في الضاحية الجنوبية للعاصمة الجزائرية تتزاحم فيلات فخمة للاغنياء الجدد مع اكواخ من الاجر والقصدير لجزائريين لم يستفيدوا بعد من ريع البترول الذي جعل هذا البلد الاغنى في منطقة الساحل وشمال افريقيا.

الجزائر: العاصمة المعروفة بquot;الجزائر البيضاءquot; محاطة بالبيوت القصديرية من كل جانب. وقد وصل عددها الى 60 الف بيت بحسب الارقام الرسمية، تقطنها عائلات هجرت مساكنها هربا من الموت خلال quot;العشرية السوداءquot; التسمية التي اطلقتها الصحافة الجزائرية على الحرب الاهلية (1992-2002) التي اسفرت عن مقتل 200 الف شخص.جزء آخر من السكان من مواليد الجزائر البيضاء الذين ضاقت بهم شققهم في الاحياء الشعبية، فقرروا ان يفعلوا كما فعل quot;الهاربون من الارهابquot; ويبنوا هم ايضا بيوتا غير بعيد عن احيائهم الاصلية.وعلى بعد دقائق عن وسط المدينة حيث مقار الرئاسة والوزارات، يقع حي عين النعجة الذي بني في ثمانينات القرن الماضي وهو عبارة عن عمارات متشابهة بلا اي لمسة جمالية ولا مساحات خضراء.وبجانب العمارات ظهر في 1997 حي quot;الوئامquot; الفوضوي. والوئام هي تسمية اطلقت على العديد من الاحياء في الجزائر منذ اعلان بوتفليقة عن قانون الوئام المدني في ولايته الرئاسية الاولى (1999-2004).
بدأ حي الوئام ببضعة اكواخ لسكان العمارات الذين استغلوا انشغال الدولة quot;بمحاربة الارهابquot; ليصل الى 480 بيت واكثر من ثلاثة الاف نسمة.في هذه البيوت التي لا تتعدى مساحتها 30 مترا مربعا تتكدس عائلات متكونة من اربعة افراد الى 11 فردا في ظروف مأساوية. وقد حاول بعضهم تغطيتها ببلاط براق وطلاء جديد.ومن احد هذه الاكواخ اطلت مليكة (58 سنة) لتصرخ معاناتها في غرفة واحدة، وبيدها نسخة من صحيفة تعود الى 11 نيسان/ابريل 1962.وقالت quot;انظروا الى هذا الخبر انه يتحدث عن قتل ابي ميلود بورحلة على يد المنظمة السرية الفرنسية (كانت ضد استقلال الجزائر)quot;، ورغم ذلك فان الدولة quot;لم ترحمني بسكن يخرجني من هذا البؤسquot;.
رجال سكنوا الحي اطفالا فتزوجوا وانجبوا في البيت نفسه، كحال عبد النور (25 سنة) الذي جاء مع امه الى هذا الحي وعمره ثماني سنوات. وتوفيت والدته وتزوج وانجب ابنه في نفس المكان في انتظار ترحيله الى شقة جديدة كما وعدت الحكومة.وقال عبد النور الذي كان يقف في مدخل الحي بلباسه الرياضي وقبعة quot;الهيب هوبquot; ان اغلب قاطني الحي من الذين ضاقت بهم عمارات quot;السكن الاجتماعيquot; فاحتلوا هذه القطعة الارضية الخالية quot;ليوسعوا على انفسهم وعلى عائلاتهمquot;.والعربي (50 سنة) واحد من هؤلاء. فهو من مواليد القصبة العتيقة وتم ترحيله مع عائلته المكونة من 15 فردا الى شقة من ثلاث غرف في حي عين النعجة سنة 1988. وبعد عشر سنوات حمل امتعته واطفاله الستة وبنى له كوخا في الجهة المقابلة لعمارته.وقال آسفا quot;لم يكن بامكاني الصبر اكثر بعدما كبر اطفالي (...) اليوم تبلغ ابنتي الكبرى 19 سنة واتمنى ان اخرج من هذا البؤس في اقرب وقت لانقاذ على الاقل طفلين من ابنائي في الدراسة لان الاربعة الباقين فشلوا بسبب هذه الظروفquot;.
