لندن: بعد جولات طويلة من الكباش وعضّ الأصابع، استطاعت منظمة «أوبك» والدول النفظية الوازنة أن تصل إلى اتفاق تاريخي يقضي بتخفيض الانتاج العالمي، وبالتالي إعادة الانتعاش لأسواق الخام بعد مرحلة من الهبوط القياسي وغير المسبوق.

أسباب كثيرة هي تلك التي دفعت «أوبك» وبعض الدول المنضوية في ركابها إلى تثبيت الانتاج وتخفيض الأسعار على نحو تراكمي ومدروس. أولى النتائج المباشرة تمثلت بخسارة فادحة تكبدها قطاع النفط الصخري. إضافة إلى كبح جماح إيران عقب الاتفاق النووي ورفع العقوبات، بحيث عادت إلى أسواق متخمة بفائض يناهز المليوني برميل يوميًا، ناهيك طبعًا عن حالة اللااستقرار والهبوط القياسي للأسعار.

تخمة السوق وزيادة المعروض أدى إلى هبوط الأسعار، وعزت التقارير الاقتصادية هذه الزيادة بشكل رئيس إلى إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، ما دفع دول «أوبك» إلى عدم تقليص الإنتاج أو زيادته، وترك الأسعار تنخفض تبعًا للمنافسة في السوق النفطية، الأمر الذي أدّى إلى استمرار تراجع الأسعار، ولاحقًا تراجع إنتاج النفط الصخري وإفلاس الكثرة الكاثرة من شركاته.

في ضوء هذه المعطيات، بات الجميع مُلزمًا بضبط الإيقاع وإعادة التوازن إلى الأسواق العالمية، لا سيما الدول التي لا تعمل تحت سقف «أوبك». 

فقد أُرغمت روسيا، وللمرة الأولى منذ عام 2001، على تخفيض انتاجها بنحو 300 ألف برميل يوميًا للمساعدة في دعم الأسعار، فيما رضخت إيران لتحديد سقف انتاجها بـ3,9 ملايين برميل، فيما كانت تصرّ على حاجتها لـ 4,1 ملايين برميل يوميًا.

وستتحمل السعودية نصيب الأسد من التخفيضات بتقليص انتاجها نحو 500 الف برميل في اليوم الى 10.06 ملايين برميل في اليوم. وستخفض حليفاتها الخليجية في أوبك الامارات العربية والكويت وقطر انتاجها ما مجموعه 300 الف برميل في اليوم.

وعلى غير المتوقع وافق العراق الذي كان يصر على حصة أكبر من الانتاج لتمويل معركته ضد تنظيم الدولة الاسلامية "داعش"، على خفض انتاجه بواقع 200 الف برميل في اليوم. 

انتعاشٌ فوري

نجح الاجتماع في فيينا بتنحية الخلافات السياسية والخروج باتفاق تاريخي يستند إلى توافق اقتصادي، وذلك عبر خفض مستويات الانتاج، للمرة الأولى منذ 8 سنوات، إلى 32.5 مليون برميل يوميًا لمدة 6 أشهر تبدأ من مطلع العام 2017 وقد تمدد 6 أشهر أخرى. ويؤمل من الاتفاق أن يسهم في إخراج الأسعار من نفق الهبوط المظلم، بعد أن فقد النفط نحو 70% من قيمته، بحيث هوى سريعًا من 110 دولارات إلى 38 دولارًا للبرميل بنحو عامين. 

وأعلن وزير الطاقة السعودي خالد الفالح في اعقاب الاتفاق "انه يوم طيب لأسواق النفط ويوم طيب للصناعة... وينبغي أن يكون يوماً طيباً للاقتصاد العالمي. واعتقد ان الاتفاق سيدفع عجلة النمو الاقتصادي العالمي"

وقال المحلل امريتا سين من شركة انيرجي اسبيكتس الاستشارية "ان أوبك أثبتت للمشككين انها لم تمت وان هذه الخطوة ستعجل بإعادة التوازن الى السوق وانخفاض الفائض النفطي العالمي". 

