يواجه طرح أرامكو صعوبات في بورصة لندن، فثمة محاولات لرفض إدراج أسهمها لأنه يتعارض مع قاعدة 25 في المئة حدًا أدنى للإدارج في الفئة رفيعة المستوى. فأرامكو تطرح 5 في المئة فقط من أسهمها.


نهاد اسماعيل من لندن: في أوائل عام 2016، أعلن ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن نية السعودية طرح جزء من أرامكو للاكتتاب العام، أول مرة في تاريخها، في محاولة اعتبرها البعض إعادة هيكلة للاقتصاد السعودي. ووصفها الإعلام الغربي بصفقة القرن. 

واعتبر البعض هذه الخطوة مؤشرًا إلى خطورة وضع الاقتصاد السعودي، حيث تزامن مع ذلك الإعلان؛ إعلان آخر بأن الحكومة ستبدأ خطوات راديكالية تهدف إلى ترشيد الإنفاق والإصلاحات الاقتصادية وتقليل الاعتماد على النفط.

أكدت الصحافة العالمية المختصة في شؤون المال والأعمال، مثل بلومبرغ الأميركية وفايننشال تايمز البريطانية ولاتريبون الفرنسية، أن الطرح المنتظر لأسهم من شركة أرامكو النفطية السعودية في البورصة سيكون الأكبر في تاريخ البورصة، أكبر 4 مرات على الأقل من الرقم القياسي السابق الذي حققته شركة علي بابا الصينية في عام 2014.

في تقرير عن إدراج 5 في المئة من رأس مال أرامكو في البورصة، أشارت تلك الصحف إلى أهمية القرار الذي أثار شهية كبريات الشركات المالية العالمية، مثل جي بي مورغان، ومورغان ستانلي، أو إتش إس بي سي التي انضمت جميعها إلى بنكي الأعمال الأميركيين مويليس وإيفر كور، وبنكي الأهلي وسامبا السعوديين، لتنظيم وادارة وتأمين شروط نجاح الإدارج.

مطبات وعثرات

تناول الإعلام في الأسابيع الأخيرة الصعوبات التي تواجه الطرح الأولي لأسهم أرامكو ضمن سياق الرؤية السعودية 2030، فضخامة حجم الطرح قيّدت الخيارات السعودية في بورصتي نيويورك ولندن، ولكل منهما تعقيداتها القانونية والإجرائية، وما يتبعهما من مشكلات قانونية محتملة ما سيجعل السعودية تعيد دراسة الفكرة بصورة أكثر دقة لتجاوز كل التبعات القانونية المحتملة والمتوقعة.

نقلت "إيكونوميست" على موقعها الإلكتروني عن خالد الفالح، رئيس مجلس إدارة أرامكو، قوله إن الإصدار لا يمكن التعامل معه إلا من خلال أسواق الأسهم الأكبر مثل بورصتي نيويورك ولندن نظرًا لضخامة حجمه، وهو ما قد يؤدي إلى مشكلات قانونية محتملة ربما تكون لها عواقب غير محسوبة.

أضاف الفالح أن إدراج أسهم الشركة في نيويورك قد يؤدي إلى دعاوى قانونية تافهة ضد السعودية، وربما يثير الإدراج في بورصة لندن "أسئلة خرقاء" بشأن إمكانية اطلاع السلطات البريطانية على إيرادات الشركة وأصولها حول العالم.

أضاف الفالح: "على الرغم من أن ملكية الاحتياطيات دستوريًا تعود إلى المملكة، فإن من شأن وجود امتياز أو نظام مالي ملائم تمكين الشركة من تقديم وعد بدخل ثابت للمساهمين، وأرامكو تدرس تنفيذ استثمارات في الغاز الطبيعي المسال ومشروعات أخرى ذات صلة في الخارج، وتخطط لتأسيس أنشطة محلية في الكيميائيات والكهرباء والطاقة المتجددة".

تحديات وعراقيل

تناولت صحف بريطانية أخيرًا خطة أرامكو لطرح 5 في المئة من أسهمها في بورصة لندن وظهور محاولات لرفض الادراج لأنه يتعارض مع قاعدة 25 في المئة حدًا أدنى للإدارج في الفئة رفيعة المستوى التي تُطبق عليها شروط مشددة، ويطلق عليها أحيانًا اسم "الفئة الأكثر تشددًا".

وبحسب تقارير صاندي تايمز وديلي تلغراف، يمارس عدد من المستثمرين الكبار ضغوطًا على سلطة ادراج الأسهم البريطانية لرفض خطة ارامكو بحجة عدم تطابقها مع القواعد والشروط. وحتى لو اخذت الأمور مجراها، لن يتم إدراج أرامكو السعودية في مؤشر فايننشال تايمز للأسهم لأهم 100 شركة بريطانية.

ربما توافق السلطة المعنية على ادراج اسهم اقل من 25 في المئة كحد أدنى، لكن في ظروف غير عادية في تصنيف الفئة الأكثر تشددًا. خلافًا لذلك، تستطيع أرامكو أن تقبل إدراجًا عاديًا. لكن مستشاري أرامكو قالوا الخميس انهم لا يدفعون في اتجاه تغيير قواعد الإدراج، ولا مخطط للالتحاق بمؤشر فايننشال تايمز لأهم 100 شركة بريطانية.

