تتسع الفجوة بين أثرياء وفقراء مصر باستمرار، ففي وقت احتلت فيه مصر المركز الأول عربيًا من حيث عدد المليارديرات، بحسب تصنيف مجلة فوربس السنوي لأثرياء العالم، لفت تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري إلى أن عدد الفقراء ارتفع في العام الماضي بشكل كبير.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: يرجع خبراء اقتصاديون اتساع الهوة بين الأثرياء والفقراء في مصر إلى غياب العدالة الاجتماعية، واستحواذ رجال الأعمال على عائدات النمو الإقتصادي طوال سنوات حكم الرئيس السابق حسني مبارك.

بيد عائلتين!
ووفقًا لتصنيف مجلة فوربس السنوي لأثرياء العالم، فإن مصر احتلت الرقم واحد عربيًا، بعدد ثمانية مليارديرات، يملكون 22.3 مليار دولار، وينتمون إلى عائلتين، هما ساويرس ومنصور، بينما احتلت السعودية المرتبة الثانية بسبعة مليارديرات.

يحتل رجل الأعمال ناصف ساويرس، بحسب فوربس، المركز الأول في مصر، بثروة تقدر بـ6.7 مليارات دولار، بما يعادل 46.9 مليار جنيه مصري، فيما جاء رجل الأعمال محمد لطفي منصور، ووزير النقل السابق في المركز الثاني بثروة تقدر بـ3.1 مليارات دولار.

وجاء نجيب ساويرس، مؤسس حزب المصريين الأحرار، في المركز الثالث بـ2.8 مليار دولار، واحتل والده أنسي ساويرس، مؤسس إمبراطورية عائلة ساويرس المركز الرابع بـ2.4 مليار دولار.

كان المركز الخامس من نصيب رجل الأعمال يوسف منصور بـ2.3 مليار دولار. وجاء رجل الأعمال المصري المقيم في بريطانيا، محمد الفايد، في المركز السادس بـ1.9 مليار دولار. كما حل ياسين منصور في المركز السابع بـ1.8 مليار دولار. بينما جاء سميح ساويرس في المركز الثامن، بثروة تقدر بـ1.3 مليار دولار.

ارتفاع متوازٍ
وبينما ارتفع عدد المليارديرات في مصر بشكل ملحوظ، ارتفع أيضًا عدد الفقراء بنسبة واضحة. وكشف الجهاز المركزي للتعبئة، عن ارتفاع نسبة الفقر في مصر خلال العام 2013. إذ قال الجهاز في تقرير له بعنوان quot;بحث الدخل والإنفاق والاستهلاكquot;: إن نسبة الفقراء بلغت 26.3% من المصريين، بزيادة 1.1% عن العام السابق.

وأشار الجهاز إلى أن نسبة الفقر المدقع بلغت 4.4% من السكان. لافتًا إلى أن أعداد الفقراء في مصر تتزايد سنويًا بشكل مستمر. وقال التقرير إن النسبة الأكبر من الفقر تقع في الصعيد، مشيرًا إلى أن 49% من سكان ريف الوجه القبلي لا يحصلون على حاجاتهم الأساسية من الغذاء، وذلك بارتفاع 4% عن نسبة العام الماضي.

وأوضح الجهاز أن أقل 10% من الأفراد إنفاقًا يمثلون 3.8% فقط من إجمالي الإنفاق في الحضر، و4.5% من إجمالي الإنفاق في الريف، بينما يمثل أغنى 10% من المجتمع 28% من الإنفاق في الحضر، و20.1 % من الإنفاق في الريف.

كما أظهر التقرير أن 83.5% من الأسر المصرية تنفق أقل من 25 ألف جنيه سنويًا، أي 2083 جنيهاً شهريًا. بينما تبلغ نسبة الأسر، التي تنفق بين 25 حتى 35 ألف جنيه سنويًا 10.4%. أما الأسر الأغنى، التي تُنفق أكثر من 50 ألف جنيه سنويًا، أي أكثر من 4100 جنيه شهريًا، فتبلغ نسبتها 6.2% فقط.

الدعم لغير مستحقيه
اعترف رئيس الوزراء إبراهيم محلب بوجود فجوة واسعة بين الأغنياء والأثرياء في مصر. وقال إن حكومته quot;تواجه العديد من التحديات، أهمها البطالة، التي بلغت نسبتها 13.6%، إضافة إلى مشكلة الفقرquot;. أضاف في تصريحات له، أمس، إن quot;خريطة الفقر، التي عرضها الصندوق الاجتماعي 2013، والتي تؤكد تفشي الفقر في محافظات مصر، تجعلنا نتساءل: هل الدعم يذهب إلى مستحقيه أم لا؟quot;.

تابع: quot;العدالة الاجتماعية لن تتحقق في مجتمع يدعم الأغنياء أكثر من الفقراء، ويدعم السيارات الفارهة، فيما توجد سيدة تقف في طوابير الخبزquot;. غير أن محلب دعا الفقراء في مصر إلى التحلي بالصبر. وقال: quot;المواطن هيصبر، لأنه صبر كتير قبل كدهquot;.

وحسب وجهة نظر الدكتور، محمد الشريف، الخبير الاقتصادي، فإن التنمية التي شهدتها مصر خلال عهد الرئيس السابق حسني مبارك كانت تذهب عائداتها إلى الأثرياء ورجال الأعمال، مشيرًا إلى أن السنوات العشر الأخيرة في عهد مبارك شهدت اتساع الفجوة بين الفقراء والأثرياء بدرجة غير مسبوقة، لاسيما في ظل غياب العدالة الاجتماعية، والعدالة في توزيع ثروات البلاد.

أثرياء السلطة
ونبّه إلى أن نظام حسني مبارك كان يدعم الأثرياء والمستثمرين، ويمنحهم مزايا ضخمة، منها أراضٍ بالمجان وإعفاءات ضريبية وجمركية، من أجل إنشاء مشروعات وتشغيل الفقراء، إلا أن رجال الأعمال كانوا يحصلون على كل هذه المزايا، ويقومون بـquot;تسقيعquot; الأراضي، ثم يحوّلونها إلى منتجعات سكنية أو سياحية، لافتًا إلى أن عهد مبارك شهد بروز طبقة جديدة من رجال الأعمال الملتصقين بالسلطة، والذين ليس لهم نشاط واضح، بل إن معظمهم يعتمد على أنشطة تجارية استهلاكية، معتبرًا أن تلك الأنشطة لا تساهم في بناء اقتصاد جيد أو توفير فرص عمل.

فيما يرى الدكتور سعيد مراد، أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة، أن ثورة 25 يناير قامت بالأساس من أجل العدالة الاجتماعية، لاسيما في ظل اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء في مصر في أواخر عهد مبارك، بسبب التفاف رجال الأعمال حول نجله جمال، الذي كان يطمع في خلافة والده في السلطة.

ولفت إلى أن قائمة رجال الأعمال المصريين الواردة في مجلة فوربس، لا تضم رجال أعمال ممن كانت تدور حولهم الشبهات في عهد مبارك، مشيرًا إلى أن عائلتي ساويرس ومنصور تتمتعان بسمعة طيبة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.

ودعا إلى ضرورة أن تعمل الحكومات المقبلة في مصر على دعم الفقراء، وتقليل الهوة بين الأغنياء والفقراء، وتطبيق الحدين الأدنى والأٌقصى في الأجور، وفرض ضرائب تصاعدية، ودعم المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.