بنك باركليس البريطاني من جهته قال "ان هذا اتفاق على وضع سقف لمستويات الانتاج وليس لمستويات التصدير وان النتيجة تنسجم مع المستويات المتوقعة لانتاج أوبك في عام 2017 بصرف النظر عن الاتفاق الذي تم التوصل اليه". 

وقبل الإعلان عن الاتفاق، ومنذ اللحظات الأولى لتسرب المعلومات عن اتفاق بشأن تقييد الإنتاج، قفزت الأسعار بأكثر من 8% ليتخطى خام برنت 50 دولارًا للمرة الأولى منذ فبراير الماضي، وليتخطى الخام الأميركي مستويات 48 دولارًا.

ثم واصلت الأسعار صعودها بنسبة 9% للخام الأميركي، فيما يتطلع العالم إلى الاتفاق على أنه اتفاق "تاريخي" يضمن تقييد مستويات الإنتاج، وينتشل الأسعار من الـ40 دولارًا إلى 50 و55 دولارًا للبرميل، بحسب تقدير الخبراء، وهو ما سيبقي ميزانيات الدول المنتجة خاضعة للعجز، لكنه من دون شك سيخفض من قيمته المؤلمة.

لكن رغم ارتفاع الأسعار بعد اعلان الاتفاق يوم الأربعاء فانها ما زالت عند مستواها في سبتمبر وأكتوبر. 

أزمة تاريخية

منذ بضعة أسابيع، تجري مشاورات مكثفة بين الأعضاء الـ14 للاتفاق على حصة كل بلد، من أجل التوصل إلى هذا الاتفاق الذي تطالب به بإلحاح الدول الأكثر اعتمادًا على النفط مثل نيجيريا وفنزويلا والجزائر، لكنها تواجه صعوبات كبيرة جراء المنافسة الشديدة بين بعض الأعضاء، إضافة إلى الوضع الهش لمنتجين آخرين، لا سيما أولئك الذين يواجهون حروبًا مثل العراق وليبيا.

وزراء «أوبك» كانوا قد اتفقوا قبل شهرين في العاصمة الجزائرية، خلال اجتماع غير رسمي، على إعادة إنتاجهم إلى ما بين 32.5 و33 مليون برميل يوميًا، والتوصل إلى اتفاق مع كبار المنتجين الآخرين، خصوصًا روسيا التي أعربت عن موافقتها، من أجل رفع الأسعار التي تأثرت بتخمة العرض منذ صيف 2014.

الهبوط القاسي للنفط تسبب بأزمة تاريخية حولت ميزانيات الدول المنتجة إلى العجز من بعد الفوائض الوفيرة، ما دفعها إلى فرض رسوم وضرائب إضافية، ناهيك عن رفع أسعار الوقود والخدمات.

هل تلتزم أوبك؟

أكد الفالح منذ فترة طويلة أن أوبك لن تخفض انتاجها إلا بمساهمة دول منتجة من خارج أوبك. وقالت قطر التي تتولى رئاسة أوبك ان الدول المنتجة من خارج أوبك وافقت على خفض انتاجها بواقع 600 الف برميل في اليوم حصة روسيا منها 300 ألف برميل في اليوم.

وقال بنك غولدمان ساكس الاستثماري انه "بعد الاتفاق مبدئياً وتحديد حصة كل بلد من مستوى الانتاج سينتقل مركز الاهتمام الآن الى التنفيذ". 

وستجري أوبك محادثات مع منتجين خارج المنظمة في 9 ديسمبر وتعقد اجتماعها المقبل في 25 مايو لمراقبة الالتزام بالاتفاق، كما اعلنت قطر. 

في هذه الأثناء أعلنت اندونيسيا وهي البلد الوحيد من شرق آسيا في أوبك، تعليق عضويتها في المنظمة بعد ان رفضت خفض انتاجها حسب الاتفاق الذي توصلت اليه أوبك.