آسيا الوسطى عالقة بدولها بين اقتصادي روسيا والصين المتعثرين، والبوادر تشي بأن الأمور لن تتحسن قريبًا مع التراجع في أسعار النفط، بل إن الآتي أصعب.


ساره الشمالي: لا ​يخدع​​​ إخضرار العاصمة الكازاخستانية أستانا، فهذه المدينة الجميلة تعيش على شفير الهاوية الاقتصادية، بعدما اندلعت تظاهرات حاشدة في الأشهر الأخيرة في أثر التراجع الكبير في قيمة العملة الكازاخستانية "تنغي". ومن المؤشرات الواردة في أول أسابيع العام الحالي، يبدو أن الأمور لا تسير نحو التحسن في أكبر دولة مصدرة للطاقة في آسيا الوسطى.

فهذه المنطقة عالقة بين اقتصادي موسكو وبيكين المتعثرين، ودولها واقعة تحت التأثير المزدوج لانخفاض أسعار النفط العالمية والتباطؤ من اثنين من أكبر الاقتصادات في العالم.&
&
فبعد روسيا، كازاخستان هي أكبر منتج للنفط بين دول الاتحاد السوفياتي السابق. وللمرة الأولى منذ عام 1998، يتوقع الخبراء أن يتقلص ناتجها المحلي الإجمالي، وأن تتصاعد وتيرة الاحتجاجات مع دعوة الحكومة إلى اجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وسط مخاوف من وقوع البلاد في تباطؤ اقتصادي شديد.
&
الآتي أصعب
قالت نرجس كاسينوفا، الأستاذ المساعد في قسم العلاقات الدولية والدراسات الإقليمية في جامعة KIMEP في العاصمة السابقة ألماتي: "سيكون عام 2016 صعبًا بالنسبة إلى اقتصادات آسيا الوسطى، الغني منها بالموارد، والتي حصّلت ثروات كبيرة من طفرة النفط والغاز في العالم، والفقيرة إلى الموارد، والتي تعتمد على تحويلات العاملين من روسيا"، في رسالة إلكترونية لموقع إنترناشيونال بيزنس تايمز.
&
أضافت: "شخصيًا، ألاحظ ارتفاع الأسعار، وأرى الناس يخسرون وظائفهم". وشهدت دول آسيا الوسطى الخمس، الأعضاء السابقون في الاتحاد السوفياتي - كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان - نموًا اقتصاديًا مطردًا بعد تسعينيات مضطربة، حين ترددت أصداء الأزمة المالية في روسيا في أنحاء المنطقة، لتصيب الدول المذكورة.&
&
لكن مع هبوط سعر برميل النفط إلى حدود 30 دولارًا، منخفضًا من 100 دولار للبرميل منذ 18 شهرًا، تبيّن التوقعات الاقتصادية أن الصعب لم يأت بعد، فمن المتوقع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 2 في المئة في كازاخستان، بعد تحول الحكومة إلى سعر صرف متحرك للعملة الوطنية، منذ آب (أغسطس) الماضي.
&
منع الأسوأ
حذر الرئيس نور سلطان نزارباييف (75 عامًا) في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي من أن "ثمة أزمة حقيقية قادمة". حاولت حكومته منع الأسوأ عن طريق زيادة معاشات التقاعد 9 في المئة، ورواتب القطاع العام بنسبة تصل إلى 40 في المئة، بحسب وكالة رويترز.&
&
ومن المرجح أن تساعد الاحتياطيات المالية كازاخستان على تجاوز العام المقبل بخير، يقلق الخبراء من بقاء أسعار النفط منخفضة، وهذا يعني أن عام 2017 يمكن أن يشهد زيادة في عدم الاستقرار.
&
وقال أليكس ميليكشفيلي، كبير المحللين في شركة التحليل العالمية IHS: "إذا استمرت دينامية السعر عند هذا المستوى في العام المقبل، ستكون هناك تساؤلات خطيرة جدًا حول القدرة على تلبية بعض الالتزامات، وخصوصًا ما يتعلق بالرعاية الاجتماعية والرواتب في القطاع العام".
&
طريق الحرير
لطالما تحدت آسيا الوسطى كل التوقعات، التي قالت إنها ستكون عرضة لعدم الاستقرار، خصوصًا أنها لها حدود مشتركة مع إيران وأفغانستان. تنافست روسيا والصين كأكبر شريكين تجاريين في المنطقة، خصوصًا بعد إنشاء الكرملين الاتحاد الاقتصادي الأورآسيوي وضم كازاخستان وقيرغيزستان إليه، وإطلاق بكين مبادرة طريق الحرير في المنطقة في عام 2013. وتركز هذه المبادرة على مشروعات للبنية التحتية والتنمية بمليارات دولار، منها بناء السكك الحديد وخطوط أنابيب الطاقة.
&
وقال سيميون دجانكوف، الزميل الزائر في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن ووزير المالية بلغاريا بين عامي 2009 و2013: "غالبية مشروعات البنية التحتية هذه لن تتحقق من الآن إلى عام 2018، خلافًا للمفترض، وبعبارة أخرى، لن يعاني قطاع النفط والغاز وحده، بن سيعاني معه قطاعا البنى التحتية والبناء".
&
ملء الفراغ الروسي
يقترن الشعور بعدم اليقين في شأن الاقتصاد الصيني مع انخفاض حاد في تحويلات العمال في روسيا، التي يعتمد عليها اقتصادا طاجيكستان وأوزبكستان، خصوصًا أن ثمة أكثر من مليونين من الأوزبك يعملون في روسيا، وأكثر من 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في طاجيكستان يأتي من التدفقات المالية الخارجية، وفقًا لتقارير البنك الدولي.
&
قال بول ستونسكي، الزميل البارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ببرنامج روسيا وأوراسيا: "مع انهيار الاقتصاد الروسي، ظنّ كثير من هذه البلدان أن الصين تستطيع ملء الفراغ الروسي، وهذا صحيح، لكن الاضطراب في الأسواق الصينية حاليًا يدفع بالكثيرين إلى التشكيك في المسار الاقتصادي على المدى الطويل في المنطقة".
&
وبينما تحدث نزارباييف منذ فترة طويلة من تحديث الاقتصاد في كازاخستان وتنويعه، كشفت هبوط أسعار النفط عدم وجود إصلاحات. وقال كاسينوفا: "ما يثير القلق فعلًا هو أن الحكومة تبدو غير مستعدة للتعامل بفاعلية مع الأزمة، ولمواجهة التحديات".
&