تنهال الانتقادات لمبادرة شابة صنفت رجال الأعمال الممتنعين عن التبرع لصندوق "تحيا مصر" في قائمة سوداء، وقال خبراء إن ذلك تهريج سياسي.
&
صبري عبد الحفيظ من القاهرة: منذ إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تبرعه بنصف راتبه ونصف ميراثه من والده لصالح صندوق دعم الإقتصاد المصري "تحيا مصر"، يتسابق رجال الأعمال إلى التبرع للصندوق علانية، وزار بعضهم الرئيس شخصيًا أو رئيس مجلس الوزراء لتقديم شيكات التبرع.
&
كما تسابق مواطنون بسطاء للتبرع بما لديهم، ومنهم سيدة بلغت من العمر عتيًا، قررت التبرع بقرطها الذهبي، فاستقبلها السيسي في القصر الرئاسي، وقرر أن تحج في العام المقبل على نفقته الخاصة، تقديرًا لدورها ومشاعرها الوطنية.
&
قائمتان سوداء وبيضاء
وفي هذه الأثناء، دشن مجموعة من الشباب قائمة سوداء، أثبتوا فيها أسماء رجال أعمال لم يتبرعوا لصالح الصندوق. وتعرضت الحملة لإنتقادات حادة من خبراء وإقتصاديون، معتبرين أنها غير مقبولة، بينما دافع القائمون عليها بالقول إنها لا تشوه رجال الأعمال، بل تحث الأثرياء على التبرع المستدام.
&
ودشن القائمون على الحملة صفحة على موقع فايسبوك، لنشر أسماء رجال الأعمال الذين يصنفونهم ضمن الممتنعين، ونشر مخالفاتهم، ومطالبة الحكومة بفرض ضرائب عليهم أو سحب أراضي الدولة منهم. وجالت "إيلاف" في الصفحة التي تحمل اسم "القائمة السوداء لرجال الأعمال ـ صرخة وطن"، فوجدت أن الصفحة تضع روابط أخبار نشرت بالمواقع الإخبارية عن تبرع شركات ورجال أعمال لصالح صندوق "تحيا مصر"، وروابط تقارير صحافية عن الفساد أو المخالفات في مختلف مؤسسات الدولة، ولم تركز بشكل أساسي حول رجال الأعمال الذين وصفتهم بـ"الممتنعين عن التبرع"، بل استخدمت مصطلح "قائمة بيضاء" أثناء الإشادة برجال أعمال تبرعوا.
&
إشادات وهجوم
في الوقت الذي أشادت فيه الصفحة ببعض الشركات ورجال الأعمال المتبرعين، هاجمت آخرين وقللت من حجم تبرعات بعض المؤسسات ولاسيما البنوك، فنشرت تقول عن تبرع البنك الأهلي المصري بـ55 مليون جنيه، وهو بنك حكومي: "البنك الأهلي المصري أعلن أن صافي أرباحه العام الماضي (قبل خصم الضرائب والمخصصات) 7,1 مليار جنيه، وقد تبرع بـ 55 مليون جنيه فقط لصندوق تحيا مصر، أي بنسبة 0,77 بالمئة من صافي ارباحه".
&
وانتقدت الصفحة بنك مصر الحكومي أيضًا، رغم تبرعه للصندوق، وقالت: "صافي ارباح بنك مصر للعام الماضي 3,383 مليار جنيه مصري، قبل دفع الضرائب، وكامل تبرعاته لصندوق تحيا مصر حتى الان فقط 55 مليون جنيه، أي فقط 1,5% من صافي الارباح".
&
فاكرينها زكاة؟
كما هاجمت الصفحة بنك فيصل الإسلامى المصري، وكتبت تقول: "زاد صافي أرباح البنك بنسبة 15,5% خلال العام 2013 لتصل إلى 750,447 مليون جنيه، في حين لم يتبرع لصندوق تحيا مصر سوى بـ10 ملايين جنيه، أي ما يعادل 1,3% من صافي ارباحه ؟؟؟؟". وهاجمت الصفحة البنك القطري الوطني، وكتب القائمون عليها: "بلغ صافي ارباحه للعام الماضي 1,740 مليار جنيه، وقدم تبرع بقيمة 10 ملايين جنيه فقط لصندوق تحيا مصر، بمعدل 1% فقط من ارباحه؟؟"
&
وهاجمت البنك التجاري الدولي: "حقق العام 2013 صافي ارباح 3,006 مليار جنيه، وتبرع بمبلغ 20 مليون جنيه لصندوق تحيا مصر، وبمعدل 0,6% فقط من ارباحه". وعلق القائمون على الصفحة بالقول: "وتاعبين نفسكم ليه؟ انتوا فاكرينها زكاة الأموال؟"
&
غير مقبولة
أثار الهجوم على رجال الأعمال والبنوك، رغم إعلان تبرعها لصالح صندوق تحيا مصر الذي يشرف عليه السيسي شخصيًا، العديد من الإنتقادات. وأعتبر محللون إقتصاديون أن ما يعرف بـ"القائمة السوداء" غير مقبولة، لاسيما أن عملية التبرع إختيارية وليست إجبارية.
