منذ إعلان عبد الفتاح السيسي تبرعه بنصف ثروته ونصف راتبه لدعم الإقتصاد، حذا المصريون حذوه بالتبرع بأموال أو التنازل عن بعض رواتبهم، مكرهين أو طواعية.


القاهرة: يتسابق المصريون، لاسيما رجال الأعمال والموظفين، للتبرع لصالح صندوق تحيا مصر، الذي دشنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لدعم الإقتصاد المصري والنهوض به بعيدًا عن المنح الخليجية. وسعت بعض مؤسسات الدولة إلى فرض التبرع على العاملين فيها، وبعضها جعله اختياريًا.

الاستثناء هو عدم الخصم

قررت جامعة الأزهر فرض تبرعات على الموظفين والأكاديميين لصالح صندوق دعم مصر، إلا أن الموظفين اعترضوا على فرض التبرعات عليهم وخصمها من رواتبهم من دون الرجوع إليهم. واحتج الموظفون، وخصوصًا النساء منهم، على التبرعات، وتجمعوا أمام مكتب رئيس الجامعة، وهتفوا ضده وضد السيسي. اضطرت الجامعة إلى العدول عن القرار، وجعلت التبرع اختياريًا.

وجاء في نص القرار الذي حصلت عليه "إيلاف" أن يتبرع أعضاء هيئة التدريس 12 يومًا من رواتبهم لمدة ستة أشهر، بواقع يومين لكل شهر. ونص القرار ايضًا على تبرع العاملين والاداريين بستة أيام لمدة ستة أشهر بواقع يوم واحد لكل شهر.
ويسري القرار تنفيذيًا في آب (أغسطس) القادم، وطلبت ادارة الجامعة ممن يرفضون التبرع أن يتقدم بإقرار كتابي بعدم الخصم من راتبه، ما يعني أن الأصل هو الخصم من الراتب، وأن الاستثناء هو عدم الخصم.

مزقن صور السيسي

كانت ثورة الموظفات في الجامعة أكبر من ثورة الرجال، وظهرت ثورتهن وغضبهن في صورة تمزيق صور السيسي التي علقنها في المكاتب أثناء ترشحه للإنتخابات الرئاسية. واتهمت العاملات السيسي بخداع الشعب المصري، لاسيما الفقراء، وبدلًا من أن يستعيد الأموال المنهوبة، يمد يديه في جيوب الفقراء ويترك الأثرياء ورجال الأعمال.

وألقت إدارة الجامعة بالمسؤولية على وزارة المالية. وقالت في بيان حصلت "إيلاف" على نسخة منه، إن الموظفين تجمعوا أمام مكتب رئيس الجامعة للاحتجاج على تعنت وزارة المالية بعدم صرف مرتباتهم الشهرية طبقًا لما يتم صرفه لهم منذ العام 2000 وتخفيض الحوافز الشهرية إلى 15% والامتحانات إلى 410 أيام عكس ما تم الاتفاق عليه مع وزارة المالية عندما تم تحديد الحد الأدنى للأجور على أساس 200% حوافز و500 يوم امتحانات.

فخ لرجال الأعمال

في هيئة الاستثمار، أعلن رئيسها حسن فهمي تبرع العاملين فيها بنصف روابتهم هذا الشهر لصالح صندوق تحيا مصر، في أعقاب إجتماع عقده مع وزير المالية.

وتتسابق النقابات العمالية الرسمية في جمع التبرعات من العمال، وأعلن جمال عقبى أمين الصندوق في الاتحاد العام لنقابات عمال مصر أن الاتحاد انتهى من جمع 5 ملايين جنيه، قيمة تبرعات النقابات العمالية الـ 24 التابعة للاتحاد. وقال عقبى في تصريحات صحافية إنهم دعوا العمال للتبرع بأجر يوم من راتبهم الشهري لمدة سنة لصالح الصندوق.

