في خطوة أكد فيها الرئيس الأميركي باراك أوباما بأن الولايات المتحدة لاتزال قادرة على صنع أمور عظيمة، وبعد عقود من التعثر والصعاب، استطاع أوباما انتزاع الموافقة من الكونغرس الأميركي على مشروع إصلاح نظام الرعاية الصحية في لحظة أقل ما توصف بأنها تاريخية.

نسرين حلس من واشنطن: وافق الكونغرس يوم الأحد الماضي على إقرار قانون الرعاية الصحية، وذلك بعد شهور من المفاوضات الصعبة والتعثر الذي دام عقوداً طويلة. ويمنح القانون تأميناً صحياً لأكثر من 32 مليون مواطن أميركي ممن لا يحظون بالرعايا الصحية.

وبإقرار هذا القانون يكون أوباما قد دخل التاريخ من أوسع أبوابه، ووجه ضربة قوية لشركات التأمين والأدوية والمعدات الطبية الإستثمارية، على الرغم من إقرار إدارته بأن القانون سيسهم في تخفيض عجز الميزانية الإتحادية بمقدار 138 بليون دولار على مدى الـ 10 سنوات المقبلة.

وسيلزم هذا القانون شركات الأدوية بتقديم المزيد من الخصومات لمصلحة مرضى الرعاية الصحية الذين سيشملهم البرنامج الحكومي للمساعدة الطبية للفقراء، ومحاولة توفير الأدوية لكبار السن ومرضى الرعاية الصحية العاجزين عن توفير الدواء. هذا مع زيادة التوقعات بارتفاع معدلات المستفيدين من هذا البرنامج، ليشمل بذلك حوالي أكثر من 32 مليون أميركي على الأقل، وتغطية حوالي 95% من الأميركيين الذين تقل أعمارهم عن 65 عاماً. كما وسيتم المطالبة بمحاولة تخفيض أسعار الأدوية وذلك بموجب القانون.

ولا تجد شركات التأمين نفسها بمنأى عن التأثر بهذه التدابير الإصلاحية التي يشملها القانون. فالقانون يمنع شركات التأمين الصحي من رفض تغطية أشخاص، بسبب حالات مرض مسبقة لهم. كما إنه في وقت سابق كان الكونغرس قد أصدر قراراً يتم بموجبه إلغاء إعفاء صناعة التأمين من قوانين منع الإحتكار، مما سيؤثر على نسبة الأرباح لتلك الشركات، حيث إن القانون سيجبر تلك الشركات على منح العملاء خصومات للذين تقل رسومهم عن 85%.

كما ويقوم البرنامج على تشجيع المنافسة بين شركات التأمين، عن طريق خفض الأسعار إلى معدل الرعاية الصحية، وذلك بإنشاء بوالص تأمين في كل ولاية، على أن يتم التصدي لشركات التأمين التي تحاول رفع أسعار بوالص التأمين بدون أسباب مبررة. كما وتلزم كل فرد أن يكون مشمولاً بالتغطية الصحية، أو أن يتم دفع غرامة تزداد تدريجياً حتى تصل إلى 2.5% إلى عام 2016.

وسيتم تغريم الشركات التي يزيد عدد موظفيها عن 50 شخصاً، إذا لم تؤمن لهم التغطية الصحية بمعدل 2000 دولار سنوياً.
وسيتم فرض ضرائب على شركات التأمين التي سيرتفع عدد زبائنها، ليصل إجمالي الدفع 67 مليار دولار على مدى 10 سنوات، وعلى شركات الأدوية، ليصل إجمالي الدفع إلى 23 مليار دولار، وعلى شركات إنتاج المعدات الطبية أيضاً، ليصل إجمالي الدفع إلى 20 مليار دولار.

