تعبّر شريحة واسعة من السوريين المؤيدين للنظام عن شعور متنامٍ بالغضب إزاء مشاريع سياحية واستثمارية تتم برعاية الحكومة، إذ يرى هؤلاء أنه من الأفضل للنظام أن يركز بدلًا من ذلك على استعادة الأمن مع استمرار الحرب ومقومات أساسية، مثل الكهرباء.


دمشق: أورد الإعلام الرسمي السوري قبل أيام أن رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي افتتح "مشاريع خدمية وسياحية في طرطوس (غرب) بقيمة إجمالية 22 مليار ليرة سورية (120 مليون دولار)"، و"مول (بناء مجمع تجاري) بقيمة إجمالية عشرة مليارات ليرة سورية". وأشار إلى أن المشروع "سياحي وتجاري، يتضمن المجالات الخدمية كافة، ويحتوي سبعة مطاعم، وصالة ألعاب أطفال ومتاجر".

للحكومة يد
وذكر موقع "سيريا ريبورت" الالكتروني، المتخصص في الشؤون الاقتصادية، أن "هذا الافتتاح، الذي تم بثه على التلفزيون السوري، تسبب برد فعل عنيف من مؤيدين للنظام"، مشيرًا إلى أن العديد من أنصار النظام "عبّروا عن غضبهم على مواقع التواصل الاجتماعي". وأوضح التقرير أنه "على الرغم من أن طرطوس مول هو استثمار خاص، لكن مشاريع بهذا الحجم في سوريا لا يمكن أن تنشأ من دون دعم مسؤول حكومي".

وتحفل صفحات تعتبر موالية لنظام بشار الأسد على موقع "فايسبوك" بانتقادات للمشروع، بينها تعليق كتب فيه "قام رئيس حكومة قتل المواطن (...) بافتتاح طرطوس مول. 60 في المئة من شعب طرطوس لا يمكنه أن يشتري من هذا المول".

وعلى حساب باسم "لبوة الأسد" على موقع "تويتر"، جاء "10 مليار ل.س تكلفة طرطوس مول، الذي تم افتتاحه اليوم (8 تشرين الأول/أكتوبر).. والعسكري يدفع ثمن عملياته الجراحية من جيبه، ويأكل حبة بطاطا وخبزًا".

نكران للدماء
وعبّرت عاملة في المجال السياحي في طرطوس لوكالة فرانس برس عن امتعاضها من "إقامة مشاريع ترفيهية وسياحية في طرطوس بالتزامن مع مقتل عدد كبير من عناصر الجيش المتحدرين من المحافظة في المعارك، من دون أخذ مشاعر عائلاتهم بالاعتبار".

وتعد محافظة طرطوس العدد الأكبر من القتلى في صفوف قوات النظام، وهي من أبرز تجمعات الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها الرئيس السوري. وتعتبر منطقة الساحل السوري "الخزان البشري" للنظام على صعيد الجنود وقوات الدفاع الوطني، التي تقاتل إلى جانب الجيش.

تنعم هذه المنطقة بهدوء نسبي، وبقيت في منأى عن النزاع العسكري. وقد نظمت السلطات المحلية فيها في نهاية أيلول/سبتمبر مهرجانات واحتفالات لمناسبة "اليوم العالمي للسياحة". وقال شهود لوكالة فرانس برس إن عدد الذين شاركوا في فاعليات المهرجانات ضئيل.

البلد ماشي!
ويقول ناشر "سيريا ريبورت" جهاد اليازجي ردًا على سؤال لوكالة فرانس برس "يسعى النظام (من خلال المشاريع التي يرعاها) إلى إظهار أن كل الأمور تسير بشكل جيد، وأن الأمور تحت السيطرة. وهو يعتمد هذا الأسلوب منذ ثلاث سنوات ونصف سنة".

ويضيف ان الاسد "وعد خلال لقائه الاول مع الحكومة السورية بعد اعادة انتخابه، بتقديم الخدمات والسلع الاستهلاكية بشكل طبيعي للشعب... وتأمين ذلك امر مهم بالنسبة الى شرعية النظام".

ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن لجوء عدد كبير من السوريين، لا سيما من مناطق حلب وإدلب، إلى منطقة الساحل السوري "أحدث نموًا، ولو طفيفًا، في الدورة الاقتصادية، ودفع مستثمرين إلى توظيف أموال في مشاريع جديدة".

وإذا كان السيّاح لا يتزاحمون على أبواب طرطوس، إلا أن العديد من النازحين السوريين يقيمون في فنادق لمدة طويلة، في انتظار الفرج والعودة إلى مناطقهم، ويصرفون أموالًا في المنطقة. ويقول اليازجي "ارتفع عدد سكان الساحل كثيرًا، ما يبرر وجود هذه المشاريع". لكن، أبعد من الخدمات والسلع الاستهلاكية، يريد المواطنون السوريون الأمن واستعادة حياة طبيعية.

كاسك يا وطن
وإذا كان من الصعب الحصول على تصريحات للإعلام من سوريين، تظهر مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت كمساحة فضلى للتعبير والنقد. فعلى صفحة "محافظة طرطوس المنسية" على "فايسبوك" جاء: "نعم يا سادة.. تم افتتاح مول طرطوس رسميًا، وبتكلفة تفوق عشرة مليارات ليرة سورية.. وأصبح بإمكان ذوي الشهداء تسوق صور و(سوفونير)، أي قطع تذكارية بالفرنسية، لشهدائهم.. كذلك الجرحى يمكنهم الاستفادة من الصولد (تنزيلات) على أطرافهم الاصطناعية. وكاسك يا وطن..".

يقول اليازجي "تغيّر المزاج بين جمهور النظام بعد سقوط مطار الطبقة (في محافظة الرقة، شمال). كان هناك أمل بعد إعادة انتخاب بشار بأن الحرب ستنتهي. لكن ذلك لم يحدث". وسقط مطار الطبقة في أيدي تنظيم "الدولة الإسلامية" في آب/أغسطس، وقتل في معركة المطار مئات من الجنود السوريين، قضى عدد كبير منهم إعدامًا بالرصاص أو ذبحًا.

ويضيف اليازجي: "لا يهاجم الناس بشار الأسد، إما لأنهم يخافون، وإما لأنه يبقى المحور الوحيد الثابت بالنسبة إليهم، فيهاجمون المسؤولين". وبعد معركة مطار الطبقة، سجلت حملة على مواقع التواصل&الاجتماعي تهاجم وزير الدفاع.

مقاطعة مشروع دمّر الرياضي
وفي حمص، سارت تظاهرات تطالب بإقالة المحافظ والمسؤولين الأمنيين، بعد تفجير انتحاري وقع في الأول من تشرين الأول/أكتوبر في وسط المدينة، أوقع أكثر من خمسين قتيلًا، معظمهم من الأطفال.

وعقب تدشين مجمع رياضي في مشروع دمّر في دمشق في الصيف الماضي، انطلقت على "فايسبوك" حملة تدعو إلى مقاطعة المشروع، الذي رأى الناس أنه يستهلك من الطاقة الكهربائية ما يزيد ساعات التقنين عليهم. وكان رئيس الوزراء وائل الحلقي وصف المشروع بأنه "دليل على بداية مرحلة التعافي التي تعيشها سوريا بفضل انتصارات جيشنا الباسل".