وافدون في أحد مكاتب تحويل الأموال

أبدى وافدون مقيمون في دولة الإمارات تخوفهم الشديد من إمكانية إصدار قرار حكومي يحد من تحويلاتهم المالية للخارج بعد وصول تقديرات حجم الأموال التي ترسلها العمالة الأجنبية في الدولة إلى بلدانها الأصليه إلى ما يزيد عن 40 مليار درهم سنوياً.


دبي: أثرت تحويلات الوافدين في دولة الإمارات إلى الخارج بشكل سلبي على النمو الاقتصادي في الدولة، وقلصت من حجم الادخار في البنوك الإماراتية ومن دعم الأسواق المحلية ومن أوجه الأنشطة والمشاريع الاقتصادية المختلفة، نتيجة تسرب مليارات الدراهم سنوياً إلى خارج الدولة خاصة من قبل العمالة الوافدة من الهند والفلبين ومصر والأردن والمغرب وسوريا. وما يدعو للقلق أن حجم تلك التحويلات الضخمة هو في ازدياد بشكل مستمر مع زيادة أعداد العمالة الوافدة في الدولة.

حيث يبلغ عدد سكان دولة الإمارات 8 مليون و250 ألف شخص تقريبا، ولا يزيد عدد المواطنين الإماراتيين بينهم عن مليون شخص، الأمر الذي يعني أن هناك ما يزيد عن 7 مليون وافد في الدولة، يقوم معظمهم إن لم يكن جميعهم بتحويل الفائض من مرتباتهم إلى بلدانهم الأصلية، ولا يقومون بالادخار في البنوك الإماراتية أو حتى إنشاء مشروعات تجارية أو صناعية في السوق المحلي الإماراتي.

مما ينعكس بشكل خطير على اقتصاد الدولة لدرجة يتطلب معها اتخاذ تدابير واجراءات حمائية للاقتصاد الإماراتي للحد من التحويلات المالية الضخمة quot;هجرة الدرهم والدولارquot; التي يقوم بها الوافدون لبلدانهم شهريا.

حماية الاقتصاد المحلي

وقال خبير مالي ومصرفي مسؤول فضل عدم ذكر اسمه لـquot;إيلافquot; إنه يتوقع أن تحذو دولة الإمارات خلال الأشهر القليلة المقبلة نفس حذو المملكة العربية السعودية التي تسعى وزارة العمل فيها إلى إعداد برنامج يحد من تحويلات الأجانب المالية للخارج وهو برنامج حماية الأجور الذي يتيح لوزارة العمل مراقبة ما إذا كان الوافد يحول مبالغ تفوق ما يتقاضاه من راتب.

وأضاف المصدر أن الإمارات قد تسعى إلى أبعد من ذلك من حيث وضع حد أقصى للتحويلات الخارجية شهريا لكل موظف أو عامل في الدولة على حسب راتبه الشهري، موضحا أن الدولة تتجه بالفعل الآن نحو تنشيط الأسواق والصناعات المحلية وزيادة الادخار في البنوك الوطنية، وبالتالي عليها الحد من تلك التحويلات المالية الضخمة للخارج سنويا التي تعوق تحقيق التنمية الاقتصادية في الدولة، وحتى يضطر الموظف الأجنبي إلى انفاق جزء ليس بالقليل من راتبه على شراء السلع والخدمات داخل الدولة مما يساهم في انعاش الاقتصاد المحلي.

وأشار المصدر إلى أن قيام الدولة بإصدار مثل هذا القرار سيحقق لها فوائد ومكاسب اقتصادية كبيرة أهمها أنها ستضمن بقاء المزيد من العملة الصعبة والعملة الوطنية وادخارها داخل الدولة، كما أنها ستضمن عدم لجوء أعداد كبيرة من العمالة الوافدة إلى الاقتراض من البنوك وتهريب أموال تلك القروض إلى مواطنهم الأصلية أو بعيدا على الدولة، حيث أن من سيقوم بالاقتراض من البنوك سيضطر لعمل مشروعات تجارية أو صناعية داخل الدولة ولا يستطيع تحويل تلك الأموال للخارج في ضوء ذلك القرار.

ومن الأسباب التي تؤدى إلى ارتفاع حجم التحويلات قال المصدر إن معظم العاملين في الدول الخليجيه ومنها الإمارات لا يقيمون باستثمار تلك الأموال التي يتقاضونها كرواتب في تلك الدول إنما يقيمون بتحويل جلها إلى بلدانهم الأصليه، مضيفا أن إنخفاض مستويات الأسعار وضعف فرص الاستثمار وعدم وجود إقامات طويلة الأجل للعمالة الوافده يزيد من هذه التحويلات.

ولفت المصدر إلى أن تلك التحويلات تؤدى إلى إرتفاع النمو الإقتصادي للدول المستقبلة لها على حساب الدول المصدرة لها. مبينا أنه من حق الدول المصدرة لتلك الأموال أن تستفيد منها ضمن أسواقها الداخلية وفى دفع الحراك الإقتصادي الذى يعتمد بشكل كبير على عوائد النفط، حيث أن تزايد تحويلات العمالة الأجنبية يشكل نزيفا مستمرا في ميزان مدفوعات الدولة وبالتالي نزيفا لأرصدتها من العملات الأجنبية. كما أنه يعد فرص استثمار ضائعه على اقتصاد الدولة في ظل عدم القدرة على بقاء الأموال المهاجرة عبر الودائع البنكية أو حسابات إدخار بغرض توظيفها وتدويرها في الإقتصاد المحلي بدلا من تحويلها للخارج.

