حققت منظمة «أوبك» نجاحات كبيرة على مدى العقود الماضية في الحفاظ على التوازن في الأسواق من خلال العرض والطلب، وتفادي إغراق السوق بالنفط أو تقييد الإنتاج بدرجات كبيرة تؤدي إلى انهيار كبير في الأسعار. بناءً عليه... أي دور تضطلع به؟

إيلاف من لندن: تأسست منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» يوم 14 سبتمبر 1960 بمبادرة من الدول الخمس الأساسية المنتجة للنفط في حينه (السعودية وإيران والعراق والكويت وفنزويلا) خلال اجتماع عقد في بغداد، وبذلك أصبحت أوبك أهم منظمة أنشئت من طرف الدول المنتجة للنفط لرعاية مصالحها، وكان السبب الأساسي لهذه المبادرة هو التكتل في مواجهة شركات النفط الكبرى، وللسيطرة بشكل أكبر على أسعار البترول وترتيبات الإنتاج.

وتعتبر الدول الخمس التي حضرت اجتماع عام 1960 ووقعت اتفاقية إنشاء المنظمة هي الدول المؤسسة. وتضم المنظمة حاليًا 12 دولة: قطر، وإندونيسيا، وليبيا، والإمارات، والجزائر، ونيجيريا، وأنغولا، إضافة إلى الدول الخمس المؤسسة، وانتقل مقرها في عام 1965 من سويسرا إلى العاصمة النمساوية فيينا.

توفر دول أوبك حاليًا 40 في المئة من النفط العالمي، ولديها احتياطات أكيدة تمثل 80 في المئة من نفط العالم.

أول مؤتمر لأوبك اثر التأسيس - بغداد 1960

تراجع أوبك

يتساءل المراقبون لماذا لم تشهد أسعار النفط ارتفاعًا كبيرًا بعد اتفاق تخفيض الإنتاج في نهاية عام 2016 وبداية العام الحالي. يرافق ذلك تساؤل آخر: هل فقدت أوبك مقدرتها في التأثير في الأسعار؟

لا شك في أن تراكم المخزونات النفطية في السنوات الأخيرة أدى دورًا كبيرًا في إبطاء تصاعد الأسعار. وما يحدث عادة عندما تقوم "اوبك" بتخفيض الانتاج، يتقلص المعروض في السوق تدريجيًا وتلجأ الدول التي تنتمي إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD للمخزونات لتعويض أي نقص في الامدادات وعندما تنخفض المخزونات إلى مستويات متدنية تبدأ الأسعار بالارتفاع.

هناك عدد كبير من المنتجين خارج اوبك، مثل الولايات المتحدة، لا يشاركون أوبك أي تخفيضات في الانتاج، ما يحبط جهود اوبك في تخفيض التخمة من السوق.

التقنية المتقدمة التي قللت تكلفة عمليات الحفر والانتاج ساعدت في تصاعد انتاج الزيت والغاز الصخري في الولايات المتحدة ودول أخرى، وهذا بدوره ساهم في اضعاف مقدرة "اوبك" في السيطرة على السوق ورسم سياسات انتاجية مؤثرة.

اتفاق تاريخي في أواخر 2016 لأوبك يقضي بتخفيض الانتاج - فيينا ديسمبر 2016

في السبعينات، حدث زلزال لم تعهده "أوبك" من قبل، عندما اتخذ المنتجون العرب داخل أوبك عام 1973 قرارًا بحظر تصدير النفط العربي إلى الولايات المتحدة، بسبب دعمها لاسرائيل، ارتفعت أسعار النفط من 3 دولارات للبرميل إلى 12 دولاراً للبرميل وفي مارس 1974 تم رفع الحظر عن التصدير للولايات المتحدة، واستقرت الأسعار بين 12.5 دولاراً إلى 14 دولاراً حتى 1978.

