أخيرًا، بزغ فجر حل مشكلة إسكان المواطنين في الكويت، التي كانت لعشرات السنوات الماضية، تراوح بين التبشير السياسي وترف التنظير والرؤى الاستشرافية.


فادية الزعبي من الكويت: برعاية وتوجيهات أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، صمم مجلس الأمة برئاسة مرزوق علي الغانم على حل هذه المشكلة حلًا جذريًا، فالدولة تتكفل بتأمين سكن لكل أسرة كويتية، ولكن تشعب المسؤوليات، والاكتفاء بالوعود والتنظير جعل قائمة انتظار السكن تتجاوز حتى هذا التاريخ 108 آلاف أسرة. ومن المتوقع أن تصل الطلبات إلى أكثر من 342 ألف طلب خلال الـ 20 سنة المقبلة، بسبب الزيادة السريعة في عدد السكان واتساع قاعدة الشباب.

المؤتمر نهاية المرحلة الأولى
بدأ مجلس الأمة الكويتي التصدي للمشكلة الإسكانية منذ بداية انعقاد الدورة الأولى للمجلس. فباشر بمرحلة البحث والتداول والتشاور وتبادل الآراء والعصف الفكري. واختتمت المرحلة الأولى بـ quot;مؤتمر الكويت للإسكانquot;، الذي عقد اليوم الأحد. وينتظر أن يخرج بوثيقة شاملة، تقدم إلى الحكومة لتكون خارطة طريق شاملة وجامعة، يتم على هديها العمل مجلسًا وحكومة خلال المراحل المقبلة على طريق التوصل إلى حل نهائي واقعي وشامل للمشكلة الإسكانية.

أقيم المؤتمر تحت رعاية أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وبحضور نائب الأمير ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح ورئيس مجلس الأمة مرزوق علي الغانم. وشهد الحفل رئيس مجلس الأمة السابق جاسم محمد الخرافي وكبار الشيوخ، والشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح، والشيخ جابر المبارك الحمد الصباح رئيس الوزراء جابر مبارك الحمد الصباح، وكبار المسؤولين في الدولة.

ونوه الرئيس الغانم في كلمة افتتح فيها المؤتمر برعاية أمير البلاد وحضور نائبه ولي العهد بقوله quot;إنها رسالة سياسية مفادها أن القيادة السياسية تولي أهمية كبرى لملف الإسكان لكونه ملفًا مهمًا يمسّ كل المواطنينquot;.

تأخرنا كثيرًا
ونبه الغانم إلى التأخير في حل المشكلة الإسكانية، فقال quot;لقد تأخرنا كثيرًا... وهذا التأخير يتحمل وزره الجميع... جميعنا بلا استثناء ... حكومات ومجالس تشريعية وبلدية وإعلام وقوى سياسية ومؤسسات مجتمع مدني.. جميعنا .. لقد ماطلنا في قضية لا تحتمل المماطلة، وسوفنا في ملف لا يحتمل التسويف.. والمفارقة المحيرة أن التأخير جاء على حساب قضية تتصف بثلاثة أمور، تجعلها غير قابلة للتأجيلquot;. وعدّد تلك الأمور بقوله:

أولًا: كونها قضية متنامية (تتضخم ككرة ثلج) وكل دقيقة تمر عليها من دون حل تفاقم فيها وتشدد على ضرورة حلها.
ثانيا: كونها قضية إجماع وطني، قضية عابرة فوق الخلافات السياسية والمذهبية والعرقية والقبلية والأيديولوجية.
ثالثا: قضية حاجة إنسانية أساسية تمسّ الأمن المجتمعي، وليست قضية تندرج تحت بند التبشير السياسي، وما يحمله من ترف التنظير والرؤى الاستشرافية الباردة.

ركائز الحل
وشدد بالقول quot;لا يجوز إزاء تلك القضية بيع الوهم على الناس، علينا مصارحتهم بتفاصيل هذا الملف.. عوائقه.. أبعاده... آفاق الحلول فيه.. وفتح حوار شفاف وواضح إزائه.. وهذا الحوار يجب أن يكون حقيقيًا، أي يتعلق بالحقائق كما هي، وليس بالوعود والأحلام.. ما هو سهل ويسير نقوله.. وما هو صعب نتدبره .. نشرحه ونتداول بأمره بشكل علني ومفتوحquot;.

