يواجه الاقتصاد المصري شبح الانهيار الوشيك، لاسيمامع تزايد الاضطرابات وعدم الاستقرار وتوقف أكثر من 4600 مصنع عن العمل وتسريح العمال، وانخفاض التدفقات السياحية إلى أقل من 30%، ووصول حد الإشغالات في بعض الفنادق والقرى السياحية إلى الصفر.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: يرى خبراء أن استمرار المساعدات الاقتصادية من دول الخليج على مصر ضروري، خاصة أن الإقتصاد المصري أصبح على وشك الانهيار، وأنه من دون تلك المساعدات ما كان ليقدر على الوقوف على قدميه، ولتعرّض للانهيار منذ أكثر من ستة أشهر على أقل تقدير.

وقال الخبراء إن ثمة مؤشرات قوية إلى قرب انهيار الاقتصاد المصري، منها انتشار جرائم السرقة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتوقف السياحة. واعتبروا أن هروب بعض رجال الأعمال المصريين إلى الخارج له مدلولات خطيرة.

الدين يوازي الناتج
لم يعد المسؤولون المصريون يخفون حقيقة أن الاقتصاد المصري على وشك الانهيار، ومنهم وزير التجارة والصناعة منير فخري عبد النور، الذي قال في تصريحات صحافية: quot;لابد من شد الحزامquot;. وأضاف: quot;لا بد أن نعمل من أجل هذه البلاد التي أفلست فعلًا ولابد أن نعمل بجهدquot;، مشيرًا إلى أن quot;عجز الموازنة وصل إلى 13.3 من الدخل القومي، وتراكمت ديون بأكثر من ذلك بتتابع السنوات، وأصبح الدين العام يساوي تقريبًا 100% من الناتج القوميquot;.

ووفقًا للدكتور حسين الشريف، الخبير الاقتصادي، فإن المؤسسات الدولية تصنّف الدول المفلسة بأنها غير قادرة على سداد الدين الخارجي وفوائده، مشيرًا إلى أن تلك المؤسسات لا يشغلها سوى مستحقاتها لدى تلك الدول. ولفت إلى أن الاتحاد الأوروبي أثناء مساندته لليونان في أزمتها كان يحاول تسديد أقساط الدين الخارجي، ولم يلتفت إلى الدين الداخلي.

أضاف لـquot;إيلافquot; أن الحالة المصرية تتشابه إلى حد كبير مع ظروف البرازيل والأرجنتين عندما أفلستا، منوهًا بأن الأرجنتين مثلًا تفاقم الدين العام لديها، ووصل إلى حوالى 150%. وكان معدل الإقراض الداخلي كبيرًا جدًا، وهو ما أدى إلى ضياع أموال المودعين، ودفعهم إلى التسابق لسحب أموالهم من البنوك، وهو ما ساهم في الإسراع في إعلان إفلاس الدولة.

ولفت الشريف إلى أن الدين العام وصل في مصر إلى نسبة 100%، موضحًا أنه شهد حالة ارتفاع مبالغاً فيها أخيرًا، فبعدما كان يقدر بحوالى 77% خلال العام الماضي، تصاعد ليقترب من الـ100% أخيرًا. ونبّه إلى أن الوضع الحالي في مصر سيئ جدًا، لافتًا إلى أن عجز الموازنة كان في 30 حزيران/يونيو يبلغ 194 مليار جنيه، وارتفع إلى حوالى 204 مليارات، وهذه هي الأرقام المعلنة، والتي سلمها مجلس الشورى المنحل. وأشار إلى أن الأرقام غير المعلنة وصل فيها عجز الموازنة حاليًا إلى حوالى 240 مليار جنيه.

غياب الاستثمار
ووفقًا للشريف، فإن عوامل أخرى تضاعف من خطورة الأزمة، منها عدم وجود خطط استثمارية، متهمًا الحكومة الحالية بالفشل، وأوضح أنه رغم الدعم المقدم بالمليارات من دول الخليج والمساعدات النفطية التي وفرت على خزينة الدولة 800 مليون دولار شهريًا، إلا أن عجز الموازنة مازال مستمرًا.

