قطاع التأمين السعودي لا يزال دون المستوى

قفز الطلب على خدمات التأمين في السعودية خلال الخمس سنوات الماضية بشكل كبير، بعد قرار مجلس الوزراء بالموافقة على إنشاء أكثر من 30 شركة تأمين في المملكة، لكنّ خدماته لا تزال دون المستوى مع تحفظاتكثيرة من المجتمع حول دوره ومفهومه، بعد سنوات من التحريم.


الرياض: يعتبر التأمين مفهوما اقتصاديا أكثر منه خدمة تقدم كحماية للمستهلك وضمان للتاجر او المنتج وتسويق له، ففي دول عالمية متقدمة لا يمكن تخيل الحياة من دون تأمين، ولا يمكن إنهاء الإجراءات بشتى أنواعها دون تشفيعها ببوليصة حسب نوع الخدمة.

وفي السعودية، حيث تعالت الأصوات المنادية قبل سنوات بحرمة تطبيق نظام التأمين في المملكة من باب سد الذرائع، وأن quot;التأمين أشبه بالميسر المحرم في الدين الاسلامي، ونظرا لأن الخسائر الاقتصادية الناتجة من عدم تواجد التأمين تجاوزت مئات المليارات، خاصة في ما يتعلق بالحوادث، رأت الحكومة السعودية أن سياسة التطبيق الالزامي اصبحت ملحة، وان هناك قطاعا كاملا من الممكن أن يحدث تطورا في دعم الناتج المحلي وهو قطاع التأمين، خاصة وأن خطط التنمية بمراحلها المتعددة تنادي دوما بضرورة الاعتماد على مصادر دخل اخرى غير النفط.

ومنذ 2004 وكذلك 2005م وصل عدد شركات التأمين المصرح رسميا لها بمزاولة وتقديم الخدمات التأمينية داخل المملكة، بشتى أنواعها حوالى 35 شركة تقريبا، السواد الاعظم منها تم تحويله لشركة مساهمة عامة ويتم تداولها في السوق السعودية.

يقول الباحث الاقتصادي سعود العامر في حديث لـquot;إيلافquot; إن قطاع التأمين يعتبر قطاعا ناشئا في المملكة، ومن الطبيعي أن يواجه مشاكل عدة، سواء على الصعيد الإداري أو المحاسبي أو حتى من ناحية القبول الشعبي والاجتماعي، ومن وجهة نظري أن سوق التأمين خطت خطوات جيدة، الا أنها بحاجة للمزيد من الكوادر المؤهلة من الناحية الادارية ، وكذلك من الناحية البحثية ودراسات السوق بالإضافة إلى محللي مخاطر ، أسوة بالدول الغربية ، التي تملك انظمة تحليل مخاطر متقدمة ومتطورة ، توفر معلومات غاية في الاهمية لمتخذي القرار.

وأضاف العامر، أن شركات التأمين بحاجة الى هيئة رقابية متخصصة تقوم بعملية الرقابة المالية والمحاسبية، ولا يكفي فقط الاعتماد على مجلس الضمان الصحي كنموذج للتأمين الصحي، بل يجب أن يكون هناك هيئة متكاملة متخصصة تراقب سوق التأمين وتصدر التراخيص وتستقبل الشكاوى وخلاف ذلك ، ولا يجب ان تبقى هذه المهمة في يد مؤسسة النقد التي من المنطق ليس لها علاقة مباشرة بهذا القطاع.

ويضيف أيضا، أن على الجامعات ووزارة التعليم العالي، توفير تخصصات فرعية ومستقلة ايضا لدراسة التأمين وتحليل المخاطر ، وابتعاث الطلاب الراغبين في الدخول في سوق العمل من خلال هذا القطاع ، للدول البارعة والمتقدمة في هذا المجال الذي يعتبر من افضل المجالات التي من الممكن ان تحقق ربحية عالية وتوفر وظائف متعددة وتقلل من معدلات البطالة، معتبرا العامر في ختام حديثه أن المملكة من الدول المتدنية المخاطر ومن أكثر الدول استقرارا في العالم ، في حين اذا نظرنا الى الوضع الحالي لسوق التأمين في المملكة لا تتعدى مساهمتها في الناتج المحلي نسبة 1 % من بين القطاعات الاخرى في الاقتصاد القومي.

وفي السوق الاقتصادية أظهرت نتائج هذه الشركات خلال عام 2011م ان أكثر من 20 شركة تمثل نسبة 61 % من مجموع شركات التأمين المدرجة حققت خسائر رأسمالية، في حين البعض والقليل فقط استطاع أن يعيد توازنه في نهاية العام، والأقل ايضا حقق ارباحا، وغالبا ما يعزو المحللون هذه الخسائر إلى ارتفاع معدلات التعويض مقابل انخفاض معدلات الاستثمار، على الرغم من أن سداد الاقساط التأمينية كمؤشر يعتبر أكثر من جيد، وتحدث أحد مسؤولي شركات التأمين أن هناك حالات احتيال كبيرة تتعرض لها شركات التأمين بشكل غير مباشر، ما يعرض هذه الشركات لتكبد خسائر كبيرة تتجاوز 2 مليار في السنة !

ويُرى أن الخدمات المقدمة للمستفيدين بشتى أنواع التأمين، تنظر مؤسسة النقد (وهي الجهة الإشراقية والرقابية على قطاع التأمين) في عدد كبير من شكاوى المستفيدين من التعويضات التأمينية التي لم يتم صرفها، نظرا لإفلاس الشركة أو مماطلتها في الدفع، الأمر الذي يدفع عددا كبيرا من المستفيدين إلى تكبد خسائر إضافية جراء الانتظار ودفع مصاريف إضافية.

وفي ظل التوجه الحكومي لتنويع مصادر الدخل يتوقع ان يحقق قطاع التأمين مساهمة جيدة في الناتج المحلي الاجمالي، الا ان ذلك لم يتحقق حيث لم تتجاوز مساهمة القطاع اكثر من 1% حسب التقارير القومية الاخيرة، وبالتالي ما يطالب به الخبراء هو اعادة النظر في هيكلة قطاع التأمين داخليا، من ناحية توفير المستشارين والباحثين، بالإضافة الى الدراسات الاستراتيجية للقطاع خلال الفترات القادمة، وتوفير الكوادر المؤهلة داخل الشركات من السعوديين المؤهلين من خلال فتح تخصصات جديدة، أو الابتعاث الخارجي لدراسة التأمين في الدول الناجحة في هذا المجال، وبالتالي من الممكن ايجاد حلول جذرية لمشاكل هذا القطاع.