مع تسارع وتيرة الانتقال إلى تبني أماكن العمل الرقمية، وانخفاض المساحات المكتبية المخصصة لكل موظف من 200 إلى ما بين 50 و100 قدم مربع بحلول عام 2015، على الشركات التي تبحث عن ميزة تنافسية البدء في النظر إلى أماكن العمل نفسها بوصفها رصيداً إستراتيجياً.

يفد في كل يوم أفراد من الجيل الجديد إلى سوق العمل، حاملين معهم الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، وهم على قناعة تامة بقدرتهم على استخدام مثل هذه الأجهزة المتطورة لتأدية أعمالهم.
تسعى بعض الشركات في منطقة الشرق الأوسط نحو إيجاد مساحات عمل أكثر كفاءة وتعاونية على غرار اتصالات وأوريدو وبنك الإمارات دبي الوطني. ومع ذلك، لا تزال مزيد من المنظمات في المنطقة بحاجة إلى تحقيق الاستفادة القصوى من الاتجاهات السائدة اليوم، ويمكنها القيام بذلك عن طريق اتباع منهج أكثر استراتيجية لأسلوب تصميم وتنظيم مكان العمل.
وهذا يعني الأخذ بعين الاعتبار جميع الجهات المعنية المختلفة التي يتعامل معها الموظفون انطلاقاً من زملائهم في العمل والعملاء والبائعين والموردين والشركاء وحتى الأصدقاء والعائلة. ثم يتعين عليها الاستفادة من مجموعة متنوعة من التكنولوجيات الناشئة التي بمقدورها تمكين الموظفين من العمل بشكل جماعي في مناطق جغرافية متباعدة وعلى نحو فوري.
وبالرغم من كل ذلك، يتطور عالم الأعمال باستمرار والموظفون مُطالبون بالعمل بشكل تعاوني على مدار الساعة لتلبية احتياجات البيئة الاقتصادية العالمية الآخذة بالاتساع. وبالتزامن مع ذلك، ساهمت التكنولوجيات الجديدة والمبتكرة في السنوات الأخيرة في التسريع بوتيرة رقمنة الشركات في جميع الصناعات، مما يتيح لها مراقبة عمليات التشغيل بشكل أفضل وزيادة التقارب مع عملائها.
ونتيجةً لذلك، يتعين على الشركات اليوم اعتماد منهج أكثر استراتيجية لكيفية تصميم وتنظيم أماكن العمل لتحقيق أقصى استفادة من هذه الاتجاهات. وتماشياً مع هذا المنطلق، وضعت شركة الاستشارات الإدارية العالمية بوز أند كومباني إطاراً لكيفية إنشاء مكان العمل الرقمي المستقبلي الذي يمكنه تعزيز الإنتاجية وتحسين معنويات الموظفين واستقطاب الجيل القادم من المواهب.
الطبيعة المتغيرة لأماكن العمل
يتحرك عالم الأعمال على نحو فائق السرعة، وصار أكثر عالمية وتنقلاً. وقد بات العمل الجماعي إجراءاً قياسياً، ويجري تطوير تكنولوجيات رقمية جديدة لمساعدة الموظفين على التواصل والتعاون وتشارك الموارد. وفي الواقع، أظهرت دراسة حديثة أجرتها شركة تقنيون لخدمات تكنولوجيا المعلومات، وهي شركة لتصميم المكاتب، أن قرابة 90% من الشركات تُخطط لزيادة استثماراتها في تكنولوجيات تعزيز الإنتاجية على غرار نظم التشغيل ببصمة الصوت ومؤتمرات الفيديو بحلول عام 2015.
ويقول رامز شحادة، وهو شريك في بوز أند كومباني quot;غيّر ظهور التكنولوجيات الرقمية الجديدة من النسيج الأساسي لمنظومة الأعمال، فعلى الشركات التي تبحث الآن عن ميزة تنافسية أن تنظر إلى أماكن العمل نفسها بوصفها رصيداً استراتيجياً لتعزيز الأداء، وتحقيق الاستفادة القصوى من التكاليف، وزيادة التواصل مع العملاء، وتقليل الوقت اللازم لطرح منتجات وخدمات جديدة في الأسواق، واستقطاب المواهب والحفاظ عليهاquot;.
وأضاف أيضاً quot;ومع ذلك، يتعين على الشركات من أجل القيام بذلك فهم العوامل التي تُحدث تغييرات جذرية في مكان العمل، والتحديات التي أوجدتها تلك العوامل بالنسبة للشركات، وكيفية التغلب عليها لبناء مكان عمل رقمي بالكامل واستراتيجي حقيقيquot;.
الاتجاهات التي تُشكل ملامح الشركات في عالم اليوم
إذا أرادت الشركات النجاح في تصميم مكان العمل الرقمي، فعليها أن تستوعب تماماً الاتجاهات التي تعمل بشكل سريع على تحويل كيفية إنجاز العمل.
