يتجه الوضع الاقتصادي العراقي نحو التحسن، وينعكس ذلك على مظاهر الحياة اليومية في الشارع، وعلى مستويات العيش الآخذة في الارتفاع للمواطن العراقي، حتى بدت علامات الترف والبحبوحة تطل بشمسها على الكثير من مرافق الحياة.


معدل دخل الفرد العراقي سيرتفع في السنوات الخمس المقبلة

وسيم باسم من بغداد: يصاحب توقعات المراقبين وكذلك تأكيدات البنك المركزي العراقي من أن معدل دخل الفرد العراقي سيرتفع في السنوات الخمس المقبلة من 4 آلاف دولار سنوياً إلى 8 آلاف، يصاحب ذلك تمنيات في ان يكون التحسن في المستوى المعاشي شاملاً لكل الفئات الاجتماعية، لاسيما الفقراء، الذين لم يلمسوا بشكل كبير، نتائج التحسن الاقتصادي، في حين ان فئات أخرى، مثل الموظفين والسياسيين والتجار، نالوا القسط الأكبر من المردودات المالية التي سببتها انسيابية تدفق النفط والتوسع في إنتاجه، إضافة الى انفتاح آفاق الاستثمار.

الإعلانات الضوئية
ومن علامات الترف الاقتصادي على مظهر الحياة اليومية العراقية انتشار الإعلانات الضوئية والورقية والبلاستيكية في عموم المدن، لتمنح المدن العراقية جمالية افتقدتها لسنين طويلة.

وبحسب جميل اللامي، وهو منتج إعلانات ضوئية، فإن هذه الصناعة أصبحت عراقية بعدما كانت الطباعة الضوئية تطبع خارج البلاد عبر استيراد المواد الأولية ومن ضمنها الخام (فلبكس). ويضيف: كانت مدن العراق خاوية من هذه الإعلانات، موضحًا أن وضعها في الأماكن المخصصة وبالتخطيط والاتفاق مع الجهات البلدية يكسب منظر الشوارع رونقا خاصا. وبحسب اللامي فان هناك اقبالا كبيرا على نصب الإعلانات هذه بسبب الحركة الاقتصادية الجدية في الدكاكين والمحال التجارية.

انتشار المولات
ومن مظاهر تحسن مستوى دخل الفرد في العراق انتشار quot;المولاتquot; أو المجمعات التسويقية كظاهرة حضارية وفعالية اقتصادية تعكس تحسن المستوى المعيشي للافراد.

يقول سليم حسين احد المساهمين في مول quot;الزهراءquot; في النجف (160 كم جنوب بغداد)، ان معظم هذه المجمعات هي جهود فردية وليست حكومية، ما يعكس دور القطاع الخاص في التنمية المنتظرة وضرورة تقديم الدعم له.

يدعو سليم أصحاب رؤوس الأموال من العراقيين في الخارج الى استغلال الفرصة في إقامة مشاريع تجارية في العراق في ظل دلائل تحسن الوضع الأمني والاقتصادي. وغابت المجمعات التسويقية الكبرى عن مدن العراق طيلة عقود، لاسيما منذ نهاية السبعينات حين نشبت الحرب العراقية الإيرانية (1980 - 1988) لينحسر تمامًا دور الأسواق المركزية التي شهدها العراق، وكانت على ندرتها توفر البضاعة الرخيصة والجيدة للمواطن العراقي.

وبحسب إحصائيات رسمية عراقية في 2011 فان متوسط دخل الفرد العراقي سيرتفع في السنوات الخمس المقبلة من 4 آلاف دولار سنوياً الى 8 آلاف، وهي الأعلى على مستوى الدول غير النفطية. يتحدث الموظف في بلدية كربلاء (108 كم جنوب غرب بغداد) محمد داود عن راتبه الذي يبلغ الآن نحو المليون دينار شهريًا، في حين كان راتبه قبل عام 2003 نحو الخمسة آلاف دينار شهريًا.

ومقابل هذا التفاؤل فان كريم شافي، وهو خبير مالي ويعمل في مصرف الرافدين. يحذر من التضخم والازدياد المضطرد للأسعار الذي يتوازى باضطراد مع زيادة القدرة الشرائية للمواطن.

ويرى شافي ان ذلك سوف لن يؤثرفي الموظف وأصحاب الدخول العالية قدر تأثر الفقير الذي لا يمتلك دخلاً ثابتاً، لما يصاحب الزيادة في رواتب الموظفين من ارتفاع في أسعار السلع الأساسية في السوق المحلية.

ازدهار الأسواق
تبلغ علامات الترف الاقتصادي ذروتها مع حلول شهر رمضان الكريم، حيث تزخر الأسواق بأنواع من المواد الغذائية والسلع والأجهزة الكهربائية والمنزلية والملابس، يقابل ذلك إقبال على الشراء من قبل المواطن.

