لندن: يناقش المنتدى الاقتصادي العالمي 2017 في دافوس استعادة الشعور بالهوية المشتركة وتنشيط النمو الاقتصادي في ظل النزعة الشعبوية التي تقود العالم إلى المجهول. فهل يستطيع المجتمعون أن يرموا عن كواهلهم تركة 2016 الثقيلة؟

ومن المتوقع أن يعقد المنتدى الاقتصادي العالمي اجتماعه السنوي السابع والأربعين في منتجع دافوس السويسري بعدد قياسي من المشاركين، يُقدر بنحو ثلاثة آلاف، بينهم لفيف من زعماء العالم، إلى جانب أسماء لامعة في عالمي المال والأعمال. 

وتتمثل أولويات أكبر لقاء لقادة السياسة والاقتصاد والفكر هذا العام بدفع عجلة النمو وإصلاح رأسمالية السوق والاستعداد للثورة الصناعية الرابعة وإعادة بناء شكل التعاون الدولي. وستركز اعمال المنتدى، التي تستمر من 17 إلى 20 يناير الجاري على "القيادة التجاوبية والمسؤولة" فيما ستتناول أكثر من نصف الجلسات الأربعمئة التي يتضمنها برنامج دافوس إعداد الاستراتيجيات الكفيلة بتحقيق أكبر قدر من المشاركة الاجتماعية والتنمية البشرية. 

نزعات شعبوية

ينعقد منتدى دافوس هذا العام على خلفية نزعة شعبوية متصاعدة في أنحاء مختلفة من العالم، ومؤشرات مبكرة إلى اعتراف المشاركين بالتحولات السياسية المثيرة التي شهدها العالم في العام الفائت. فانتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة ورودريغو دوتيرتي في الفيليبين وتصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الاوروبي مظاهر رفض للنماذج الاجتماعية - الاقتصادية الحالية.

ومثلما كانت الشعبوية القصة الرئيسة في عام 2016، فستكون حاضرة بقوة في دافوس قبل انتخابات هذا العام في فرنسا وألمانيا وهولندا، وعلى الأرجح في ايطاليا أيضًا. ويشير برنامج دافوس الرسمي إلى "ضعف الأنظمة التعددية" الذي تسبب بتقويض الثقة، وإلى إمكان حدوث تراجع مدفوع بالحمائية والشعبوية والانعزالية. 

إلى ذلك، من المستبعد أن تُعقد أي ندوة أو لقاء ثنائي أو اجتماع حول طاولة مستديرة في أثناء أعمال المنتدى من دون إشارة إلى الزلزال السياسي الذي أحدثه انتخاب ترامب، حتى أخذ محافظون يبشرون ببزوغ ما يسمونه "النظام العالمي الجديد الجديد". بل وصل بعض المنتقدين إلى حد القول إن المنتدى الاقتصادي العالمي نفسه أحد الأسباب التي تقف وراء رفض شرائح واسعة من المجتمع الأميركي للعولمة وآثارها السلبية في بعض القطاعات في المجتمعات الغربية. 

ولفتت الكاتبة والناشطة نعومي كلاين في صحيفة "غارديان" البريطانية بعد انتخاب ترامب إلى صعود ما سمته "طبقة دافوس"، قائلة إنها "شبكة مترابطة من أصحاب المليارات، من المصرفيين وخبراء التقنية والقادة المنتفعين من سياسات الليبرالية الجديدة". 

عالمنا يتغير

في هذه الأجواء، يقدم المشاركون في النقاشات والجلسات الحوارية مساهماتهم في شأن التحديات الكبيرة في السنة الجديدة، وسبل التوصل إلى حلول في مواجهتها. 

وقال البروفيسور كلاوس شواب، مؤسس المنتدى ورئيسه التنفيذي: "العالم حولنا يتغير بسرعة لا سابق لها. وفي هذه المرحلة الحرجة، توضع مفاهيمنا التقليدية للمجتمع والعمالة المجدية والدولة القومية على المحك، ومفهوم أن يشعر كثيرون بانعدام الأمن أو بأنهم مهددون، والمطلوب أنموذج جديد للقيادة التجاوبية والمسؤولة لتمكيننا من التعاطي مع التحديات التي تواجه العالم، من الأمن إلى الثورة الصناعية الرابعة، بتفكير ذي توجه عملي بعيد المدى وبالتضامن على المستويين الوطني والعالمي". 

