بجولة الملك محمد السادس الأفريقية، يعود المغرب إلى أفريقيا بعدما كان فارقها طويلًا، من خلال توطيد علاقات سياسية واقتصادية مع دول الداخل الأفريقي، وتأطير دور يلعبه المغرب لتحصين الإسلام السني الأفريقي من خطر المدي الشيعي.


الرباط: قبل أكثر من عقد من الزمان، ومع اعتلاء الملك محمد السادس العرش في المغرب، وقع تحول جذري في السياسة الخارجية المغربية تمثل في العودة إلى أفريقيا، إذ كان يؤخذ على المغرب توجهه نحو أوروبا، إثر انسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية قبل أكثر من عقدين، لقبولها عضوية الجمهورية العربية الصحراوية.
عاد المغرب إلى إفريقيا من بوابة العلاقات الاقتصادية الثنائية مع الدول الإفريقية، التي ظل يحافظ على علاقات سياسية متينة معها.
ويرى محللون اقتصاديون وباحثون في العلاقات الدولية أن جولة الملك محمد السادس الأفريقية تحصن مكتسبات المغرب الاقتصادية والسياسية، وتؤشر إلى دور مغربي قد يلعبه في أفريقيا لتحصين الإسلام السني من خطر المدي الشيعي.
المغرب الإفريقي
يدرج جمال مشروح، الباحث المختص في القانون الاقتصادي الدولي، العلاقات المغربية مع دول جنوب الصحراء في إطار ما اعتبره quot;النموذج الجديد الذي أتى به الملك محمد السادس في العلاقات الخارجية، بالنظر إلى ما كان يؤخذ على المغرب من توجه واحد، نحو أوروبا فقط، وغيابه المطلق عن القارة الإفريقية، بعد خروجه من المنظمة الإفريقية وتهميشه الاقتصادي من هذه القارةquot;.
وقال مشروح لـquot;إيلافquot;: quot;ما يلاحظ الآن هو أن حجم المبادلات التجارية مع دول القارة الإفريقية في تقدم مستمر، حتى قيل إن المغرب بات أكثر أفريقية بعد خروجه من منظمة الوحدة الإفريقية، فإذا لاحظنا اتفاقيات التبادل الحر التي وقعها المغرب مع الدول الأوروبية والدول العربية، في إطار ما يسمى باتفاق أغادير، أو مع الولايات المتحدة، نجد أن هناك عجزًا هيكليًا، حيث أن الصادرات المغربية لا تربو عن 30 بالمئة من وارداته من هذه الدول، وهنا تأتي النقط الإيجابية لتوجه المغرب نحو أفريقيا، على اعتبار أنها أسواق واعدة يمكن أن تشكل خلال أربع أو خمس سنوات تعويضًا للعجز التجاري المغربي على مستوى التجارة الخارجيةquot;.
وأشار مشروح إلى أن أفريقيا لم تعد تلك القارة المهمشة اقتصاديًا، التي تعيش المجاعة والأمراض والحروب الأهلية، بعد أن أصبحت مجالًا لتنافس قوي بين الدول الاقتصادية التقليدية كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول ذات الاقتصادات الناشئة كالبرازيل والأرجنتين والصين. وهو ما يؤكد، بحسب مشروح، أن زيارة الملك محمد السادس الحالية إلى بعض دول القارة تأتي في موعدها لتحصين مكتسبات المغرب في هذه القارة، ولزرع ورشات جديدة في التعامل مع بعض دولها.
أضاف: quot;السنغال من الدول ذات الكلمة المسموعة على المستويين السياسي والاقتصادي في القارة الإفريقية، ومن هنا تأتي الأهمية الكبيرة التي يمنحها المغرب للسنغال كدولة مركزية في القارة الإفريقية، وكنموذج يحتذى به في إطارات علاقات جنوب ndash; جنوبquot;.
سياسة واقتصاد
من جهة أخرى، اعتبر خالد شيات، الباحث في العلاقات الدولية، أن العلاقات المغربية الأفريقية كانت دائمًا علاقات قوية منذ استقلال المغرب على اعتبار أن المغرب جزءٌ لا يتجزأ من هذه القارة.