طالب مستثمرون كبار ومجموعات الحوكمة بمعارضة مشروع أرامكو لأنه سيترك المستثمرين من دون حماية كافية باقتناءهم أسهمًا في ثروة غير سائلة. وسيحرمون من حقوقهم لأن معظم الحقوق ستكون في أيدي الحكومة السعودية التي تستحوذ على غالبية الأسهم.

في النهاية، المستثمرون الصغار والمدخرون وأعضاء خطط التقاعد سيخسرون بملاحقتهم اسهمًا طرحت حديثًا على السوق، والأفضل لهم الاستثمار في أسهم ذات قدرة على الاستمرار طويلًا.

هيكل جديد

بحسب تقارير وكالة "رويترز" في مايو الماضي، ونقلًا عن مصادر مطلعة، تعكف بورصة لندن على إعداد هيكل جديد للإدراج لجذب أرامكو لإدراج أسهمها فيها.

وأشارت الوكالة إلى أنه من المستبعد أن تكون أي من هياكل الإدراج الحالية بالبورصة مغرية لأرامكو، لذلك تعكف البورصة على إعداد أنموذج جديد يسمح لها بتجنب قواعد حوكمة الشركات الأكثر صعوبة التي يستلزمها الإدراج الأولي.

أوضحت أن معظم الشركات المدرجة حاليًا في بورصة لندن ضمن فئة الأكثر تشددًا من حيث قواعد الإدراج لكي تدخل مؤشر فايننشال تايمز، مبينة أن هذا يقتضي أن تكون نسبة 25 في المئة على الأقل من أسهم الشركات متاحة للتداول الحر.

كما أشارت إلى أن بورصة لندن وسلطة الإدراج في المملكة المتحدة تبحثان فئة جديدة من الإدراج للشركات العالمية الكبرى، والتي ربما تعجز عن تلبية معايير الإدراج في الفئة الأكثر تشددًا، لكنها أكثر ثقلًا وأكثر جاذبية للمستثمرين عن شركات الفئة الأقل صرامة من حيث معايير الحكومة.

واستبعد مصدران، بحسب الوكالة، إدراج أرامكو على المؤشر، فيما قال أحدهما أن عملاء مؤشر فايننشال تايمز سيشكون أن رأس المال السوقي الضخم لأرامكو يعني هيمنتها على المؤشر. لذا سيكون هناك دراسات وتعديلات لضمان ادراج سلس وناجح ينسجم مع قواعد وشروط اللعبة وقوانينها.

لتعديل القواعد

يعتقد خبراء أن الحماية التي توفرها الحوكمة المتعلقة بالإدراج العادي تساعد تشمل المستثمرين التابعين لمؤسسات تعمل لصالح الناس العاديين، لذ لا يعتقدون أن إدراج أرامكو في بورصة لندن أمر يرغب به المستثمرون.

من المؤسسات التي تعارض الإدراج هي ستاندرد لايف الاستثمارية الضخمة المعروفة بمعارضتها ادارج حصص صغيرة من قيمة أي شركة كبيرة.

تقترح ستاندرد لايف الاستثمارية على سلطة إدراج الأسهم البريطانية أن تعدل القواعد لاشتراط نسبة لا تقل عن 25 في المئة في المرحلة الحالية، قبل أن تحصل أرامكو على التأهيل للإدراج رفيع المستوى تحت الشروط المشددة، حيث يسهل ذلك توفير السيولة والحصول على فوائد التوصل إلى مصادر رؤوس المال والفائدة المعنوية من الاستثمار في شركات ذات سيرة حسنة، علمًا أن الحصول على هذه الفوائد مشروط برغبة الشركات في التمسك بأعلى مستويات العمل السلوكي.

في هذا السياق، عبر تيم بوش من مجموعة الحوكمة عن قلقه من أن خطط طرح الأسهم التي لا تسمح للمستثمر بامتلاك اكثر من 25 في المئة من القيمة الاجمالية ستعطيهم حق الفيتو على أي تحركات مستقبلية.

حوكمة ورقابة

ستواجه أرامكو السعودية تحديات جمة اذا اصرّت على ادراج 5 او 10 في المئة فقط من قيمتها للاكتتاب العام في لندن، لأن ذلك يعاقب المستثمرين من البداية. وهناك خيبة أمل بسبب عجز سلطة ادراج الأسهم على ضبط الأمور، والمطلوب مراقبة السلطة وكيف ستتصرف مع أرامكو.

كما تقف شركة رويال لندن ضد طرح نسب صغيرة من الأسهم للاكتتاب العام في لندن، "ومن غير الملائم كسر القواعد من أجل أرامكو"، كما قال مدير حوكمة رويال لندن آشلي هاميلتون كلاكستون في مقابلة مع بي بي سي.

لاحظ اللورد ميرفين ديفز، الرئيس الأسبق لمجلس ادارة مصرف ستاندرد تشارترد للاستثمار وعينته الحكومة لمراجعة التنويع في الشركات (التنويع يتعلق باعطاء فرص للنساء في المشاركة في الادارة، وتأمين ثلث اعضاء اي مجلس ادارة من النساء بحلول 2020)، أن مجلس ادارة آرامكو وكل مدرائها من الرجال.

رفض مجلس الادراج البريطاني التعليق، لكن يجب القول إن سلطة الرقابة المالية تستطيع قبول ادارج اسهم بقيمة 25 في المئة او اقل من قيمة الشركة اذا اعتبرت أن السوق سيتعامل مع ذلك بطريقة صحيحة. وسيأخذ المجلس على عاتقه تقييم نوعية الأسهم وعدد المالكين العامين.