وعدد ركائز الحوار المطلوب بقوله إنه يعتمد لغة جديدة: لغة الإحصائيات بدلًا من البيانات السياسية الجوفاء، لغة ورش العمل والسيمينارات بدلًا من لغة المهرجانات السياسية، لغة الجداول والدايغرامات بدلًا من الجمل الإنشائية، الأرقام بدلًا من الكلمات، لغة الحقائق كما هي على الأرض بدلًا من الهلام السياسي وبخار الكلام.

وأكد أن المشكلة الإسكانية مشكلة ملتبسة ومتشعبة ومتفرعة. ولأنها كذلك، فإن هناك عناصر وخارطة طريق عامة يجب التأكيد عليها أولًا... أهمية وجود نية وإرادة سياسية حقيقية لحل هذه المشكلة، وهذا ما نلمسه الآن على كل المستويات بدءًا من القيادة السياسية العليا، وانتهاء بالمواطن المعني بالقضية، quot;وهنا من الواجب التأكيد على أن أولوية قضية الإسكان لم تعد قضية جدل. أن تكون أولوية هي قضية منتهية بالنسبة إلينا، ولا مجال للتراجع. بل نذهب بعيدًا، ونقول إنه ليس من المسموح سياسيًا أن تتخلف هذه القضية عن كونها أولوية، فنحن لن نسمح بإهمال هذه القضية أو خنقها في الأدراج. القضية الآن فوق الطاولة وتحت المجهر، ويجب أن تظل هكذا إلى أن تحل برمتهاquot;.

وذكر أن الحل يجب أن يكون على خطوات، ننتهي من مسألة فرعية تتعلق بالقضية، وننتقل إلى أخرى. إلا أن جوانب أخرى من المسالة يجب أن تحل بالتوازي والتزامن، ملفات متوازية يتم التعامل معها في آن واحد، فما تفعله وزارة الدولة لشؤون الإسكان في ملف ما، يجب أن يكون متزامنًا مع ملفات أخرى، تضطلع بها جهات أخرى.

وقال إن الحكومة هي المسؤول الأول عن هذا الملف بكل جهاتها المعنية من وزارة إسكان وبلدية ومالية وتجارة وتخطيط وتربية وصحة وغيرها. وعلى مجلس الأمة أن يكون جاهزًا ومتحفزًا تشريعيًا ورقابيًا. quot;فنحن في المجلس سنعاون الحكومة على أي تشريع قانوني، من شأنه أن يسهل حل المشكلة. وفي الوقت نفسه، وبشكل مواز، سيكون جاهزًا لكل أعمال المتابعة والمراقبة البرلمانية في حال تلمس أي تقصير أو تأخير أو تلكؤ إزاء هذا الملف المصيريquot;.

المستقبل بيوت عمودية
مساعد الأمين العام للأمم المتحدة المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية الدكتور جون كلوس، قال في كلمة ألقاها في المؤتمر quot;إن الكويت وبالرغم من أن غالبية مواطنيها تفضل أن تسكن كل عائلة فيها بشكل مستقل من حيث الموقع والأرض، فإننا نعمل على أساس أن الأجيال اللاحقة من الآن ومستقبلًا سوف تحتاج بيوتًا مبنية بشكل عمودي، حيث تتشارك الأسر في المباني مع سكان ليست بينهم قرابةquot;.

وشدد على أن استيعاب متطلبات المستقبل يتطلب خطة مجتمعية حضرية متماسكة تأخذ بعين الاعتبار التغييرات في البناء ضمن نمط استخدامات متعددة وخطة نمط تصميم وتنظيم الطرق التي ستستمر لخدمة أجيال مقبلة عدة.

ولفت إلى أن التركيز الآن في دولة الكويت يصبّ على نظام التطور السريع، قائلًا quot;حيث يمكن أن نقطف ثمرة الاقتصاد المزدهر لإيجاد حالة أفضل من نوعية المساكن السائدة في الوقت الحاضرquot;.