وقال لـquot;إيلافquot;: quot;هناك تحول في السياسة الخارجية للمغرب مع إفريقيا من منظور البعد الاقتصادي والعلاقات التجارية المتينة، إلا أن المغرب في علاقاته الاقتصادية الجديدة مع أفريقيا، خصوصًا خلال فترة حكم محمد السادس، كانت مع الدول الافريقية التي ترتبط بالمغرب بعلاقات سياسية طيبة، كالغابون وساحل العاج والكاميرون والسنغال، أي الدول التي لم تعترف أبدا بالجمهورية العربية الصحراويةquot;.
وفي سياق العلاقات المغربية السنغالية، اعتبر شيات أنها قد تصل إلى مستوى عالٍ من المثالية، فالسنغال استمر في تعزيز علاقاته مع المغرب، سواء الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية أو الدينية، خصوصًا أن مذهب الزاوية التيجانية يجمعهما في إطار ديني واحدquot;.
ويحضر المغرب في السنغال عبر مجموعة من الشركات والمؤسسات المالية والبنوك، ما يضيف الركائز الصلبة للعلاقة بين البلدين، لكن شيات استحضر لحظات خلاف شابت هذه العلاقات الاقتصادية، فسرها باحتمال أن تكون خلفية للصراع السياسي، على اعتبار أن الاقتصاد يمكن أن يكون دافعًا لعلاقات طيبة، كما يمكن أن يكون عثرة في طريق العلاقات السياسية. ففي نيسان (أبريل) 2009، أوقفت الخطوط الملكية المغربية رحلات الخطوط الجوية السنغالية، التي تملك غالبية أسهمها، متهمة السلطات السنغالية بمسؤوليتها عن إفلاس الشركة، بسبب ديون هائلة أرهقتها.
تنازع شيعي- سني
من جهة أخرى، يرى شيات أن بإمكان العلاقات الدينية الوطيدة بين البلدين أن تشكل بابًا من أبواب تقريب السنغال من دول الخليج عن طريق المغرب، إلا أن الخلل الذي يمكن أن يحدث يكمن في طبيعة الانتساب الديني.
قال: quot;يظهر أن الانتساب السني لدول الخليج مذهب جامع، وهناك في إفريقيا صراع خفي بين الاتجاه الشيعي الذي تقوده إيران ومجموعة من التيارات والمذهب السني بزعامة دول الخليج، خصوصًا الكويت التي حضورها قديم ومؤثر في الساحة الإفريقية، وخلال العقد الأخير ظهر توجه إيراني نحو تشييع القارة الإفريقية، وخصوصًا الدول الإسلامية فيها، وهذا مدخل ولجته بطريقة اقتصادية مع مشاريع علمية وجامعات في دول مثل غانا، التي ازدهر المذهب الشيعي فيهاquot;.
في هذا السياق، نبه شيات إلى أن التيار الوهابي الذي يسود في دول الخليج يتقاطع مع تيارات نامية في دول أفريقية عدة، quot;خصوصًا اليوم مع ما يجري في دول الساحل من صراع ضد ما يسمى بالإرهاب، وهو التيار الذي يشاع أنه مدعوم من دول الخليج، ولا سيما قطرquot;.
أضاف شيات: quot;قد يكون ثمة مستوى سياسي وديني لا يعكس الجانب الثقافي الذي تعرفه هذه العلاقات، وقد يعكس ثلاثية الصراع، أي اجتماع دول سنية في خندق واحد، إلا أن ثمة حسابات مع قوى دولية كالاتحاد الأوروبي، إلى جانب حضور فرنسا في مالي، والولايات المتحدة الأميركية في حربها ضد الإرهاب بالمنطقةquot;.
من هذا المنطلق، يرى شيات أن الدعم الذي يمكن أن تقدمه دول الخليج للسنغال ليس مجانيًا، وقال: quot;لا أعتقد أن السنغال يشكل أولوية لدول الخليج، إلا في إطار الصراع المذهبي السني الشيعي الذي تعرفه القارة الأفريقيةquot;.