شهدت مختلف المدن الجزائرية احتجاجات خلال الـ24 ساعة الماضية، أدت إلى صدامات عنيفة بين المواطنين وقوات الأمن، بسبب ارتفاع جنوني ومبالغ فيهلأسعار المواد الغذائية الأساسيةالمتواصل منذبداية العام الجديد.


الجزائر: نزل شبّان مجددًا في الساعات الأخيرة إلى الشارع في مدن عدة في الجزائر احتجاجًا على غلاء المعيشة وقلة المساكن والبطالة في هذا البلد الغني بالمحروقات. وملأ مئات الجزائريين الشوارع معبّرين عن سخطهم على الزيادات السعرية، والتي وعدت الحكومة بأنها ستتخذ إجراءات سريعة لحماية مصالح المواطنين، غير أنها لم تتخذ أي قرارات بعد.

وفي الجزائر العاصمة، عاشت أحياء المدينة أجواء احتجاجية واسعة أقدم خلالها شبان على بمحاصرة مقر محافظة الأمن الخامس بحي باب الواد، وإحراق ثلاث سيارات للشرطة، كما تم قطع الطرقات وحرق إطارات السيارات، قبل أن تتدخل الشرطة لتفرقة المحتجين بواسطة القنابل المسيلة للدموع وتحتجز 20 شخصًا.

وفي منطقة quot;بوشاوي،quot; رفع المحتجون شعارات يطالبون فيها الوزير الأول، أحمد أويحيى بالتدخل لرفع quot;الغبن الذي يعيشه المواطن من تفشي ظاهرة غلاء المعيشة وارتفاع أسعار المواد الأولية كالسكر والزيتquot;.

في المقابل، شهدت مدينة وهران، أحداث عنف أشد خطورة، قام خلالها المتظاهرون بقطع الطرق وإضرام النار في العجلات المطاطية، مع تكسير بعض المتاجر والمؤسسات الدولية، احتجاجًا على ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية. من جهته، قال وزير التجارة الجزائري أحمد بن بادة إن quot;ارتفاع أسعار مادتي السكر والزيت سيؤثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين، ولابد من اتخاذ تدابير صارمة من شأنها التمكين من التحكم في الأسعارquot;.

وأوضح بن بادة أن ارتفاع أسعار بعض المواد الأساسية في الأسواق والبورصات العالمية قد ألقى بظلاله على الأسعار محليًا، مشيرًا إلى أن quot;الأسواق العالمية تشهد ارتفاعًا في عدد من الأسعار منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي،quot; مرجحًا أن يتواصل ارتفاع الأسعار حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري.

من جهة ثانية، قال صالح صويلح أمين عام اتحاد التجار والحرفيين الجزائريين إن quot;أسعار المنتجات ذات الاستهلاك الواسع شهدت خلال السنوات الأخيرة ارتفاعا مستمرًا، غير أن ارتفاع الأسعار المسجل خلال الأيام الأخيرة تراوح بين 20 و30 %quot;.

وأضاف قائلاً quot;من الضروري بالنسبة إلى السلطات العمومية تطبيق إجراءات ردعية خاصة للتجار الذين يساومون ويرفعون الأسعار بشكل خيالي، والشيء نفسه مع المستوردين وبائعي الجملة والتجزئة، وهذا للحد من استغلال المواطن الجزائريquot;.

وقد حملت حركة النهضة في بيان أصدرته، الخميس، مسؤولية الغليان الشعبي الذي تعيشه البلاد، للحكومة، بعد quot;فشلها في السياسة الاجتماعية التي اعتمدتها بغرض الحفاظ على الطبقات الضعيفة في المجتمعquot;، مؤكدة أن حجم quot;المخصصات المالية التي اعتمدت في قوانين المالية لم تعد تصل للمواطن، نظرًا إلى سوء التسيير وعدم نجاعة الآليات المعتمدةquot;.

وأضاف بيان الحركة أن quot;الحكومة تحاول التهرب من تبعات عدم تحقيق الإقلاع الاقتصادي، رغم الوفرة المالية، معللة أن سبب ذلك مرده لتأثر السوق الداخلية بالسوق الخارجيةquot;.

في سياق متصل، أعلن عمال quot;ميناء الجزائرquot;، الذي تديره شركة quot;موانىء دبيquot; اليوم الخميس إنهاء إضراب دام يومين للمطالبة بزيادة المنح والتعويضات عن ساعات العمل الإضافية.

ونقلت الإذاعة الجزائرية عن مصدر مسؤول في نقابة مؤسسة quot;ميناء الجزائرquot; القول إن الإضراب الذي نظّمه عدد من عمال ميناء الجزائر توقف، بعدما أصدرت المديرية العامة للمؤسسة مذكرة، تحذّر المضربين بالفصل في حال عدم التحاقهم بعملهم في غضون 24 ساعة. وذكر المصدر أن النقابة لم تكن موافقة تمامًا على تنظيم الإضراب، مشيرًا إلى أنها تعقد حاليًا جلسة عمل مع إدارة الميناء لدراسة المطالب التي طرحها المضربون.