وأفاد بأن الاحتياطي النقدي انخفض من 21 مليار دولار في شهر أيار/مايو الماضي إلى 17 ملياراً في بضعة أشهر، ثم انخفض أخيًرا إلى 16 مليار دولار، معتبرًا أنه احتياطي وهمي، لاسيما أنه يضم 6 مليارات دولار ودائع خليجية، وملياراً من تركيا،ومليارين من الجماهيرية الليبية، إضافة إلى 5 مليارات باقية من الودائع القطرية، بمعنى وجود 14 مليار دولار، منوهًا بأن الاحتياطي الحقيقي لا يتجاوز 2 مليار دولار.

ويتوقع الدكتور سعيد عبد العزيز، أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر، أن انهيار الاقتصاد المصري صار وشيكًا جدًا، في حالة توقف المساعدات الخليجية لمصر. وأوضح لـquot;إيلافquot; أن الخطورة الحقيقية تتمثل في توقف تدفق الاستثمارات الخارجية، لافتًا إلى أن الوعود التي حصلت عليها مصر من بعض دول العالم بتدفق الاستثمارات، اشترطت الانتهاء من خارطة الطريق وإقرار الديمقراطية.

وأشار إلى أن كل تلك الوعود ليس لها عائد حقيقي على أرض الواقع. ولفت إلى أن كل الوعود التي حصلت عليها مصر ليست وعودًا استثمارية، ولكنها وعود تنموية. مشيرًا إلى أنها ستتجه نحو تنمية العشوائيات والبنية التحتية لبعض المناطق، وهذه مشروعات بلا عائد استثماري.

تجنب الإفلاس
اتهم عبد العزيز حكومة حازم الببلاوي بالوصول بعجز الموازنة إلى حوالى 240 مليار جنيه، ولم يعد بمقدورها الوفاء بما قطعته على نفسها من التزامات، ومنها تطبيق الحد الأدنى للأجور، والذي يحتاج قرابة الـ 40 مليار جنيه. ونبّه إلى أن هناك مراحل عدة باقية أمام الدولة المصرية قبل إعلان إفلاسها، ومنها طرح سندات بضمان هيئات عامة ذات عوائد كبيرة، مثل قناة السويس أو هيئة السكك الحديدية وشركات الكهرباء والمياه وغيرها من المؤسسات.

وقال إن المرحلة الثانية تتمثل في رفع فوائد السندات المطروحة. أما المرحلة الثالثة فتتمثل في بيع جزء كبير من المشاريع الحيوية داخل مصر، مثل شركات الطاقة والكهرباء والمياه، بمعنى خصخصتها، موضحًا أن إلغاء الدعم ليس من البدائل المطروحة، ولافتًا إلى أن آثاره كارثية، وسيسرع في انهيار الدولة سياسيًا واقتصاديًا.

وكشف الخبير الاقتصادي جمال عبد الكريم، الأستاذ في جامعة القاهرة، أنه في ظل كل هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة تقدم دعوات لرجال الأعمال المصريين من بعض الدول إلى نقل استثماراتهم إليها، مثل كرواتيا وصربيا والصين، مشيرًا إلى أن بعض رجال الأعمال بدأ يستجيب لتلك الدعوات، خاصة بعد التمرد العمالي، الذي تشهده مصر حاليًا.

وأضاف لـquot;إيلافquot; أن هناك رجال أعمال بدأوا في نقل استثماراتهم إلى خارج مصر. وذكر أن 4600 مصنع قد أغلقت في مصر خلال العام المنتهي فقط. موضحًا أن الاضطرابات العمالية ساهمت في تردي الأوضاع الاقتصادية وهروب بعض رجال الأعمال إلى الخارج.

واعتبر عبد الكريم أن استمرار المساعدات الخليجية تعطي مؤشرًا إلى أن الاقتصاد المصري غير قادر على الاعتماد على نفسه، ولفت إلى أن زيادة معدلات الجريمة، خاصة السرقة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانهيار قطاع السياحة المصرية، تعد من المؤشرات التي تؤكد أن الاقتصاد المصري يترنح، ويجب إيجاد خطط غير تقليدية لإنعاشه.