طول قائمة الانتظار
أما رئيس اتحاد العقاريين رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر توفيق أحمد الجراح، فأشار في كلمته إلى وجود أكثر من 108 آلاف أسرة على قائمة انتظار سكن. وتوقع أن تصل الطلبات إلى أكثر من 342 ألف طلب خلال الـ 20 سنة المقبلة، بسبب الزيادة السريعة في عدد السكان واتساع قاعدة الشباب.

وقال quot;رغم المبادرة النبيلة في الكويت بتوفير السكن لجميع المواطنين، إلا أن توفير المساكن قد تراجع في السنوات الـ 20 الماضية بسبب عوامل عدةquot;. وأكد على ضرورة وضع استراتيجية متينة ومدروسة بشكل جيد تأخذ بعين الاعتبار كل جوانب تلك القضية، خاصة أن صياغة الاستراتيجية للإسكان من السياسات الأكثر تعقيدًا، لأنها تنطوي على النظر في عدد من السياسات الأخرى ذات الصلة، مثل الأسعار والأراضي والبنى التحتية ورأس المال وغيرها.

ودعا الجراح إلى ابتكار طرق عادلة وشفافة لإشراك القطاع الخاص في حل مشكلة الإسكان من خلال توفير المساكن. وقال إن المؤتمر يسعى إلى تحقيق عدد من الإنجازات التي تمهد لحل القضية الإسكانية، معربًا عن أمله في أن يرفع المؤتمر في ختام أعماله خارطة طريق لحل الأزمة الإسكانية إلى مجلس الأمة والوزراء، خاصة بعد مشاركة فعاليات اقتصادية وخبرات متنوعة في المؤتمر.

فشل 14 وزيرًا سابقًا
ومن المتحدثين في جلسات اليوم وزير الإسكان السابق الدكتور عادل الصبيح، الذي قال quot;مر على وزارة الإسكان 14 وزير، منهم 6 وزراء منتخبين يمثلون الشعب من مختلف التوجهات، وكلهم فشلوا في حل قضية الرعاية السكنية. كما مر على المؤسسة أكثر من 4 مدراء عامين. واليوم أكثر من استمر في موضوع الرعاية الإسكانية هي اللجنة الإسكانية لمدة 12 سنة، وقدمت 10 تعديلات على القانون، أكثرها أدى إلى الكثير من التأزيم وزيادة التعقيد.

وقال quot;المعروف دائمًا أن الحكومات في دول العالم كافة لا تحسن التنفيذ بقدر ما تحسن الرقابة ووضع الضوابط، ومهما وضعت من طاقات وعدلت من قوانين، فإنها لن تستطيع تقديم أكثر من 3 آلاف وحدة سكنية سنويًا، في ظل تنامي الطلبات وفترة الانتظار، ما كلف الحكومة 110 آلاف دينار لكل أسرة.

وأوضح أن المبالغ التي دفعتها الحكومة كبدل الإيجار، والتي دفعها المواطن كإيجار، تكفي لبناء 86 ألف وحدة سكنية. متمنيًا من المشرعين أن ينتبهوا إلى خطورة الانشغال بالأمور الجانبية، مثل توفير الأراضي والأموال. والبعض يتصور أن إنشاء صندوق للرعاية السكنية يحل القضية، وهذا غير صحيح. والصحيح هو أن تترك الحكومة مهمة التنفيذ للقطاع الخاص، وتتفرغ للرقابة فقط.

الختام حوار حكومي برلماني
بعد جلسات عدة، تناولت شتى جوانب قضية الإسكان وتحدث فيها وزراء وخبراء، يختتم المؤتمر أعماله غدًا الإثنين بحوار مباشر بين رئيس الوزراء الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح، ورئيس مجلس الأمة مرزوق علي الغانم.

وينتظر أن يخرج المؤتمر بوثيقة شاملة تقدم إلى الحكومة، لتكون خارطة طريق شاملة وجامعة، يتم على هديها العمل مجلسًا وحكومة خلال المراحل المقبلة على طريق التوصل إلى حل نهائي واقعي وشامل للمشكلة الإسكانية في الكويت.