الجيل الجديد
في جميع أنحاء العالم، يتسارع دخول الكثير من أفراد الجيل الذي جاء إلى الوجود بعد عام 1990 إلى القوى العاملة، وهم من يُسمَّون بالجيل ج أو الجيل الجديد ويتميزون بالبراعة التامة في التعامل مع التكنولوجيا والفهم المتأصل للتكنولوجيات الرقمية، والتوقع بإمكانية الاتصال بكل شخص وكل شيء في أي زمان ومكان.
وإذا كانت الشركات تأمل في استقطاب والحفاظ على هذه العمالة الموهوبة والديناميكية وكثيرة المطالب، ستحتاج إلى تكييف أماكن عملها وفقاً لذلك. وبالنسبة للجيل ج، فإن الإنتاجية لها معنى جديد، ويجب على الشركات تدعيم عناصر مكان العمل الرقمي اللازمة لتعزيزها.
أساليب العمل الجديدة
أفاد داني كرم، وهو مدير أول في بوز أند كومباني quot;غيّرت العولمة تماماً من الطريقة التي تعمل بها الشركات وخلقت ديناميكية السوق التي تزيد من المنافسة وتتطلب مستويات أعلى بكثير من الكفاءة. فمع استثمارالمنظمات خارج الحدود الوطنية سعياً للاستحواذ على فرص تجارية، والعمل عبر المناطق الجغرافية والزمنية، نشأت ثقافة quot;العمل الدائمquot; على مدار الساعة. وصار الموظفون أكثر قدرة على الحركة، وانتقلت الشركات بعيداً عن المكاتب المخصصة نحو أماكن عمل أكثر انفتاحاً ومجهزة تجهيزاً جيداً من الناحية التكنولوجية تساهم في تعزيز التعاونquot;.
الرقمنة
أحدثت التكنولوجيات المتطورة وسهلة الاستخدام تغييرات كبيرة في الكيفية التي يعيش بها الناس حياتهم، سواءً في العمل أوالمنزل، وهي تساهم بشكل أكبر في تشجيع الموظفين على الجمع بين عملهم وحياتهم المنزلية. وتُمكّن هذه الأدوات الناس من التواصل والتعاون وتشارك الموارد، مع زيادة الإنتاجية ومرونة الأعمال من خلال تعزيز الأتمتة والمرونة في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات.
التفاعلات الرئيسية
يتطلب عالم الأعمال اليوم دائم التغير أن يتفاعل الموظفون مع طائفة واسعة من الجهات المعنية، سواءً داخل المنظمة التقليدية أوخارجها. وبناءً على ذلك، على الشركات عند تصميمها لمكان العمل الرقمي أن تأخذ بعين الاعتبار العديد من العلاقات المعقدة بين الموظفين، وبينهم وبين العملاء والبائعين والموردين وحتى الجمهور بوجه عام.
bull;فرق العمل: يحتاج الموظفون إلى العمل مع بعضهم البعض للتعاون بشأن المهام اليومية، وتبادل الأفكار بشكل جماعي، وتحليل المعلومات، وعرض النتائج، وتشارك الملفات والمستندات ذات الصلة، ومتابعة التقدم المحرز في الأنشطة ذات الصلة
bull;العملاء: يتعامل العديد من الموظفين بانتظام مع العملاء للتعاون بشأن مشاريع أو التعامل مع الطلبات أو تقديم تقارير الصيانة
bull;البائعون والموردون: يجب على الموظفين العمل بانتظام مع البائعين والموردين الذين يوفرون المستلزمات والموارد والخدمات، وغيرها من المدخلات لضمان تقدم سير العمل والتسليم في الوقت المحدد
bull;الموظفون الإداريون: يتعامل الموظفون بانتظام مع الموظفين الإداريين لتقديم تقارير المصروفات، وإدارة الخدمات اللوجستية، وحضور الدورات التدريبية، وحل المشاكل الفنية
bull;الأسرة والأصدقاء: يوضح داني كرم quot;تتلاشى الخطوط الفاصلة بين الحياة الشخصية والعمل بشكل متزايد، والموظفون الآن يُطالبون بالحق في إدارة حياتهم الشخصية من العملquot;
والسبيل الوحيد أمام الشركات لفهم أفضل السبل لتصميم أماكن عملها هو تحديد هذه التفاعلات الرئيسية.
إطار التصميم
يستلزم خلق مكان العمل المستقبل يتوافر خمسة عناصر تُشكل إطار المكتب الرقمي وهي:الأجهزة المتصلة بالانترنت، والبنية التحتية للاتصالات، وتطبيقات الأعمال، وبيئة مكان العمل، والأمن الرقمي.