وأضاف: "عالمنا مستمرّ في الترابط أكثر فأكثر، حتى لو أشارت الحوادث السياسية إلى رغبة عارمة في العزلة والتخلي عن العولمة. لمعالجة هاتين المسألتين، نسعى إلى تحسين أنظمة الحكم وطرائق القيادة في العالم، التي تستجيب إلى الحاجة الماسة إلى الاندماج الاجتماعي، والمسؤولة عن اجتراح الحلول الناجزة والبناءة للتحديات العالمية المتعددة التي نواجهها كل يوم".

تأسيسًا على ذلك، يركّز برنامج عمل المنتدى في عام 2017 على 5 مراكز قوة: تعزيز نظم التعاون العالمي بتحديث الأنظمة وإعادة تصميمها للتعاون الدولي في سبيل تحسين إدارة آثار العولمة؛ معالجة الهوية من خلال السرد الإيجابي، من خلال تفاؤل ملهم وثقة بالمستقبل، على الرغم من تقلّص حجم هذا العالم وتعاظم تعقيداته؛ تنشيط الاقتصاد العالمي بتطوير المهارات الفردية والجمعية ونشر رأس المال لمعالجة بطء النمو والبطالة وتمويل أهداف التنمية المستدامة؛ إصلاح رأسمالية السوق من طريق معالجة التفكير قصير المدى، والسلوك الأناني، والحد من تفشي الفساد لبناء اتفاق جديد بين الأعمال والمجتمع؛ التحضير للثورة الصناعية الرابعة من خلال إعداد الأفراد والاقتصادات لتجسير الهوة بين التقانة والإنسانية.

مروحة واسعة من التأثير

من بين زهاء 3000 مشارك في منتدى دافوس، سيكون نحو ثلثهم من خارج أوروبا وأميركا الشمالية، وثلث آخر يمثلون مجموعات ومنظمات من خارج قطاع الأعمال والحكومات. 

ويعتبر المنتدى الاقتصادي العالمي أوسع ملتقى للوفود الوزارية في العالم بمشاركة أكثر من 70 بلدًا، بينها البلدان الأعضاء في مجموعة العشرين. وسيحضر أعمال المنتدى هذه السنة الأمين العام الجديد للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس وعدد من رؤساء المنظمات الدولية الكبرى. وسيفتتح الرئيس الصيني شي جين بينغ أعمال المنتدى في عام 2017، ويرافقه أكبر وفد من المسؤولين الصينيين منذ مشاركة الصين الأولى في المنتدى في عام 1979. 

كما يحضر أعمال المنتدى الرؤساء التنفيذيون في أكثر من ألف شركة، يؤدّون دورًا رئيسًا في تأطير النقاش، بينهم الأميركي برايان مونيهان، رئيس مجلس إدارة بنك أوف أميركا ورئيسه التنفيذي؛ والباكستانية شارمين عبيد شينوي، مخرجة الأفلام الوثائقية؛ والبريطانية هيلي تورنينج- شميت، رئيسة مجلس إدارة مؤسسة إنقاذ الطفل؛ والهولندي فرانز فان هوتين، رئيس شركة ومجلس إدارة رويال فيليبس؛ والأميركية ميغ ويتمان، رئيسة شركة ومجلس إدارة هوليت باكارد.

ويقول المنتدى الاقتصادي العالمي إن التزامه جمع الفرقاء على اختلافهم نابع من إيمانه القوي أن الطريقة الوحيدة للتعامل مع التحديات العالمية هي ضمان مشاركة سائر قطاعات المجتمع واعضاء الأسرة الدولية. ويرى المنتدى أن العمل وفق هذا المبدأ مطلوب اليوم كما كان حين عقد اجتماعه السنوي الأول في عام 1971.