بعد أقل من ثلاث سنوات من استقلالها، اصبحت دولة جنوب السودان على شفا الانهيار مع اشتداد الحرب فيها، حيث تخشى الأمم المتحدة من انتشار المجاعة التي قد تقضي على أكثر من مليون شخص.



أعالي النيل: عندما لا يكون منشغلاً في وضع استراتيجية عسكرية للسيطرة على حقول النفط المهمة في جنوب السودان، يمضي نائب الرئيس المقال وزعيم المتمردين حاليًا رياك مشار، وقته في قراءة كتاب التاريخ الاقتصادي والسياسي quot;لماذا تنهار الاممquot;. وقد يقول الساخرون إنه بدلًا من قراءة ذلك الكتاب عليه فقط أن ينظر حول معسكره البدائي المقام في الغابات والمكتظ بالجنود المتمردين والميليشيات العرقية المتحالفة معه، والجنود الاطفال الذين يعكفون على الاستعداد لمهاجمة القوات الحكومية مع اشتداد الحرب الاهلية الوحشية المستمرة منذ اربعة اشهر، والتي قتل فيها الالاف حتى الآن.
وصرح مشار في مقابلة أجرتها معه مؤخرًا وكالة فرانس برس في مخبأه: quot;لا أريد أن اخوض مزيدًا من الحروب مرة اخرىquot;، مؤكدًا أن الناس سئموا من القتال خلال الحرب الأهلية الطويلة في السودان الذي كان فيها قائدًا لإحدى الميليشيات. وتلك الحرب التي استمرت لاكثر من عقدين هي التي مهدت الطريق لاستقلال جنوب السودان عن الشمال.
على شفا الانهيار
ولكن وبعد أقل من ثلاث سنوات من استقلالها، اصبحت الدولة الأحدث استقلالًا في العالم على شفا الانهيار. وبعد انهيار وقف اطلاق النار، تخشى الأمم المتحدة من تعرض أكثر من مليون شخص للمجاعة، فيما يحذر محللون من أن الحرب تجر اليها دولاً مجاورة.
وفرّ اكثر من مليون شخص من منازلهم مع تصاعد العنف بعد أن جددت قوات المتمردين هجومها، وشنت العديد من الميليشيات هجمات انتقامية.
المحادثات غير نافعة
ولم تحقق محادثات السلام التي تجري في فنادق اثيوبيا الفخمة أي تقدم، فيما يحذر المحللون من أن أي حل سيتطلب تغييرات كبيرة تتعدى مجرد الوعود المكتوبة على الورق.
وقالت مجموعة الازمات الدولية في تقرير نشر مؤخرًا إن quot;دعم الحكومة في جوبا وتعزيز شرعيتها بجرعة من الحوار السياسي وتقاسم السلطة لن ينهي الأزمةquot;.
والخميس هاجم مئات المسلحين قاعدة تابعة لقوات حفظ السلام الدولية في بلدة بور وقتلوا 48 شخصاً عل الاقل من بينهم رجال ونساء واطفال من مجموعة عرقية منافسة قبل أن يتمكن عناصر حفظ السلام من صدهم.
ووصف مجلس الامن الدولي الهجوم بأنه يمكن أن يشكل quot;جريمة حربquot;.
وقالت مجموعة الازمات الدولية إن quot;قوة حفظ السلام التي هي اقل تسليحًا من المتمردين لا يمكنها مواجهة آلاف عناصر المليشيات والقوات المدججة بالسلاحquot;.
تصاعد المعارك
وعند اندلاع القتال في 15 كانون الاول (ديسمبر) كان السبب خلافات quot;سياسية بشكل اساسيquot; بين مشار والرئيس سلفا كير، الا أن المعارك تصاعدت منذ ذلك الوقت وانتشرت الى ولايات أخرى في البلد الفقير الغني بالنفط، بحسب المجموعة.
وقالت المجموعة إن quot;الاستهداف العرقي، والتعبئة المجتمعية وتصاعد العنف ادت جميعها الى مستويات مريعة من الوحشية ضد المدنيينquot;.
كما ارتكبت فظائع شمالاً في بلدة بنتيو الغنية بالنفط التي اقر الجيش الاربعاء بأنه خسرها وسيطرت عليها قوات المتمردين.
وذكرت وكالة المساعدات التابعة للامم المتحدة أن لديها تقارير عن quot;عمليات قتل محددة الهدف على اسس عرقيةquot;، حيث تنتشر عشرات الجثث المتعفنة في الشوارع.
وتعود جذور العنف الى خلافات تمتد عقودًا بين قادة المتمردين الذين تحولوا الى سياسيين، والجروح التي لم تبرأ بعد من الحرب الاهلية الطويلة التي سبقت استقلال جوبا عن الخرطوم في 2011.
ويدور القتال بين جنود موالين لكير ضد قوات المتمردين الذين انحازوا لمشار، ولكنه اخذ بعدًا عرقيًا بين قبيلة الدنكا التي ينتمي اليها كير وقوات الميليشيات من قبيلة نوير التي ينتمي اليها مشار.
وضاعت العديد من المكاسب الهشة التي تحققت بفضل مليارات الدولارات من مساعدات التنمية الدولية التي تدفقت على البلد الصغير بعد استقلاله.
وقالت مجموعة الازمات الدولية إن quot;الحرب تهدد بتمزيق البلاد بشكل اكبر، وتجر اليها دولاً من المنطقةquot;.
وارسلت اوغندا قوات وطائرات مقاتلة لدعم الحكومة، بينما اتهم وزير الاعلام مايكل ماكوي quot;قوات من السودانquot; بدعم مشار، رغم أنه لم يتهم حكومة الخرطوم بالتدخل.
ويتوقع مشار إن quot;هذا سيكون نزاعًا اقليميًاquot;.
ويقول من معسكره انه quot;يبحث عن التمويلquot; الا انه يرفض الاتهامات بأنه يسعى الى الحصول على ذلك من دول مجاورة للسودان واصدقاء قدامى دعموه خلال الحرب التي امتدت من 1983 حتى 2005.
ويتهم مقاتلون متخاصمون من دارفور بالقتال مع طرفي النزاع في جنوب السودان.

الأسوأ قادم
ويقول مدير اليونيسيف جوناثان فيتش إن quot;الاسوأ لا يزال قادمًاquot; محذراً من انه اذا لم يتم وقف الحرب فإن quot;سوء التغذية عند الاطفال سيصل الى مستويات لم تحدث من قبلquot;.
وهددت واشنطن، الداعم الرئيسي لاستقلال جنوب السودان، بفرض عقوبات.
الا أن خبراء يرون ان العقوبات ستكون رمزية، ويخشون من أن لا تحقق نتائج ايجابية.
ويقول مادوت جوك مسؤول الحكومة البارز السابق الذي يرأس معهد سود الفكري إن quot;العديد من الناس العاديين يعتقدون أن على العالم أن يتحدث ضد هذه الحربquot; الا أنه يخشى أن لا تؤثر هذه العقوبات كثيرًا على المتمردين المتمركزين في الغابات النائية، بينما يمكن أن تدفع الحكومة quot;الى التصرف بشكل متهور لانه لن يعود لديها ما تخسرهquot;.