&
وقال الدكتور محمود الشريف، أستاذ الإقتصاد بجامعة القاهرة، لـ"إيلاف" إن عملية التبرع ذاتية وتتم بطريقتين، علنية مثلما فعل عدد كبير من رجال الأعمال الذين أظهروا قيمة تبرعاتهم، أو سرية مثلما فعل آخرون، "ويجب حث رجال الأعمال على التبرع وليس وضع مبادرات لفضح غير المتبرعين، والتشهير بغير المتبرعين أو التقليل من تبرعات آخرين أو مهاجمة البنوك، بسبب التبرع بقيمة أقل من المتوقع، وهذا عمل غير جيد، لاسيما أن هذا الأمر إختياري وليس إجباريًا".
&
وأعرب عن خشيته من أن يتحول الأمر إلى أداة لابتزاز رجال الأعمال، أو الإنتقام الشخصي.
&
غير موفقة
وقال الدكتور عادل عامر، الخبير الإقتصادي، إن التبرع لصالح صندوق دعم مصر رغبة شخصية من جانب رجال الأعمال، وليست هناك أية ضرورة ملحة لإنشاء مبادرة القائمة السوداء.
&
وقال لـ"إيلاف": "مبادرة غير موفقة، لاسيما أنها تمارس ما يمكن تصنيفه باضطهاد غير مقبول لبعض رجال الأعمال، ولا يمكن اعتبار تلك الطريقة وسيلة للضغط على رجال الأعمال لإجبارهم على التبرع".
&
وقلل من إمكانية تأثير الحملة على رجال الأعمال، لأنها مبادرة شعبية لا سلطان لها، ودعا إلى إطلاق مبادرات تحث على التعاون بين رجال الأعمال والمشاريع الاقتصادية فى مصر، وليس حملات للتمييز بين رجال الأعمال المتبرعين والممتنعين عن التبرع.
&
"شو" إعلامي
يرى المهندس مصطفى الجندي، القيادي في جبهة الإنقاذ، أنه من الأولى تدشين قائمة سوداء ترصد المتهربين من دفع الضرائب المستحقة على مشروعاتهم وكياناتهم الاقتصادية. وقال لـ"إيلاف" إنه يشجع على إنشاء قائمة بيضاء لإعلان أسماء رجال الأعمال الذين تبرعوا لصالح صندوق دعم مصر كنوع من التمييز الإيجابى.
&
وأضاف: "هرولة بعض رجال الأعمال إلى التبرع نوع من الخوف من المحاسبة، واحتمال تدخل رجال الأعمال الكبار الذين تبرعوا للصندوق فى تأسيس مبادرة القائمة السوداء هو احتمال وارد، لأنه يجب تفعيل نظرية المؤامرة فى التعاملات بين رجال الأعمال".
&
ولفت إلى أن بعض رجال الأعمال المتبرعين فعلوا ذلك من أجل الـ"شو" الإعلامى، بينما هناك آخرون يدركون أن عليهم مسؤوليات اجتماعية تجاة الدولة.
&
تهريج سياسي
قال رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية أحمد شيحة لـ"إيلاف" إن مبادرة القائمة السوداء نوع من أنواع التهريج السياسى والضغط غير المقبول وغير المنطقى على رجال الأعمال، "والرأى العام فى مصر لو ساير ما جاء فى تلك المبادرة والأهداف التى تسعى لها سيكون لذلك تأثيرات سيئة على مناخ الاستثمار".
&
أضاف: "الحكومة نفسها لا يمكنها إجبار رجال الأعمال على التبرع لصالح صندوق دعم مصر"، متهمًا الشباب القائم على هذه المبادرة بعدم الخبرة.
&
بالمقابل، قال عمرو علي، أحد مؤسسي الحملة، إنها لا تهدف إلى تشويه رجال الأعمال، مشيرًا إلى أنها تهدف إلى حثهم على التبرع لصالح دعم الإقتصاد المصري. وأضاف في تصريح: "الحملة تعمل على تأصيل نظرية التبرع المستدام لصالح الإقتصاد والأعمال الإجتماعية، وليس التبرع لمرة واحدة".