وأوضح أن هذه المشكلة تؤثر أيضا على إرتفاع نسبة البطالة داخل الدولة وضعف توطين بعض الوظائف. مضيفا أنه لتلك الأسباب يلزم إصدار قرار ووضع خطة شاملة للتعامل مع العمالة الوافدة إلي الدولة وفق أطر ومعايير جديدة.

المخاطرة وغياب الفوائد في البنوك المحلية

وفي المقابل قال وافدون مقيمون في دولة الإمارات لـquot;إيلافquot; أنهم قدموا للعمل في الدولة من أجل إرسال الأموال إلى عائلتهم ومن أجل تكوين أرصدة مالية تعينهم على العيش في بلدانهم في المستقبل، متسائلين: quot;لماذا لا نقوم بتحويل أموالنا إلى بلداننا الأصلية طالما أنها نظير عمل ونقوم بتحويلها من خلال مصارف وشركات صرافة معتمدة من قبل الدولةquot;؟

حيث ذكر محمود صبري (مهندس) أنه يخشى أن تكون الدولة تعد لإصدار قرار يضع حد أقصي لتحويلاتهم المالية شهريا إلى الخارج، مشيرا إلى أنه لا يريد الإحتفاظ بأمواله داخل بنوك الدولة لأنها لا تدر عليه أي ربح أو أي عائد مادي مثل ذلك العائد الذي يحصل عليه في بنوك دولته، مضيفا أنه لا يمكنه أن يستثمر تلك الأموال في الإمارات بحجة أنه يخشى المخاطرة بأمواله في مشروعات ليس لديه الخبرة فيها خارج موطنه، موضحا أيضا أن قوانين الدولة تفرض عدم قيام الموظف بأي عمل آخر إضافة إلى عمله الأصلي.

وأوضح وسام باسم (مترجم) أنه لا يمكنه الإحتفاظ بأمواله داخل البنوك في الإمارات وذلك لأنه لديه التزامات مادية كبيرة حيث أنه يقوم بسداد أقساط شهرية كبيرة في بلده، كما أنه لديه التزامات مادية كبيره تجاه عائلته في موطنه تتطلب تحويله ما يزيد عن 15 ألف درهم شهريا إلى بلده. وأشار السباعي إلى أنه من حقه أن يرسل راتبه كاملا إلى بلده إن استطاع حيث أنه يتقاضى راتبه نظير عمل ولا يخالف قوانين الدولة.

وأضاف أنه إذا تم تطبيق مثل هذا القرار في الإمارات فإنه سيجعل الوافدين يواجهون مشاكل كبيرة وسيعطل سير حياتهم ويعوق تحقيق التزاماتهم في بلدانهم.

وقال علي السباعي (مدير تسويق في شركة تجارية في دبي) أن أي قرار من شأنه الحد من تحويلات العاملين للخارج لن يعود بالفائدة على الاقتصاد الإماراتي، موضحا أن الاقتصاد الاماراتي قوي ولا يحتاج الى فرض حد أقصى لتحويلات الأجانب المالية للخارج.

وأشار السباعي إلى أن التحويلات المالية تتم عن طريق البنوك والمصارف وشركات الصرافة داخل الدولة وبالتالي تحصل تلك البنوك والشركات رسوم وعوائد كبيرة مقابل إرسال هذه الأموال للخارج مما يعد شيئا جيدا لاقتصاد الدولة. مبينا أن ما يقوم به العاملون في أي بلد من تحويل أموالهم إلى الخارج هو أمر طبيعي خاص بهم ولا يمكن حرمانهم من ذلك مهما كان حجم هذا المبلغ طالما لا يتم تهريبه بطرق غير مشروعة. مطالبا المسؤولين بعدم اتخاذ مثل ذلك القرار الذي يؤثر سلبا على العمالة الوافدة واستقرار أوضاعها العائلية والمستقبلية.

هروب الكفاءات

ومن جهته قال أشرف سعيد (موظف بإحدى شركات الصرافة في الدولة) أن إصدار مثل هذا القرار لن يكون في صالح شركات الصرافة والبنوك في الدولة، حيث سيلجأ الأجانب إلى البحث عن وسائل أخرى لإرسال الأموال إلى بلدانهم الأصلية منها تهريب أموالهم من خلال السفر عبر المطارات أو من خلال تهريبها في شكل بضائع أو عبر طرق أخرى عديدة، موضحا أنه لا يمكن تفتيش كل من يعبر مطارات الدولة إلى الخارج تفتيشا ذاتيا من أجل الكشف عن كمية الأموال التي يحملونها.

وأكد أحمد إبراهيم (موظف بشركة صرافة في دبي) أنه لو تم تطبيق ذلك القرار فإنه سيحد إلى درجه كبيرة من إدخار العاملين في الخارج وقد يجعل البعض منهم يقرر العودة إلى مواطنهم الأصلية خاصة أصحاب الخبرة والكفاءة العالية والمتخصصين الذين يحصلون على رواتب مرتفعة ويقومون بتحويل مبالغ تتراوح بين 10 و30 ألف درهم للشخص الواحد شهريا. مضيفا أن هؤلاء يقومون بتحويل أموالهم إلى بنوك داخل بلدانهم من أجل توظيفها والحصول على فوائد ربحية كبيرة عليها على عكس البنوك الإماراتية، كما لا يرغبون في الاستثمار داخل الدولة والإنفاق على شراء المزيد من السلع والبضائع والعقارات على عكس مواطني الدولة.

ولفت إبراهيم إلى أن شركات الصرافة نفسها قد تخسر كثيرا جراء تطبيق هذا القرار لأنه سيؤثر على عوائدها من خلال تناقص أعداد ومبالغ الذين يقومون بتحويل أموالهم نتيجة بحثهم عن طريق بديلة وقد تكون غير مشروعة لإيصال المزيد من تلك الأموال إلى بلدانهم.