هذا التطور الدراماتيكي والصدمات التي تعرضت لها اسواق النفط، عززا حضور "أوبك" على الساحة الدولية كلاعب مؤثر وهام لا يستهان به.

وتمكنت "أوبك" من استخدام نفوذها وقوتها في رسم وتحديد سياسات الانتاج، وارتفعت الأسعار إلى مستويات قياسية فوق معدلات الأسعار التي تقررها السوق حسب معادلات العرض والطلب.

توترات ومجهولية

لتعزيز النظرية التي تقول "إن دور "اوبك" آخذ في التراجع في السنوات الأخيرة"، يشير محللون غربيون إلى التوترات الجيوسياسية في المنطقة بين السعودية وايران، ورغبة السعودية بتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس في الدخل القومي. ويأتي طرح 5 في المئة من قيمة آرامكو للاكتتاب العام في عام 2018 في هذا الاطار. 

تأتي هذه الخطوة الهامة في جو من التوترات والمجهولية في المنطقة وفي صفوف اوبك. كما أن ارتفاع الأسعار إلى 50 دولارًا وما فوق للبرميل، ليس فقط سببه تخفيض الإنتاج بل الانتعاش في اقتصادات العديد من الدول مثل الصين، والمخاوف الجيوسياسية، وغياب الاستقرار في دول مثل نيجيريا وليبيا وفنزويلا والعراق.

في أوائل ابريل الحالي، بعد إعلان كبرى الشركات الأميركية للخدمات النفطية "بيكر هيوز" عن ارتفاع عدد الحفارات ومنصات الغاز والنفط الانتاجية إلى 824 أي بزيادة مقدارها 374 على عام 2016 فسرها مراقبون غربيون انها بمثابة ضربة جديدة لمنظمة أوبك.

وقبل ذلك الاعلان بيومين، تم الكشف عن 5442 حقل نفط، محفورة ولم تكتمل بعد وتحت قيد التأهيل والاستخدام، وقادرة على اضافة 300 الف برميل يوميًا للسوق خلال فترة قصيرة.

استراتيجيات أوبك 

أولًا، استراتيجية اغراق السوق بالنفط:

سياسة انتاج أكبر قدر ممكن من النفط الخام، التي اتبعتها أوبك كانت تهدف الى اغراق السوق بالنفط للقضاء على المنتجين الهامشيين في السوق واجبار عدد كبير منهم اعلان افلاسهم لا سيما شركات انتاج الزيت الصخري في الولايات المتحدة، حيث أن 81 شركة غاز ونفط اميركية أعلنت افلاسها بين بداية 2015 وأواخر مايو 2016. وكانت الآمال أن الأسعار ستنتعش وترتفع إلى 60 دولاراً وما فوق وهذا لم يحدث، ومن غير المتوقع في المستقبل المنظور. 

وأدت استراتيجية اغراق السوق إلى انهيار الأسعار من فوق 100 دولار للبرميل أواسط 2014 إلى اقل من 30 دولاراً في فبراير 2016 وأغلقت 119 شركة اميركية عملياتها الانتاجية واختفى 900 الف برميل من السوق النفطية.

ثانيًا، استراتيجية تخفيض الانتاج

تحركت اوبك في نوفمبر 2016 إلى استراتيجية تخفيض الانتاج بمقدار 1.8 مليون برميل يوميًا مما رفع الأسعار من 30 دولاراً للبرميل إلى 55 دولاراً، ولا تزال الأسعار حتى اللحظة تتأرجح في نطاق سعري بين 50 و55 دولاراً للبرميل. وهذا أدى إلى عودة الزيت الصخري للسوق بقوة.

"أوبك" والنظام النفطي الجديد

أي متابع للسوق النفطية يلاحظ أن منظمة "اوبك" حققت نجاحات كبيرة على مدى العقود الماضية في الحفاظ على التوازن في الأسواق من خلال العرض والطلب وتفادي إغراق السوق بالنفط أو تقييد الانتاج بدرجات كبيرة تؤدي إلى انهيار كبير في الأسعار. 

