لا يكاد يخلو شارع أو ميدان في مصر من الباعة المتجولين، يغلقون الطرق والممرات ويحتلون الأرصفة، لكنهم تحولوا في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، إلى ظاهرة خانقة في الشوارع، لاسيما العاصمة القاهرة، أحتلوا شوارع وميادين حيوية، ولم يكن أمام الحكومة بعد إستقرار الأوضاع من حل سوى توفير أسواق بديلة لهم، وقد كان، إلا أن الباعة المتجولين يرفضون الإستقرار فيها، بحجة عدم توافر الخدمات بها، ويطالبون بالعودة إلى أماكنهم بوسط العاصمة مرة أخرى.
&
ظاهرة إحتلال البائعين المتجولين للشوارع والميادين في مصر، ليست وليدة ثورة 25 يناير 2011، ولكنها أقدم من ذلك التاريخ بكثير، إلا أنها تفاقمت إلى حد لا يطاق خلال الثلاث سنوات الماضية، لاسيما أنهم أحتلوا منطقة وسط القاهرة بالكامل، وأغلقوا شوارع وميادين حيوية.
&
زحف بائعو الملابس المستعملة من منطقة وكالة البلح بالقرب من كورنيش النيل إلى ميدان الإسعاف، أمام دار القضاء العالي، حيث مقر النائب العام ومحكمة النقض، واحتلوا شارع 26 يوليو، ولم تعد السيارات تسير سوى في حارة واحدة، رغم أن الطريق يتسع لثلاث سيارات على الأقل، واختفت الأرصفة، وما عاد هناك مكان للمارة.
&
وفي منطقة الإسعاف وشارع رمسيس، احتل الباعة المتجولون الميدان والشارع، وأنشأوا لأنفسهم وبضاعتهم خياماً، وتحولت المنطقة إلى فوضى عارمة.
&
ورغم أن شارع طلعت حرب من الشوارع التجارية الحيوية، ولم يكن مسموحاً للسيارات الإنتظار فيه، إلا أن الباعة احتلوا الشارع، وأغلق بشكل شبه كامل، ولم يتركوا إلا ممر ضيق يتسع لمرور سيارة واحدة، بينما إلتزم أصحاب المحال الصمت، لاسيما أن بعض الباعة عادة ما يكونوا من البلطجية، وأرباب السوابق.
&
وتعتبر منطقة العتبة التجارية واحد من أهم وأخطر معاقل الباعة المتجولين في القاهرة، وتحولت المنطقة في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، إلى ممرات ضيقة بين البضائع التي افترشت الأرض، ولا يتسع الممر إلا لعبور شخص واحد فقط. وزحف البائعون المتجولون إلى محطات المترو، وافترشوا ببضائعهم داخل المحطات، ولم تعد الشرطة قادرة على ردعهم، لاسيما أنهم أعدادهم تقدر بالآلاف.
&
في خطوة كان المصريون ينتظرونها بالكثير من الترقب، قررت الحكومة نقل هؤلاء الباعة من منطقة وسط القاهرة إلى منطقة الترجمان، وأنشأت لهم سوقاً ليبيعوا فيه تجارتهم. وقابل البائعون تلك الخطوة بالكثير من التذمر، وقال أحدهم ويدعى حسن سليمان، بعد نقله إلى "الترجمان"، إن الحكومة تعاملهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وبدلا من أن توفر لهم فرص عمل حقيقية، تعمل على قطع أرزاقهم. وقال لـ"إيلاف": كنت أجلس بفرشتى (بضاعته) امام دار القضاء، كنت احقق بعض المكاسب التى اعيش منها، لكن مسألة نقلنا الى الترجمان ستفقدنا مصدر الرزق الوحيد لنا، لأن "الرجل في الترجمان خفيفة" (ليست كثيفة الحركة) مثل الصحراء &لا يوجد به لا بيع ولا شراء. وأضاف: إحنا عاوزين نرجع تاني وسط البلد، الرجل هناك شغالة ليل نهار، وكنا بنرزق كويس، وعايشين إحنا وولادنا، من غير ما نكلف الحكومة مليم أحمر. على حد تعبيره.
&
تعرض الباعة المتجولين لمعاملات تعسفية من قبل ضباط الشرطة أثناء عملية نقلهم، ونشر أحد النشطاء مقطع فيديو، لبائع فاكهة تعرض للتعسف من قبل ضابط شرطة، وركع على الأرض محاولاً تقبيل حذاء الضابط، مقابل أن يتركه يبيع في المنطقة التي كان متواجداً فيها، إلا أن الضابط رد بصفعه على وجهه، ورحله من مكانه أيضاً. وكان هذا الموقف في حملة سابقة منذ عدة أسابيع.
