يواصل الاقتصاد السوري تداعيه المتسارع بفعل العقوبات المفروضة عليه، هذا فيما يحاول حزب لله مدّ يد العون إلى حليفه، عبر صرف الليرة السورية في مناطق نفوذه بأعلى من سعرها الحقيقي.


وزير النفط والثروة المعدنية السوري

دمشق: مع تزايد العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السوري، وتسارع وتيرة القتل والعنف اليومي في البلاد، تشير المعطيات الاقتصادية إلى انهيار متسارع في مرافق الاقتصاد الأساسية، لا سيما مع الحظر المفروض على قطاع النفط السوري، والذي أسهم حتى الآن في خسارة خزينة الدولة لأكثر من ملياري دولار، بحسب تصريحات وزير النفط السوري.

الاقتصاد السوري الذي أسس، منذ استيلاء حزب البعث على السلطة، على النموذج الاشتراكي، وتكفلت فيه الدولة ومؤسساتها بدعم المواطن السوري، الذي لا يكاد دخله يكفيه، بالمواد الرئيسة، كالمحروقات والمواد الغذائية اليومية، انتقل مع حقبة الأسد الابن إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، معرّضاً البلاد إلى هزّات اقتصادية شديدة، برر بها بعض الممالئين للنظام، الحراك الشعبي وانتفاض الناس في سوريا فيبداية الأزمة.

الانهيار المتسارع للقيمة التداولية للعملة المحلية (الليرة)، وتضاعف صرف سعر الدولار أمامها (من 47 ليرة بحسب سعر الصرف الرسمي، إلى 75 ليرة في السوق السوداء الموازية خلال الفترة الأخيرة)، أجبر المصرف المركزي السوري على إصدار قرار يقضي بالسماح للبنوك وشركات الصرافة المرخصة بتداول العملات الأجنبية مقابل الليرة بيعاً وشراء، وفقاً للأسعار السائدة عالمياً. بحيث تصدر هذه البنوك والشركات نشرة أسعارها الخاصة، وتعلم البنك المركزي بذلك.

المضاربة في السوق السوداء أبقت أسعار الدولار على حالها
واستثنى القرار تمويل البنوك للمستوردات، حيث أبقى المصرف المركزي قراره السابق، الذي صدر بتاريخ 4-1-2012، والذي ينص على تمويل الاستيراد من قبل التجار، بموجب حوالات آتية من خارج سوريا، وتطبّق عليها أسعار الصرف الصادرة من مصرف سوريا المركزي.

وهو ما يبقي القسم الأكبر من السوق السوداء قائماً، حيث إنه من المعروف أن التجار يقومون بشراء الدولار لتمويل مستورداتهم من السوق السوداء، ومن ثم البحث عن طرق لتحويلها إلى البنوك، ليتم تمويل المستوردات.

وعلى الرغم من القرار quot;التاريخيquot; بتحرير أو تعويم سعر صرف الدولار، إلا أن المضاربة بين تجار السوق السوداء والمصارف الخاصة تحديدًا، أبقت أسعار الدولار على حالها.

ويتردد بين تجار العملة أن الحكومة السورية غضّت الطرف عن ارتفاع سعر صرف الدولار وانهيار الليرة بشكل سريع، حتى تتمكن من جني ثمار فرق السعر في السوق السوداء عن السعر الرسمي المعلن، وتمويل دفع رواتب الموظفين، فيما خرج حاكم مصرف سوريا المركزي ليعلن على التلفزيون الرسمي أن مدخرات الحكومة من القطع الأجنبي تجاوز حاجز 16 مليار دولار، وهو ما كان عليه في بداية الأزمة؟!.

وفيما يتخوف المواطنون السوريون من إجراءات quot;عقابيةquot;، بحسب وصفهم، جراء الأحداث الجارية، وانتقام الحكومة منهم برفع الدعم بشكل كامل عن المحروقات والمواد الغذائية، بعدما سرت شائعات عن قرب رفع الدعم رغيف الخبر وأسعار المازوت، جاء الرفع المفاجئ لأسعار غاز التدفئة المنزلي، بنسبة قاربت الضعف، دفعة واحدة، من 225 ليرة سورية إلى 400 ليرة سورية، واحتمال رفعها إلى 800 ليرة في نهاية فصل الشتاء، ليزيد من هذه المخاوف ويؤكدها.

وزير النفط والثروة المعدنية، سفيان العلاو، اعتبر أن رفع سعر أسطوانة الغاز إلى 400 ليرة سورية يخفف أعباء لا بأس بها، ويؤمّن راحة للمواطنين في الحصول على مادة الغاز.

وأشار الوزير إلى أن الطلب الكبير على الغاز سببه استخدامه في أوجه أخرى كوقود للسيارات، بشكل كبير، لافتاً إلى أن الأسطوانة الواحدة تشكل بديلاً من نحو 15 ليتر بنزين، قيمتها الحقيقية 700 ليرة سورية.

الحكومة السورية رفعت سعر أسطونة الغاز
الوزير بيّن أن فارق سعر الغاز أصبح هائلاً بين سوريا والدول المجاورة، حيث تباع الأسطوانة في لبنان خلال الشهر الحالي بما يعادل 935.6 ليرة سورية، و531.5 ليرة في الأردن، و2118 ليرة في تركيا.

ولفت إلى أنه مع ارتفاع سعر صرف الدولار خلال الآونة الأخيرة، وصلت تكلفة سعر أسطوانة الغاز إلى ما يعادل 800 ليرة سورية، laquo;ولذلك من غير المنطقي أن نتلف ثرواتنا وموادنا بسهولة وبشكل عبثي، ورفع السعر لن يشكل عبئاً على المواطن، الذي يستهلك أسطوانة واحدة تقريباً كل شهرraquo;.

الوزير عينه اعتبر أن الخطأ الفادح، الذي ارتكبته الحكومة في عام 2011، كان خفض سعر ليتر المازوت إلى 15 ليرة، ليرتفع الاستهلاك خلالها إلى 7.4 مليارات ليتر، وسبب للمواطنين الكثير من المهانة والمذلة، ودفعوا مبالغ طائلة، مفجّراً واحداً من أخطر التصريحات بقوله: quot;لو رفعنا سعر المازوت 10 ليرات، لارتفعت رواتب الموظفين 15 ألف ليرة... 700 مليار قيمة الدعم، لو تم توزيعها على الشعب، لقضينا على الفقر والبطالةquot;.

وبينما تتحضر الحكومة السورية لحزمة من الإجراءات لرفع الدعم الرسمي عن المحروقات والمواد الغذائية، يأتي دعم دول الجوار لاقتصادها المتداعي ليرسم علامات استفهام حول الغاية من رفد هذا الاقتصاد، ومن يقف وراءه، فمدير عام صندوق دعم الصادرات السورية، إيهاب أسمندر، كشف عن أن العراق يستورد يومياً من سوريا بقيمة 25 مليون دولار، ما يصل إلى مليار دولار كل 40 يومًا، وأنه يتم التصدير إلى إيران بواقع مليار دولار سنوياً.

من جهة أخرى، وبحسب عمّال سوريين في لبنان، فإن سعر صرف الليرة السورية في الضاحية الجنوبية، المحسوبة على حزب الله وحركة أمل، يتراوح بين 25-26 ألف ليرة لبنانية مقابل الألف السورية، فيما لا يتجاوز سعر صرفه الرسمي في مناطق أخرى الـ 20 ألف ليرة لبنانية، معللين ذلك بأن هناك قراراً غير معلن أو غير رسمي من أبناء quot;الضاحيةquot; والمهيمنين عليها لدعم الليرة السورية المتداعية.