صبري عبد الحفيظ من القاهرة:&تعرض الجنيه المصري لحالة من التدهور الشديد، وانخفض سعره أمام الدولار الأميركي إلى أدنى مستوياته منذ سنوات، فيما يتجه البنك المركزي إلى التخلي عن دعم العملة المصرية، في محاولة منه لسد الفجوة المتسعة بين السوق الرسمية والسوق السوداء.

&
وتباينت وجهات نظر الخبراء المصرفيين حول إجراءات البنك المركزي التي أدت إلى انخفاض الجنيه أمام الدولار مؤخراً، فبينما يرى بعضهم أنها ضرورية لجذب الإستثمارات، قبل مؤتمر مارس الإقتصادي لدعم مصر، يشير البعض الآخر إلى أن هذه الإجراءات سوف تزيد من معدلات التضخم في مصر، وتساهم في زيادة أسعار السلع الضرورية، وزيادة الأعباء المعيشية على الفقراء.
ووفقاً لتقارير البنك المركزي المصري اليوم الثلاثاء، فإن سعر العملة الخضراء مقابل الجنيه، شهد ارتفاعاً ملحوظاً، وسجل الدولار الأميركي نحو 7.4344 جنيهات للشراء، و7.4641 جنيهات للبيع، بارتفاع قدره أربعة قروش. وهي الأسعار التي أرتفعت إلى نحو 33 قرشاً خلال أقل من أسبوع.
&
وبلغ سعر صرف العملة الأوروبية "اليورو" نحو 8.3458 جنيهات للشراء، و8.3807 جنيهات للبيع، بانخفاض 36 قرشاً، كما سجل سعر صرف الجنيه الإسترليني نحو 11.1649جنيهًا للشراء، و11.2126 جنيهًا للبيع، بتراجع 7 قروش، فيما حقق سعر صرف الفرنك السويسري نحو 8.341 جنيهات للشراء و8.3791 جنيهات للبيع، بانخفاض 43 قرشًا.
بينما سجل سعر صرف العملة اليابانية &"100 ين" 6.2891 جنيهات للشراء و6.3148 جنيهات للبيع، بانخفاض قرش واحد، وسجل سعر صرف العملة الصينية "اليوان" نحو 1.1886 جنيه للشراء و1.1936 جنيه للبيع.
بالمقابل، تشهد السوق السوداء للدولار الأميركي حالة من الإنتعاش منذ نهاية عهد الرئيس السابق محمد مرسي، وبلغ سعر العملة الأميركية 7.90 جنيهات للشراء، و7.92 للبيع، بفارق قدره خمسون قرشاً مقارنة بالسوق الرسمية في البنوك.
&
وتشهد منطقة وسط القاهرة التجارية، حالة من الحركة في سوق العملة الأميركية، ويلجأ بعض أصحاب المحال التجارية، لاسيما محال الملابس الجاهزة إلى المتاجرة في العملة الأميركية.
وكما يقول المثل العربي القديم "مصائب قوم عند قوم فوائد"، فإن تدهور الجنيه أدى إلى تكوين ثروات طائلة لتجار العملة الخضراء بمنطقة وسط القاهرة. وقال صاحب محل ملابس بالقاهرة لـ"إيلاف" إن غالبية أصحاب المحلات بشارع 26 تموز (يوليو)، يتاجرون بالدولار. وأضاف التاجر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن مكاسب الدولار الآن أكبر ربحاً من تجارة المخدرات أو الذهب. وأوضح أن التاجر قد يصل ربحه اليومي إلى 100 ألف جنيه، لاسيما في ظل عدم توافر العملة الصعبة بالبنوك، وإقبال المستثمرين على السوق السوداء لشراء إحتياجاتهم. ولفت إلى أن بعض المدخرين سحبوا دولاراتهم من البنوك مؤخراً، وباعوها في السوق السوداء، خاصة بعد أن وصل سعر الدولار إلى أكثر من 7.90 جنيهات، متوقعاً أن يصل سعر الدولار إلى ثمانية جنيهات خلال أيام.
&
ولفت إلى أن السوق السوداء لم تشهد انتعاشاً إلا في نهاية عهد الرئيس السابق محمد مرسي، مشيراً إلى أن السعر وقتها وصل إلى ثمانية جنيهات، ونوه بأن الأسعار ارتفعت في الوقت الراهن أيضاً بنفس الوتيرة في نهاية عهد مرسي، متوقعاً المزيد من الإرتفاع، وقال إن السوق السوداء للدولار لن تنتهي إلا بعودة السياحة وتدفق السيّاح على مصر، معتبراً أن السياحة أهم مصدر للدولار في مصر.