في هذا الصدد يؤكد حليم سيد حسين صاحب دكان لبيع الملابس والأقمشة، من ان الإقبال على الشراء جيد رغم بعض فترات الكساد. وفي إشارة إلى التحسن الاقتصادي يشير سيد حسين الى المناشئ المتعددة للبضاعة من الإماراتي والصيني والماليزي والإيراني.

يتوقع سيد حسين ان يشهد العراق بضاعة عراقية الصنع في السنة المقبلة اذا ما تحسنت إمدادات الطاقة الكهربائية، والحد من الاستيراد العشوائي للبضاعة الأجنبية. ويبلغ دخل سعيد دخيل وهو صاحب (بسطة متنقلة) في اليوم ما يعادل الثلاثين دولارا في اليوم، في حين يصل معدل دخل الدكاكين الكبيرة الى نحو ثلاثمائة دولار في اليوم.

ولا يتورع مهند حبيب من التصريح عن دخله اليومي من بيعه للأقمشة في دكانه، حيث بلغ معدل دخله بين مائة دولار الى مائة وخمسين دولارا في أسوأ الحالات.

وفي السوق المسقفة في الحلة (100 كم جنوب بغداد) فان هناك حركة تبضع كبيرة، ونسبة شراء لم يتوقعها أصحاب المحال التجارية، ويشمل ذلك محال البقوليات، جنبا إلى جنب من دكاكين الملابس والصياغة والحاجات المنزلية. وفي هذه السنة تحديدًا ومع حلول شهر رمضان الكريم فان حركة البيع والشراء تشمل حتى المواطنين من المتعففين.

ويرى القصاب سعيد انه على عكس الأعوام السابقة، فرغم ارتفاع أسعار اللحوم، الا انها بدأت تحضر على مائدة الأسرة العراقية بشكل مُلفت. الجدير بالذكر ان سنوات الحصار الاقتصادي في تسعينات القرن الماضي، أبعدت كل مظاهر الترف الاجتماعي عن الأسرة العراقية، وبأن كسادا اقتصاديا عاناه العراقيون طيلة تلك الفترة.

يصاحب الزيادة في رواتب الموظفين والعاملين في الدولة، ازدهار في الأعمال الحرة. ففي سوق الجامعة في الموصل بلغت نسبة المبيعات درجة كبيرة بحسب التاجر ابو مصطفى الذي التقيناه في سوق الشورجة في بغداد.

اقبال العراقيات على شراء الذهب
تقول سلمى الوائلي المعلمة في مدرسة في النجف ان من مظاهر الترف اقبال العراقيات على شراء الذهب. أما السمة الأخرى من سمات الترف الظاهر في الحياة العراقية فهو انتشار مراكز وصالونات التجميل في العاصمة والمدن في الشمال والجنوب.

وافتتح سليم الخالدي في منطقة الكرادة في بغداد قاعة للرشاقة والألعاب الرياضية، حيث يقبل عليها الشباب بشكل منقطع النظير. وفي منطقة السيدية في بغداد تتردد أم محمد على مركز quot;الانا كونداquot; للرشاقة والعناية بجمال المرأة، حيث تنتظم شريحة واسعة من النساء في المركز.

وتقول ام محمد انه على الرغم من أن هذه الثقافة جديدة على العراقيين، اضافة الى كونها تصطدم في بعض الأحيان بأخلاقيات المجتمع، وكذلك بالقيم الاجتماعية، إلا أنها آخذة في التوسع حالها حال صالونات الحلاقة النسائية التي تشهد إقبالا واسعًا.

وبدا الكثير من العراقيين يقضون مواسم الحر خارج العراق، حيث تشهد مكاتب السفر إقبالاً على انتظام العراقيين في سفرات جماعية وفردية الى الدول المجاورة مثل تركيا وإيران وسوريا وماليزيا.

ويتحدث ابو احمد (موظف) الذي قضى أسبوعين من إجازته الصيفية في تركيا، عن شيوع ظاهرة سفر العراقيين في فصل الصيف الى الخارج إضافة الى سفرهم لأغراض التطبب في الدول المجاورة. وصرف ابو محمد في سفرته التي ضمت زوجته المهندسة وثلاثة من أولاده نحو أربعة آلاف دولار.

يرى الخبير الاقتصادي كريم الخزاعي أن تشجيع الاستثمار ودعم القطاع الخاص واستحداث فرص العمل، بالتزامن مع زيادة رواتب الموظفين ووضع الية للحد من ظاهرة زيادة الأسعار وحماية المستهلك سيكون كفيلاً بتطوير الحالة الاقتصادية في العراق نحو الأحسن لتصبح حالة دائمة وليست وقتية.