وفي وسط الازقة الضيقة جدا للحي، لا حديث سوى عن quot;تهديدquot; والي العاصمة الجزائرية عبد القادر زوخ الذي تناقلته الصحف حول quot;عدم ترحيلquot; من لا يصوت في الانتخابات الرئاسية يوم 17 نيسان/ابريل.وينتفض عمي العيد بقميصه الابيض ووجهه الذي ترتسم عليه تقاسيم رجل تعب كثيرا في حياته، ليشارك في النقاش quot;انا لم اتغيب عن اي موعد انتخابي لكن المشكل هو ان البلدية لا تسجل سكان الاحياء الفوضوية في القوائم الانتخابيةquot;وتابع quot;انا مسجل في القائمة الانتخابية لاني اعلنت اني مقيم مع اخي في العمارات المقابلة (...) اما سكان +القصدير+ فلا حق لهم في الانتخابquot;.
عمي العيد (62 سنة) متقاعد من شركة بناء عمومية يعيش ب 15 الف دينار شهريا (150 يورو)، قرر نقل ابنائه الى هذا الحي quot;حتى لا يعيشوا التشرد الذي عشته طيلة 23 سنةquot;. وقال quot;هربت في 1998 من الارهاب في المدية (90 كلم جنوب الجزائر). في نفس السنة قتل اخي الشرطي هنا في عين النعجة فقررت محاربة الارهاب بطريقتي بادخال اثنين من اولادي الى صفوف الجيشquot;. وكبرت آمال الجزائريين في الحصول على مسكن quot;مجانيquot; من الدولة باعلان الرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة عن برنامج لبناء مليوني سكن للقضاء على ازمة تفاقمت في بلد غني يملك مئتي مليار دولار من احتياطي العملة.
ويردد مدير حملة بوتفليقة عبد المالك سلال في كل تجمعاته وهو يتوجه للجزائريين quot;بلدكم غني ويمكن ان يحل كل مشاكلكم (...) وقبل نهاية الولاية الرابعة سنقضي نهائيا على مشكلة السكنquot;.نظرة على الحي من التلة المقابلة تظهر اسقف الاكواخ المتلاصقة وكانها سقف واحد تعلوه مكيفات الهواء والهوائيات لاستقبال القنوات الفضائيةquot;.العيش في المكان quot;مستحيلquot; بدون المكيف. فالهواء لا يدخل هذه البيوت الملتصقة ببعضها وبلا نوافذ او بنوافذ صغيرة جدا، كما يقول عباس (55 سنة) الذي يعمل في بقالة وهو من قاطني الحي.ومنذ 2008 تم تزويد البيوت القصديرية بالكهرباء بعدما كانوا quot;يسرقونهاquot; من اعمدة الانارة العمومية او quot;يتسولونهاquot; من الفيلات الفخمة التي اصبحت تجاورهم.اصحاب الفيلات واغلبهم تجار ينتظرون ايضا ازالة هذا الحي الذي يقابل شرفاتهم ويمنع عليهم فتح نوافذهم. ويقول علي الذي يقيم في فيلا من اربعة طوابق quot;كيف يمكن ان تفتح نافذتك على هذا المنظر المقززquot;.
ويضيف quot;ثم ان هذا الحي يفسد علينا تجارتناquot;.بالنسبة لعبد النور شاب quot;الهيب هوبquot; فان الحي القصديري موجود قبل الفيلات. ويضيف quot;نحن نتساءل كيف حصل هؤلاء الاغنياء الجدد على الاراضيquot;.والسكن والقضاء على الاحياء القصديرية لم يغادرا ابدا خطاب المرشحين للانتخابات الرئاسية، حتى ان سكان هذه الاحياء يخشون ان يؤدي اي تغيير في الحكم الى عدم ترحيلهم، خاصة بعدما سمعوا انصار بوتفليقة يقولون ان quot;استمرار الرئيس يعني استمرار برامج السكنquot;.