&
وقال بائع آخر، يدعى سعيد ناصر، وكان يجلس أمام نقابة المحامين بوسط القاهرة، إن الضباط ضربوه وسبوه أثناء عملية الترحيل إلى الترجمان، رغم أنه لم يرتكب جريمة، على حد قوله. وأضاف لـ"إيلاف" أن غالبية الباعة "حالهم يصعب على الكافر"، مشيرا إلى أن غالبيتهم من أصحاب المؤهلات العليا، وجميعهم أضطر لهذا العمل، بسبب انتشار البطالة، وتوقف الحكومة عن التعيينات.
&
ولفت إلى أن السوق الجديد في الترجمان لا يصلح للعمل، مشيرا إلى أن الحكومة منحت بعض البائعين مساحة تقدر بمتر مربع، وحددت الفواصل بالدهان الأبيض، ولم توفر لهم أماكن لتخزين البضائع، بالإضافة إلى أن عدد قليل جداً هم من حصلوا على أماكن في المكان الجديد، لاسيما أنه صغير جداً، مقارنة بالآلاف من البائعين الذين كانوا يفترشون منطقة وسط القاهرة كلها.
&
"أبو آدم" بائع مأكولات ومشروبات، قال لـ"إيلاف" إنه كان يحقق مكاسب تتراوح ما بين 150 و350 جنيها يومياً، بعد ثورة 25 يناير، مشيرا إلى أنه كان يتجول بين ميادين الإسعاف والتحرير ورمسيس، ورزقه كان يزيد أثناء المظاهرات أو الإعتصامات، ولفت إلى أنه إلتقى بغالبية شباب الثورة والسياسيين في ميدان التحرير، وأكلوا وشربوا شاياً من صنع يديه. وأشار إلى أنه بعد نقله إلى ميدان الترجمان لم يعد يحقق سبعين جنيها في اليوم، لأنها ليست منطقة تجارية، وقال: "هل سيأتي الناس لتشرب شاي أو تأكل سندويتشات من عندي مخصوص؟.
&
وقال محمود حنفي، وهو شاب يبيع الأدوات الكتابية، لـ"إيلاف" إن الحكومة أخلت وسط القاهرة منهم، حيث لم يكونوا يدفعوا أية إيجارات، ونقلتهم إلى الترجمان، وفرضت عليهم إيجار يومي 15 جنيها. وأضاف أن البائع قد لا يدخل جيبه جنيه واحد في بعض الأيام، وإذا قصر في دفع الإيجار للمحافظة سوف يطرد من هذا المكان، وتوقع أن يعود غالبية البائعين لأمكانهم مرة أخرى، عندما تهدأ الأوضاع. على حد قوله.
&
وبالمقابل، تؤكد الحكومة المصرية أن أزمة الباعة المتجولين أصابت القاهرة بالتشوه، ولا يمكن تجاهلها، وفي الوقت نفسه تبحث لهم عن أماكن يمكنهم من خلالها أن يمارسوا تجارتهم، بدون أية مخالفات قانونية. وقال اللواء سيف الاسلام عبد البارى نائب محافظ القاهرة، لـ"إيلاف" إن الحكومة وضعت خطة لنقل الباعة من وسط القاهرة، إلى أسواق بديلة، مشيرا إلى أن الخطة تشمل العاصمة القاهرة، وباقي المدن المصرية، ولفت إلى أن الخطة بدأت بميادين الإسعاف والعتبة وشوارع وسط القاهرة، وتم نقل الباعة إلى جراج الترجمان. وأفاد هناك لجان لحصر الباعة المتجولين بمعرفة المحافظة والجهات المعنية. &ونبه إلى أن السبب الرئيسى في نقلهم من شوارع وميادين القاهرة هو الحفاظ على المظهر الحضارى للعاصمة، فضلاً على أنهم صاروا جزء من الأزمة المرورية، لاسيما أنهم يفترشون الأرصفة ويحتلون الطريق.
&
ويتوقع مراقبون عودة الباعة مرة أخرى إلى الشوارع والميادين، لاسيما أن هناك سوابق كثيرة في هذا الشأن، إلا أن نائب محافظ القاهرة، قال إن الحكومة لن تسمح لهم بذلك هذه المرة، مشيرا إلى أن الشرطة سوف تتواجد بإستمرار في المناطق التي كان يفترشونها. وأضاف أن السنوات التي تلت ثورة 25 يناير، كانت تتسم بعدم الانضباط، لاسيما في ظل انشغال الشرطة بمكافحة الإرهاب، والتصدي للمظاهرات، مشيرا إلى أن الشرطة تعافت وعادت لممارسة دورها في تطبيق القانون.