وتتباين تحليلات الخبراء المصرفيين لأزمة الجنيه المصري، فبينما يرى البعض أن البنك المركزي يسعى إلى استقراره مقابل الدولار عبر خفض قيمته، يرى البعض الآخر أن الحكومة تتخلى عن عملة الدولة، وتساهم في زيادة الأعباء المعيشية للفقراء ومحدودي الدخل، وقال نائب رئيس شعبة الصرافة بإتحاد الغرف التجارية، علي الحريري، لـ"إيلاف" إن قرار البنك المركزى بتخفيض سعر الجنيه مقابل الدولار جاء ليقضي على السوق السوداء. وأضاف أن خطة البنك المركزى تهدف الى عودة انخفاض سعر الدولار فى فترة لاحقة بعد زيادة موارد الدولة من العملة الصعبة، لاسيما مع عودة الحركة السياحية، متوقعاً انخفاض سعر الدولار إلى خمسة جنيهات في حالة عودة إيرادات السياحة لمستوياتها في 2010، والتى تعدت 12 مليار دولار، إلى جانب نجاح المؤتمر الإقتصادي المزمع عقده في شهر (مارس) آذار المقبل في جذب استثمارات جديدة لمصر.
ويبرر محافظ البنك المركزي، هشام رامز، إجراءات الحكومة بخفض سعر الجنيه مقابل الدولار إلى سعيها للقضاء على السوق السوداء في بيع وشراء العملات الأجنبية. وأضاف في تصريحات له، أن "هناك شركات كبرى تسعى إلى شراء الدولار من السوق السوداء رغم الاستفادة من التسهيلات المصرفية التي تقدمها الدولة"، داعياً هذه الشركات إلى &"عدم التعامل مع السوق غير الرسمية". وحذر من أن استمرار السوق السوداء للدولار يؤدي إلى تشتيت المستثمرين. وقال إن البنك المركزي سوف يتخذ العديد من القرارات الجديدة للقضاء على السوق السوداء نهائياً.
&
الشح في العملة الأميركية بالبنوك وانخفاض الإحتياطي النقدي، ساهما في انخفاض قيمة الجنيه، لاسيما مع تدهور أحوال الإقتصاد المصري، وتوقف السياحة والإنتاج، وقال الدكتور مختار عزمي، الخبير الإقتصادي، لـ"إيلاف" إن أية خطوات للبنك المركزي للقضاء على السوق السوداء لن تنجح، إلا في حالة انتعاش الإقتصاد المصري وزيادة الإحتياطي من العملة الأميركية، معتبراً أن خفض سعر الجنيه مقابل الدولار حالياً جاء بسبب عدم قدرة البنك المركزي على ضخ المزيد من الدولار في البنك، وتلبية احتياجات السوق من هذه العملة، لاسيما في ظل الإقبال الشديد عليها من أجل الإستيراد.
ولفت إلى أن البنك المركزي لجأ إلى تلك الإجراءات والتخلي عن دعم الجنيه، بسبب انخفاض الإحتياطي النقدي، لاسيما مع سحب الودائع القطرية والتركية، وتأثير أزمة النفط على الدول الخليجية الداعمة لمصر، لاسيما السعودية والإمارات، وتوقف حركة السياحة، واقتطاع جزء من دخل قناة السويس، من أجل تمويل قيمة الفوائد على ودائع المصريين، المقدر بـ63 مليار جنيه، لمشروع القناة الجديدة.
وتوقع عزمي لجوء البنك المركزي إلى &خفض سعر الفائدة على الجنيه المصري، مرة أخرى، بإعتباره إحدى الوسائل لتخفيض عجز الموازنة، مشيراً إلى أن الحكومة لو أقدمت على هذا الإجراء سوف تؤدي إلى انتعاش ظاهرة "الدولرة"، وهي سحب الودائع بالجنيه المصري، وتحويلها بالدولار، مما يزيد من تدهور الجنيه من جديد.
وتوقع أن تؤدي هذه الإجراءات إلى ارتفاع معدلات التضخم، وزيادة الأسعار في السلع الضرورية، وزيادة الأعباء المعيشية على محدودي الدخل والفقراء.
ولفت إلى أن هذه الإجراءات لن تجدي نفعاً، ما دامت مصر تمر بحالة من عدم الإستقرار، مشيراً إلى أنه لا حل إلا من خلال جذب الإستثمارات الأجنبية، وتشغيل عجلة الإنتاج، وعودة السياحة.
&