الأجهزة المتصلة بالانترنت
يحتاج الموظفون إلى قدر كبير من المرونة في اختيار الطريقة الأكثر فعالية للوصول إلى تطبيقات الأعمال أينما كانوا يعملون. فقد صارت الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية ضرورة، لذلك تحتاج الشركات إلى إعادة التفكير في استراتيجيات الأجهزة لديها على أساس احتياجات العمل.
البنية التحتية للاتصالات
يبقى الاتصال القوي شرطاً حاسماً في مكان العمل الرقمي، سواءً في المكتب أو على الطريق، وبالفعل، فمن الأهمية بمكان أن تعمل تكنولوجيا الاتصالات وتطبيقات الأعمال والتعاون التي تقود وظيفة الأعمال بشكل فعّال. وتحتاج شبكات الشركات إلى أن تكون مجهزة للتعامل مع وسائل الاتصال عبر الصوت والفيديو والبيانات التزامنية داخل وخارج شبكات الشركات على حد سواء.
تطبيقات الأعمال
إن تمكين الموظفين من الوصول السلس إلى تطبيقات الأعمال، سواءً كانت أدوات أساسية على غرار تطبيقات تخطيط موارد المؤسسات،أو إدارة علاقات العملاء، أو استقصاء معلومات الأعمال، أو تطبيقات التعاون والإدارة، بغض النظر عن المكان والزمان تساهم في زيادة الإنتاجية وتدعيم التعاون مع الموظفين الآخرين والشركاء والعملاء. كما تساعد مثل هذه التطبيقات الفرق الافتراضية على العمل بشكل متسق والتفاعل على نحو فعّال، وتمنحهم إمكانية الوصول الفوري إلى المعلومات المهمة التي يحتاجونها.
بيئة مكان العمل
إن تصميم مكان العمل المادي له تأثير قوي على تحفيز الموظفين والأداء والإنتاجية والتعاون، بل يؤثر أيضاً على قدرة المنظمة على استقطاب المواهب والحفاظ عليها. فعلى سبيل المثال، يمكن الارتقاء بمستوى التعاون بشكل كبير من خلال توفير تكنولوجيا مؤتمرات الفيديو وغرف الاجتماعات التفاعلية.
الأمن الرقمي
خلق التقارب الذي أحدثتهتكنولوجيات الحوسبة السحابية ووسائل الإعلام الاجتماعية والحوسبة النقالة مشاكل حقيقية في الحفاظ على أمن البيانات في كل شركة. ومع ذلك، تسمح التكنولوجيات الجديدة الآن بتخزين المعلومات بشكل آمن في السحابةالافتراضية وإتاحة الوصول إليها من مختلف الأجهزة، مع تمكين الوصول إلى البيانات دون الاتصال بالإنترنت وتبادل البياناتبين الأجهزة بشكل سلس. وبالتالي ساعدت بيئات الحوسبة السحابية الخاصة العديد من المنظمات في زيادة المرونة وخفض التكاليف.
ويبدأ تنفيذ إطار المكتب الرقمي بإجراء تقييم دقيق للوضع الراهن للشركة من حيث تكنولوجيا المكاتب، وتصميم مخططات للوضع المفترض في المستقبل. وينبغي أن تأخذ المخططات بعين الاعتبار كلاً من البنية التكنولوجية الجديدة المعنية وإعادة التفكير في مكان العمل المادي. وبمجرد الانتهاء من المخططات، ستساعد مجموعة من البرامج التجريبية الشركات في تقييم كفاءة أداء التكنولوجيات في ظل ظروف العمل الحقيقية، وبعدها يمكن تنفيذ التكنولوجيات التي تثبت جدارتها على نطاق واسع.
وأضاف رامز شحادة quot;بالرغم من ذلك،من المهم ألاتتوقف العملية عند حد التنفيذ، فمن المرجح أن تشهد التكنولوجيات التي من شأنها تشكيل كيفية تنفيذ الأعمال في المستقبل تغييراً مستمراً، لذلك يجب على الشركات دراسة أماكن عملها، وتعلم ما يصلح تنفيذه وما لا يصلح، والارتقاء بالمستوى بانتظام للحفاظ على ريادتهاالتنافسيةquot;.
وفي الختام، تواجه الشركات في كل صناعة تحديات حقيقية في تزويد موظفيها بأفضل التكنولوجيات الجديدة التي يحتاجون إليها. ومع ذلك، فالشركات التي بمقدورها رؤية القيمة الاستراتيجية لبيئة العمل، وريادة التحول إلىمكان العمل الرقمي الحقيقي، ستحظى بميزة جليّة في جوانب الإنتاجية والابتكار والتعاون. وهذا، بدوره، سيُمكّنها من استقطاب المواهب التي تحتاجها للحفاظ على قدرتها التنافسية والتماشي مع التحولات الاجتماعية والتجارية الجارية في شتى أرجاء العالم.