تراجع الدينار التونسي مؤخراً بشكل كبير أمام العملات الأجنبية، ما أثار المخاوف من تعميق الأزمة الاقتصادية، في وقت تستعد فيه البلاد لانتخابات برلمانية ورئاسية تنهي فترة الانتقال الديمقراطي.
&
تونس: شهدت قيمة الدّينار التّونسي مؤخّراً إنزلاقاً كبيراً مقابل العملات الأجنبيّة وصفت بأنّها الأسوء منذ سقوط نظام بن علي في 14 يناير 2011، وحتى خلال حكمه لم تتقهقر العملة التّونسيّة، ممّا أثار التخوّفات من تواصل هذا الإنهيار في وقت يمثّل فيه الملف الإقتصادي أولويّة حكومة المهدي جمعة.
&
وسجل سوق الصرف في تونس في الآونة الأخيرة تطوّرات أجبرت جميع الفاعلين الاقتصاديّين على حبس أنفاسهم، حيث تراجع سعر صرف الدينار التونسيّ ليبلغ مستويات لم يسجلها الاّ نادراً فيما مضى، ممّا أثار فزع العديد من المحللين الاقتصاديّين الذّين تخوّفوا من استمرار هذا التراجع.
&
تراجع مقابل الدولار واليورو
&
ولم يخف مختصّون تخوّفهم من بلوغ الدينار التونسيّ مرحلة الانهيار في ظروف اقتصاديّة وسياسيّة واجتماعيّة مشحونة ومترديّة، ما سيُسهم في تعميق الأزمة الشاملة التّي تعيشها تونس منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، خاصّة أن البلاد تستعدّ لإنتخابات تشريعيّة ورئاسيّة.
&
ومنذ شهر يوليو تراجع صرف الدّينار التّونسي مقابل العملات الأجنبيّة خاصّة الدولار الأميركي واليورو ليبلغ مستوى متدنّي لم يشهده من قبل، يعود حسب العديد من المختصّين بإشكاليّات هيكليّة وأخرى موسميّة تتلخّص في إختلال العرض والطّلب على العملة الصّعبة.&
&
إختلال العرض والطّلب
&
ويرى الخبير المالي والإقتصادي معز العبيدي أنه توجد عدّة عوامل تؤثّر في سوق الصّرف وما يشهده حاليّاً مرتبطاً بعوامل هيكليّة وأخرى ظرفيّة متّصلة بالعجز في الميزان الجاري بكل مكوّناته، الذي يضم الميزان التّجاري والخدمات والسياحة والتحويلات الماليّة من وإلى تونس.
&
ويوضح الخبير التوّنسي لـ"إيلاف" قائلاً "هناك تراجع للعرض فيما يخص العملة الصّعبة مقارنة بالطّلب بسبب عوامل موسميّة لانّه خلال هذه الفترة، وخاصّة اول الشهر، تسدّد العديد من الشّركات فاتورة وارداتها والعامل الثّاني الظرفي يتمثّل في عقد الجلسات العامّة للشّركات، وخاصّة البنوك، وبعدها يقع تحويل الأرباح للخارج ممّا يزيد الطّلب على العملة الصّعبة".
&
تضخّم وعجز في الميزان الجاري
&
يتابع "هناك عجز في الميزان الجاري وارتفع في الفترة الأخيرة، فخلال الخمسة أشهر الأولى من هذا العام بلغ العجز 4,6% من الناتج المحلّي الإجمالي في حين كان خلال نفس الفترة من 2013 قرابة 3,9% ما يعني وجود تفاقم في العجز مع العلم أن قيمة العجز المعقولة لا يجب أن تتجاوز 3,3% من الناتج الإجمالي في أقصى الحالات".
&
ويذهب العبيدي إلى ان إرتفاع نسبة التضخّم خلال الفترة الأخيرة والتي بلغت خلال شهر يونيو 5,7% لها إنعكاسات على قيمة الدّينار في سوق الصّرف بسبب عزوف المستثمرين الأجانب عن الإستثمار في أي بلد يشكو تضخّم مالي ممّا يفقد البلاد قدرتها التّنافسيّة وهذا يعدّ خسارة لأحد أهم موارد العملة الصّعبة.
&
نمط إستهلاكي سريع
&
ويواصل الخبير المالي التوّنسي لـ"إيلاف": "إن النّمط الإستهلاكي للمواطن التّونسي إرتفع وفرض توريد سلعاً ذات قيمة مضافة عالية وبنسق سريع ومتكرّر في حين أن البلاد تصدّر سلعاً ذات قيمة مضافة ضعيفة كما أن الإرهاب والوضع الأمني المتردّي بطبيعة الحال عنصر مؤثّر في تراجع قيمة الدينار من خلال تراجع عدد السيّاح والّإستثمار الأجنبي ومن خلالهما تقلّص دخول العملة الصّعبة".
&
وتقول تقارير ماليّة أنّه من الصعب وقف تراجع العملة ما دامت تونس تعاني عجزاً كبيراً فى الميزان الجاري والذي يتوقع صندوق النقد أن يصل إلى 3.1 مليار دولار أو 6.7 بالمائة من الناتج المحلى الإجمالى مع نهاية هذا العام.&
&
حلول عاجلة وهيكليّة
&
ويقترح معز العبيدي من خلال حديثه لـ"إيلاف" حلولاً عاجلة وأخرى هيكليّة تكون نتائجها على المدى البعيد والمتوسّط قائلاً "بالنّسبة للحلول العاجلة تتمثّل في التّقليص قدر الإمكان من توريد الكماليّات بكل أنواعها حتى لا نضطر في المستقبل إلى تقليص توريد الأدوية".
&
وشدّد على ضرورة التحكّم أكثر في الزيادات في الأجور بإعتبارها من أهمّ العوامل التي تتسبّب في التضخّم المالي.
&
ويختم "بالنّسبة للحلول الهيكليّة يجب مثلاً إصلاح منظومة النّقل العمومي ومن خلاله يتقلّص توريد السيّارات والطّاقة التي تكلّف الدولة كثيراً من العملة الصعبة".
&
وليست هذه المرّة الأولى التّي ينهار فيها الدينار التونسيّ، فقد حدث خلال شهر مايو سنة 2013 ممّا دفع بالبنك المركزي للتدخّل بشكل منظّم لضخّ السيولة في سوق الصرف وتعديل أسعار الصرف لوقف تدهور سعر الدينار التونسي.&
&
ومنذ بداية 2014 توقّف البنك المركزى التّونسي عن التدخّل لتعديل قيمة الدّينار في سوق الصّرف ممّا نتج عنه تراجع حادّ في قيمته.
&
وينطوى انخفاض قيمة العملة على مخاطر اقتصادية وسياسية فى وقت تستعد فيه البلاد لانتخابات برلمانية فى أكتوبر/تشرين الأول ورئاسية فى نوفمبر/تشرين الثاني، وهى انتخابات تنهي فترة الإنتقال الدّيمقراطي التي شهدت منزلقات خطيرة فى بعض الأحيان.&
&
ويذكر أن تقريراً للبنك الدولي صدر في 7 آب أكّد أن تونس، بالإضافة إلى مصر وإيران ولبنان والأردن واليمن وليبيا، محصورة داخل دائرة "سوء السياسات وضعف النمو" التي تحول دون انتقال اقتصادها إلى مسار النمو المستدام.
&
وشهدت قيمة الدينار تراجعاً مستمرّاً منذ سقوط نظام بن علي نتيجة تداخل عدة معطيات اقتصادية ومالية مع الوضع السياسي والأمني بالبلاد.