عمان: في حقل نفط في شمال شرق سوريا يصطف طابور من الشاحنات كل يوم لتحميل الخام الذي يبيعه بثمن بخس مقاتلو الدولة الإسلامية (داعش سابقا)، الذين استولوا على بعض أجزاء صناعة النفط في البلاد في سعيهم لإقامة دولة الخلافة.والمبيعات في حقل الشدادي، كما يصفها تاجر نفط، هي مجرد مثال واحد على كيف يسعى تنظيم الدولة الإسلامية، الذي استولى على أراض في سوريا التي تمزقها الحرب وفي العراق المجاور، إلى إقامة اقتصاد خاص به من خلال سلسلة من الصفقات والمعاملات النفعية.فهو يبرم صفقات مع تجار ومشترين محليين، وحتى مع رجال أعمال يساندون الرئيس السوري بشار الأسد. وبعض النفط الذي يبيعونه يجد طريقه مرة أخرى إلى مشترين حكوميين من خلال سلسلة من الوسطاء - بحسب رويترز-.&

وقال أحد مديري النفط الغربيين السابقين، الذي عمل في شركة نفط أجنبية لها عمليات في سوريا قبل الأزمة وعلى دراية بسوق النفط الوليدة، ان الدولة الإسلامية تربح ما لا يقل عن مليوني دولار كل يوم، وهو ما يتيح لها دفع الرواتب والاستمرار في عملياتهاوتقول الولايات المتحدة، التي شنت غارات جوية على مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، انها مستعدة لتوسيع حملتها لتشمل سوريا التي تعصف بها حرب أهلية منذ ما يزيد على ثلاث سنوات، وقالت إنها ستقوم بتدريب 5000 من مقاتلي المعارضة السورية ليتصدوا للتنظيم.غير أن مبيعات النفط تعني أن الدولة الإسلامية – وهي جماعة منشقة عن تنظيم القاعدة- يمكنها أن تقلل اعتمادها على التبرعات الخارجية وأن تجتذب المزيد من المجندين في صفوف مقاتليها والأنصار بفضل ثروتها الجديدة، وهو أمر قد يزيد من صعوبة القضاء عليها في سوريا.وقد استولت الدولة الإسلامية على حقول نفط من مقاتلين للمعارضة السورية يدعمهم الغرب، ومن القوات الحكومية في الأشهر الأخيرة. ويعتقد انها تسيطر على مئات الآبار الأمر الذي يحرم حكومة الأسد من مصدر رئيسي للدخل.
&
وتقول دمشق أن إنتاج سوريا من النفط هبط إلى 28 ألف برميل يوميا في المتوسط في عام 2013 من 164 ألف برميل يوميا في عام 2012. وكانت مبيعات النفط تدر قرابة ربع عائدات الدولة قبل الحرب. وتقول الحكومة انها خسرت 3.8 مليار دولار من جراء سرقة النفط.وعززت الدولة الإسلامية قوتها بفضل ما استولت عليه من أسلحة في العراق المجاور، وأحكمت قبضتها على منطقة دير الزور الشرقية المنتجة للنفط في الأشهر الأخيرة، واقتربت من الشمال الشرقي حيث تسيطر ميليشيات كردية على أكبر حقول النفط.وتذهب التقديرات إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية سيطر على مئات الآبار الصغيرة في دير الزور كانت تنتج نحو 130 ألف برميل يوميا من الخام الخفيف في معظمه، وذلك حسب ما قاله مهندس نفط رفيع يعمل الآن في دمشق.
&
وكان نصف إنتاج سوريا قبل الحرب، والبالغ 380 ألف برميل يوميا في عام 2011، يوجد في محافظة الحسكة التي سيطر عليها الأكراد في منتصف عام 2012، مع انتقال قوات الأسد غربا لقتال المعارضين السنة في حلب.وإذا حدث في نهاية المطاف أن سقطت الحسكة في أيدي الدولة الإسلامية فإن التنظيم سيكون له السيطرة على كل منشآت البلاد النفطية تقريبا.ومهما يكن من أمر فإن التنظيم لم يستطع بعد استغلال الحقول التي يسيطر عليها بالفعل استغلالا كاملا بسبب الافتقار إلى الخبرة الفنية. والحقول الرئيسية التي يسيطر عليها -الشدادي والعمر والتنك وورد- كانت تقوم بتشغيلها في الغالب شركات نفط دولية.غير أن شركات “رويال داتش شل” و”توتال” و”بترو كندا” غادرت المنطقة منذ وقت طويل، الأمر الذي جعل الاستغلال الكامل للحقول تحديا رهيبا.