من جانبه، قال المدير العام المساعد لمؤسسة quot;ميناء الجزائرquot; عبد العزيز غطاس في تصريح صحافي إن العمال المضربين يحتجّون على بعض الأحكام التي تتضمنها اتفاقية وقّعت بين المؤسسة ونقابة العمّال بشأن تعويضات ساعات العمل الإضافية.

تجدر الإشارة إلى أنّ شركة quot;موانىء دبيquot; فازت بعقد لإدارة quot;ميناء الجزائرquot;، الذي يوصف بأنه أكبر الموانىء التجارية في البلاد لمدة 30 عامًا اعتبارًا من نوفمبر/تشرين الثاني 2008. ويتضمن العقد تطوير طاقة استيعاب الميناء من 500 حاوية إلى 800 حاوية سنويًا. ويعمل في ميناء الجزائر أكثر من 900 عامل، بينهم 450 دائمًا، و160 متعاقدًا، و336 بنظام اليوم.

وكانت اندلعت أعمال شغب في حي باب الواد الشعبي في العاصمة الجزائرية، ليل الأربعاء الخميس، حيث تظاهر عشرات الشبان ورشقوا مركز الشرطة المحلي بالحجارة. كما خربوا وأحرقوا متجر وكيل سيارات quot;رينوquot;، فدمّروا حوالي 10 سيارات.

وكالعادة أحرقوا إطارات قديمة لقطع الطريق أمام التعزيزات الأمنية، وفي الوقت نفسه نزل شبّان إلى الضاحية الغربية للجزائر العاصمة احتجاجًا على ارتفاع الأسعار.

ومساء الاثنين، قطع آلاف الشبّان طرقات في تيبازا (70 كلم غرب العاصمة الجزائر) احتجاجًا على ظروف العيش الصعبة.
وكان التوتر واضحًا الأربعاء في مدينة وهران (430 كلم غرب الجزائر) بعدما أحرق عشرات الشبان إطارات، وقطعوا الطرقات بجذوع أشجار، وألقوا مقذوفات على سيارات.

وكتبت صحيفة quot;وهرانquot; الخميس أن شبانًا اقتحموا مستودعًا، وسرقوا منه أكياسًا من الطحين، في وقت تشهد فيه أسعار الخبز ارتفاعًا، وتلوح في الأفق أزمة قمح. وتسعى الحكومة إلى طمأنة الناس، في حين تشهد الجزائر تظاهرات منذ أسبوع احتجاجًا على ظروف العيش الصعبة.

والأربعاء، أكد وزير التجارة مصطفى بن بادة أن quot;الدولة ستستمر في دعم السلع الأساسيةquot;. ومنذ أشهر تشهد كل المناطق في الجزائر تظاهرات احتجاجًا على عدم توافر مساكن اجتماعية وتفشي الفساد. في الوقت نفسه، تهدم مدن الصفيح غير المشروعة.
وأشارت الصحف في الأسابيع الماضية إلى سلسلة حوادث وقعت في هذه الأحياء، وسقط خلالها جرحى.

وقبل بدء ولايته الثالثة في 2009، تعهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ببناء مليون شقة لتحل مكان المساكن التي دمّرها الزلزال في 2003، وبسبب زيادة عدد سكان البلاد ثلاثة أضعاف (35.6 مليون نسمة) منذ الاستقلال في 1962. وتم تسليم 10 آلاف مسكن هذه السنة في الجزائر.

وبحسب صندوق النقد الدولي، فإن 75% من الجزائريين اليوم هم دون الثلاثين من العمر وأكثر من 20% من الشباب عاطلون عن العمل. وهذا الوضع يدفع بهم إلى الهجرة إلى أوروبا. ولعدم حصولهم على تأشيرات دخول، يجازفون بحياتهم، ويحاولون الوصول إلى أوروبا على متن زوارق قديمة. وكل شهر، تفشل محاولات العشرات منهم، لكن ليس هناك إحصاءات دقيقة حول هذه الهجرة.

والخميس، دقّ محمد صائب ميزت الاختصاصي في العلوم الاجتماعية كبير الباحثين في مركز بحوث الاقتصاد التطبيقي من أجل التنمية، ناقوس الخطر. وصرح لفرانس برس quot;أخشى من تدهور الأوضاعquot;، في حين تعيش البلاد في ظل نظام طوارئ مفروض منذ العقد الأسود المناهض للإسلاميين في تسعينات القرن الماضي.

يوافقه زميله ناصر جابي الرأي، مؤكدًا أنه يمكن لهذه الأحداث quot;أن تتأزم أكثرquot; حتى وإن quot;أصبحت أعمال الشغب رياضة وطنية في الجزائرquot;. وقال ميزت quot;هناك عدوى عندما نقارن هذه الأحداث مع ما يحصل في تونسquot;، حيث أوقعت تظاهرات أربعة قتلى منذ كانون الأول/ديسمبر، quot;حتى وإن لم تكن الأوضاع شبيهة تمامًاquot;. وأضاف إن quot;هناك حرية أكبر هنا، والجزائر دولة غنية بالمحروقاتquot;.

ويرى اختصاصي العلوم الاجتماعية نور الدين حقيقي الأستاذ في جامعة الجزائر quot;ما علينا فعله هو أن نضع حدًا لمساعدة الدولة. للشباب حياة سهلة ويطالبون بالمزيد.