وكان مكتب الميزانية التابع للكونغرس قد توقع في وقت سابق أن ذلك القانون سيجلب عملاء جدد لشركات التامين والأدوية وقطاع إنتاج المعدات الطبية وقطاع الخدمات الصحية أيضاً، وأن يزداد عدد المستفيدين من البرنامج بما يعادل 36 مليون شخص. وتبلغ كلفة المشروع حوالي 940 بليون دولار على مدى 10 سنوات، ويقدر لها الخبراء أن تخفض العجز إلى 138 بليون دولار خلال السنوات العشر الأولى، و1200 مليار دولار في السنوات العشر التي تليها. كما وسيتم استثمار 11 مليار دولار في قطاع المستوصفات على مدى خمس سنوات.

وقد انقسم المحللون بين مؤيد ومعارض للقرار الذي نظر إليه البعض على أنه ليس تحقيقاً للعدالة الإجتماعية كما وصفه الرئيس أوباما. فكان كارين إغناني رئيس خطط التأمين الصحي قد صرح في وقت سابق بأن quot;خيار التأمين الصحي سيجعل كثيراً من الأشخاص يفقدون تأمينهم الحالي، بينما يمكن عملاء آخرين من الإستفادة من التخفيضات أو ارتفاع التكاليفquot;.

وبموجب القانون الصحي الجديد، سيتم زيادة الضرائب على الأغنياء غير المتزوجين، الذين تزداد دخولهم عن 200.00 دولار سنوياً، أو المتزوجين وليس لديهم أطفال، والذين تزداد دخولهم في السنة عن 250.000 دولار سنوياً، وجميعهم مندرجين تحت برنامج الميديكر.

ويرى بعض المحللين أن النقود التي سيتم توفيرها سوف تكون من زيادة الضرائب على الأغنياء وشركات الأدوية وكل الصناعات الطبية. فتقول جيري واندا الموظفة في بنك أي بي سي وتندرج تحت برنامج ميديكير في ولاية أوكلاهوما quot;لماذا يتعين علي أن أعمل وأدفع ضرائب إضافية على التأمين الصحي الذي يشملني، وغيري لا يريد العمل لساعات إضافية، ولديه فرصة جيدة لعمل تأمين صحي جيد يخدمه ويدفع ضرائب أقل، أنا لا أرى أن في ذلك عدل ليquot;.

أما براندن والتر والذ، هو من أصول زنجية أميركية، ويعمل في أسواق برامز الشهيرة في ولاية أوكلاهوما سيتي، فيقول quot;أنا سعيد بهذا القانون، وهذا في نظري هو العدالة الإجتماعية. أنا أعمل منذ سنوات، ولكن لا أستطيع تغطية نفقاتي الصحيةquot;. في حين تصف تريسا هيدن القرار بالجيد وتأمل في تطبيقه سريعاًquot;.

هذا وقد أفاد المحلل الإقتصادي أليس فيليب لدي شركة غولدمان ساشز لمجلة كيستين سينس مونيتر بأن القانون أعطى سوق العمل دفعه بسيطة في الوقت الحالي، ذلك أنه سيقدم مساعدة للشركات الصغيرة، لكي تزود موظفيها بالتأمين الصحي اللازم لهم، مما يقلل من تكاليف العمال حوالي 4% بين هذه الشركات.

أما المحلل الإقتصادي لشركة ويل فارجو روجرز فأشار إلى أن صناعة الرعاية الصحية سوف تقوم بدفع ضرائب جديدة أيضاً، وذلك من خلال الضرائب التي سيتم فرضها على شركات المعدات الطبية وشركات الأدوية، التي من الممكن أن تضعف قدرتهم الإنتاجية، كما من الممكن أن يؤدي ذلك إلى الإهمال في تطوير منتجات جديدة. ويعد هذا القانون نقلة نوعية في تاريخ قطاع الخدمات الصحية في أميركا، كما يشكل تحولاً سياسياً في سياسة التأمين الصحي في الولايات، وذلك بتوسعتها للتغطية، لتشمل أكثر من 95 % من الذين لم يبلغوا 65 عاماً بعد.