أرامكو السعودية تمثل الذراع النفطية للمملكة صاحبة التأثير القوي داخل أوبك

الهدف كان حماية مصالح اعضائها من خلال رسم سياسات انتاجية سليمة للمحافظة على التوازن بين العرض والطلب وتجنب الصدمات الكبيرة. لكنّ لنفوذ وقوة "اوبك" حدودًا في ظل ما يسمى النظام النفطي الجديد، الذي من أهم مظاهره صعود النجم الروسي كلاعب رئيس في مجال امدادات الطاقة وارتباطه بتحالفات مع ايران والعراق، وهما منتجان كبيران في أوبك. 

وفي هذا النظام النفطي الجديد ظهور ثلاثة لاعبين محوريين كبار، وهم السعودية وروسيا والولايات المتحدة، وهؤلاء الثلاثة ينتجون ما يزيد عن 40% من انتاج النفط العالمي.

وأميركا لوحدها تنتج الآن 9.3 ملايين برميل يوميًا، وحسب مصادر أميركية، واذا تمت اضافة سوائل الغاز والمكثفات النفطية، فإن الانتاج الأميركي يصل إلى 11 مليون برميل يوميًا.

وفي التسعينات، انتجت أميركا 6 ملايين برميل يوميًا وكانت تستورد حاجتها من السعودية والدول الخليجية لتلبية الطلب الداخلي اليومي البالغ 19 مليون برميل يوميًا.

ومع قدوم ادارة دونالد ترامب يتوقع الخبراء أن يرتفع الانتاج الأميركي، لأن الرئيس الأميركي الجديد لا يأبه للأمور البيئية، وسيعطي الضوء الأخضر لتشجيع المزيد من الانتاج المحلي، مما يزيد نفوذ الصناعة النفطية الأميركية وشركات انتاج الزيت الصخري.

من المهم القول إن شركات انتاج الزيت الصخري استطاعت خلال العامين الماضيين من تطوير تقنيات لتخفيض تكلفة الانتاج إلى اقل من 40 دولاراً للبرميل. 

لذلك من السهل الاستنتاج أن الانتاج الأميركي الاضافي سيساهم في تعميق أزمة التخمة في الأسواق. وعلى الرغم من نجاح اتفاق مؤتمر فيينا نهاية العام الماضي لخفض الانتاج، والاحتمال الكبير أن "أوبك" ستقوم بتمديد هذا الاتفاق في اجتماعها المقبل في 25 مايو، فإن التخمة في السوق لن تختفي بتلك السرعة بسبب ارتفاع الانتاج العراقي والايراني.

أي مستقبل لأوبك؟

على الرغم من التنبؤات منذ أواخر السبعينات من القرن الماضي بأن "اوبك" انتهت، إلا انها لا تزال قائمة وتلعب دورًا ايجابيًا رغم النزاعات والخلافات بين اعضائها. روسيا وأميركا تعترفان أن اوبك هي المؤسسة الوحيدة القادرة على اتخاذ قرارات واجراءات سريعة لاعادة التوازن للسوق. 

ومن جهة أخرى، هناك من يعتقد أن عالم الطاقة يمر بمرحلة من تغييرات كبيرة تكنولوجيا وبنيويًا وابتكارات جديدة لها تأثيرات ديناميكية في مجال الطاقة. وأهم تطور هو الاستثمارات الضخمة في قطاع الطاقة النظيفة المستدامة والمتجددة.

سؤال يراود الكثيرون، وهل ستتحول أوبك يومًا ما في المستقبل البعيد إلى منظمة تمثل مصالح الدول المصدرة للطاقة المتجددة؟ 

وهناك من يرى دورًا لأوبك في تقديم مساعدات ومقترحات للدول الاعضاء بتنويع اقتصاداتها وعدم الاعتماد الكلي على النفط.​