل حسب رغبته كإعداد دراسة لدائرته فقط أو تدريب فريق العمل الخاص به.

أما ميزانية تخطيط الحملة فيقول إنها تتوقف على إمكانيات المرشح، وأقصى ميزانية رصدها مرشح لحملته في المركز كانت مليونا ونصف المليون جنيه ويؤكد أنه من الصعب الإلزام بما يسمى حدا أقصى للإنفاق المالي لتخطيط ودعاية حملة انتخابية لكونها مسألة نسبية تختلف من دائرة إلى أخرى وأيضا من مرشح إلى آخر.