لم يكن التبرع مقصورًا على العمال والموظفين، بل صنع السيسي فخًا لمجموعة من رجال الأعمال، نتج منها تبرعهم بخمسة مليارات جنيه. ودعا السيسي مجموعة من رجال الأعمال المرموقين في مصر على الإفطار، وعقب الإنتهاء طالبهم بدعم مصر، فتبرع نجيب ساويرس بثلاثة مليارات جنيه، ومحمد الأمين صاحب قنوات "سي بي سي" بـ 1,2 مليار جنيه، ومنصور عامر صاحب مجموعة شركات عامر جروب بـ 500 مليون جنيه، وحسن راتب صاحب قناة المحور ومصانع الأسمنت في سيناء بـ 100 مليون، ومحمد ابو العينين صاحب مجموعة سيرامكيا كليوباترا بـ 250 مليونا، وأيمن الجميل بـ 150 مليونًا، ومحمد فريد خميس بـ 30 مليونًا.

بعد التبرع، حرص السيسي على التأكيد أن مصر تمضي نحو الإقتصاد الحر، لطمأنة رجال الأعمال إلى مستقبل استثماراتهم.

عقبات كبرى

أثنى الخبير الاقتصادي الدكتور عادل عزت على مبادرة السيسي، مشيرًا إلى أن الرئيس يحاول وضع نظرية مصرية جديدة تختلف عن كل النظريات، سواء الماليزية أو البرازيلية، مفاتيحها عند المشير فقط، وليس عند الشعب أو الحكومة. وقال لـ"إيلاف": "على الدولة أن تحصل على تبرعات رجال الأعمال بالعملة الصعبة لحل مشكلة الدولار، وعمل احتياطي جديد وإصلاح الموازنة العامة للدولة".

وأضاف: "أداء الحكومة وفشلها في إدارة الدولة عائق كبير أمام نجاح هذه المبادرة، لاسيما أنها حكومة مرتعشة، ونجاح هذه المبادرة يتطلب حكومة مبتكرة، وحكومة مهارات وليس حكومة كفاءات، فالبيروقراطية والتفكير العقيم للجهاز الإداري للدولة عقبة أمام نجاح أي مبادرات وأي تقدم".

التبرعات مسكنات فقط

ويرى جمال عبد التواب، استاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة، أن ما يحدث أمر ايجابي، "فمن الجيد أن تكون هناك مساهمات من رجال الأعمال والمسؤولين لدعم الاقتصاد.

وقال لـ"إيلاف": "أتمنى أن يلعب رأس المال الوطني دورًا في انتعاش الاقتصاد الوطني، لكن لا بد من معرفة أماكن استخدام هذه الأموال وهذه التبرعات، وإلى أين سيتم توجيهها، ولاسيما أن هناك مبادرات كثيرة تم الإعلان عنها خلال الفترة الماضية، ولم يعرف الشعب مصيرها، كصندوق دعم مصر 30-6، ومبادرة الشيخ محمد حسان".

وأضاف: "لا بد من مصادر أخرى غير التبرعات لإنعاش الاقتصاد المصري، فالتبرعات مجرد مسكنات، ومعالجة المرض يتطلب موارد ثابتة، كعودة الاستثمار والسياحة".

أين العدالة في توزيع الثروة؟

وبحسب وجهة نظر أبو العز الحريري، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، فإن الشعب المصري يريد وقف النهب والاحتكار، والتوزيع العادل للثروة، وتوصيل الدعم إلى مستحقيه. وقال الحريري لـ"إيلاف": "الشعب المصري كريم، ولا يريد من احد أن يتصدق عليه، والسلطة ليست توسلات، لكنها تطبيق للقانون".

ولفت إلى أن الاحتكار ينهب من مصر أكثر من 600 مليار جنيه سنويًا، والدولة تدعم الأغنياء بما يصل إلى 130 مليار جنيه سنويًا، ويتم نهب ما يقرب 97 مليار جنيه في العام من الصناديق الخاصة.