&
وقال مدير نفط سابق يعمل في شركة أجنبية “الكثير من الحقول أغلقت والشركات الأجنبية انسحبت والمعدات نهبها مقاتلو المعارضة الذين أفرغوا المستودعات.”
ولم يبق في المناطق التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية إلا القليل من الأفراد ذوي الخبرة الفنية. وفي المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد بقي الكثير من الموظفين، وما زال بعضهم يتلقى راتبه من وزارة النفط في دمشق.
&
-التجارة مع العدو:
ونظرا لافتقار الدولة الإسلامية إلى الخبرة في استخراج النفط وتكريره فإن معظم دخلها من هذا القطاع يجيء من مبيعات مباشرة لرجال أعمال محليين ومهربين ومتربحين وتجار نفط.وهم يعيدون بيع الخام الخفيف في معظمه لمصاف في الأجزاء الواقعة تحت سيطرة المعارضة في سوريا. وقد تمكنوا من جذب مجموعة من العملاء من خلال البيع بسعر يبلغ في المتوسط 18 دولارا للبرميل.وقال تجار سوريون على الحدود ان بعض النفط الخام يباع لمهربي وقود ينقلونه إلى تركيا، لكن الكميات صغيرة بسبب تشديد القيود على الحدود.ونشأت سوق محلية بنشاط تكريري يقدر بملايين الدولارات، لكنها تعمل وفق كل حالة على حدة. ويجلب مستثمرون محليون مصافي مؤقتة صينية وتركية الصنع عبر تركيا بعضها يعالج ما بين 500 و1000 برميل يوميا.
&
ثم يباع الإنتاج إلى تجار جملة وتجزئة في مراكز لتجارة الوقود عبر عدد من البلدات في الأجزاء التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة بشمال غرب سوريا وشرقها. وتتراوح أسعار النفط المكرر بين 50 و60 دولارا للبرميل وهو ما يزيد ثلاث مرات تقريبا عن سعر النفط الخام.ويباع لتر البنزين الناتج من هذا الخام المكرر محليا بحوالي نصف دولار، أي بثلث سعر البنزين ذي النوعية الجيدة الذي يباع في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة وفق ما قاله تجار نفط في إدلب بغرب سوريا.وفي بلد أفرز الصراع فيه تناقضات كثيرة ورفاق درب كان التضاد سمة بينهم، يسعى التجار الذين لهم صلات بجانبي الصراع لجني أرباح طائلة من خلال إعادة بيع الوقود في مناطق الحكومة.من بين مشتري النفط الخام – سواء بشكل مباشر أم غير مباشر- رجال أعمال قريبون من دائرة الأسد المقربة.ومحركهم الأساسي هو هامش الربح الكبير، حسبما قال وسيط يدير شبكة من سيارات الصهاريج التي تنقل النفط الخام إلى اللاذقية حيث ينتشر الدعم للأسد على الساحل الغربي.
&
ولا يخلو الأمر من ترتيبات ضمنية بين الدولة الإسلامية ومسؤولي الحكومة في بعض المناطق، لضمان عدم قطع الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء أو تدميرها.
قال سمير العيطة، وهو اقتصادي سوري يقيم في الخارج “هناك معادلة لا يتكلم عنها أحد في الحرب السورية. هي لم تتحول حتى الآن لحرب شاملة. والأطراف التي تتقاتل مع بعضها البعض مازالت تتبادل الخدمات والمساومات.”ويقول تجار نفط إن الدولة الإسلامية بعد أن سيطرت على آبار نفطية مازالت تحمي بعض الأنابيب التي تنقل النفط الخام الذي يضخه الأكراد في حقولهم بشمال شرق سوريا إلى مصفاة تديرها الحكومة في حمص نظير مبالغ مالية.وقال مدير تنفيذي كردي يعمل في القامشلي طلب عدم نشر اسمه “يتقاضون رسوما ومصاريف نقل حتى يمر النفط دون تفجير” خط الأنابيب.وذكر رجل أعمال مقيم في دمشق على دراية بمجريات الأمور في سوق النفط المحلية أن تجارا ممن يشترون النفط الخام من الدولة الإسلامية ووسطاء معروفين يعملون نيابة عن رجال أعمال بارزين موالين للحكومة اشتروا كميات كبيرة من النفط في الشهور الأخيرة.وتابع قائلا “هي تجارة رائجة لرجال أعمال هم أساسا من المتربحين من الحرب الذين يمكنهم أيضا أن يجدوا مشترين في أي وقت وبسعر مناسب.”
&