عبد الحفيظ العيد من الجزائر: حدد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة حيز المناورة للحكومة الجديدة التي يرأسها الوزير الأول عبد المجيد تبون والمتمثل في البحث عن موارد جديدة لموازنة البلاد بما أن أمد أزمة النفط سيطول، وكذا الحفاظ على المكاسب الاجتماعية للمواطنين لكن مع العمل على ذهاب مساعدات الدولة لمستحقيها الحقيقيين فقط دون اللجوء إلى الاستدانة الخارجية.

واجتمع مجلس الوزراء لأول مرة مع حكومة عبد المجيد تبون المنبثقة عن انتخابات 4 مايو الماضي التشريعية، ورئاسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي صارت اجتماعاته مع وزرائه معدودة منذ إصابته بالنوبة الأفقارية في إبريل 2013، والتي جعلت ظهوره الرسمي نادرا.

وجاء في بيان مجلس الوزراء أن بوتفليقة "حث الطاقم الحكومي الجديد على مضاعفة الجهود من أجل رفع التحديات الراهنة خلال المصادقة على مشروع برنامج عمل الحكومة، والذي سيعرض في 18 يونيو الجاري على البرلمان للمناقشة والتصويت عليه بعدها".

أزمة طويلة

جاء في برنامج الحكومة أنها ستعمل في مجال تسيير شؤون الدولة على توطيد دولة القانون والحريات والديمقراطية، وتعزيز الحكم الراشد، وترقية الهوية الوطنية، والحفاظ على الذاكرة.

أما في المجال الاقتصادي والمالي، فيركز برنامج حكومة عبد المجيد نبون على "عصرنة المالية العمومية والمنظومة المصرفية، وتطهير الفضاء الاقتصادي وترقية الاستثمار، وتثمين سائر ثروات البلاد".

وقال بوتفليقة إن "أزمة أسعار النفط أمدها طائل وأنها تفرض علينا تحديات كبرى تقتضي خصوصا تفعيل الإصلاحات الواجب القيام بها".

وتقوم موزانة الجزائر على نحو 98 بالمائة من عائدات النفط، والتي تقلصت بشكل جلي منذ تهاوي اسعار النفط في الاسواق العالمية والتي لم تستطع العودة الى مستواها السابق رغم قرار أعضاء منظمة "أوبك" بتخفيض الانتاج والذي كانت بداية هندسته في اجتماع الجزائر الخريف الماضي.

وشدد بوتفليقة أيضا على ضرورة مواصلة تنفيذ سياسة ترشيد الميزانية المصادق عليها خلال السنة المنصرمة من أجل تصويب المالية العمومية في آفاق 2019، والبحث عن ترقية التمويلات الداخلية غير التقليدية التي يمكن حشدها خلال سنوات الانتقال المالي تفاديا للصدى على برامج الاستثمارات العمومية.

لا استدانة خارجية

قرر عبد العزيز بوتفليقة العودة إلى العمل بقراره الذي ميز عهداته الرئاسية الأربع والمتمثل في رفض اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، بعد أن كان قد سمح بها مع بداية عهدته الرئاسية الرابعة في حكومات عبد المالك سلال المتعاقبة، حيث كان من المفروض اللجوء إلى قرض استثماري من الصين وآخر من البنك الإفريقي.

ووجه الرئيس الجزائري تعليمات للحكومة بتفادي اللجوء إلى الاستدانة الخارجية والتحكم أكثر في حجم الواردات من السلع والخدمات بهدف الحفاظ على احتياطات الصرف للبلاد، بهدف الحفاظ على السيادة الاقتصادية للبلاد.

غير أن الكاتب الصحفي أمين لونيسي يرى في حديثه مع "إيلاف" أن "هامش رفض اللجوء إلي الاستدانة الخارجية يبقي ضعيفا، بالنظر للي المعطيات الاقتصادية الراهنة، فهذا الأسبوع أظهرت أرقام تراجع موارد صندوق ضبط الإيرادات بنحو 85 في المائة بعد اللجوء المتكرر إليه لإتمام المشاريع المجمدة".

وقال لونيسي "الحكومة تقف أمام خيارين الاستمرار في الدعم الاجتماعي الموجه للفئات الهشة، وما يكلف من أعباء تقبله أو الانصياع لنصائح المؤسسات الدولية والتخلي تدريجيا عن التحويلات الاجتماعية، وفي كلتا الحالتين فان البلاد مازال أمامها صدمة مالية يحذر منها الخبراء في افق العامين المقبلين، وهو ما سيعكسه مضمون قانون المالية المقبل".

أمر بوتفليقة الحكومة الجديدة بمواصلة تجسيد نموذج النمو الاقتصادي الجديد المصادق عليه خلال السنة الماضية من طرف مجلس الوزراء، بما في ذلك الجانب المتعلق بالإصلاحات لتحسين مناخ الاستثمار وعصرنة النظام الجبائي والبنوك العمومية والسوق المالية.

ودعا بوتفليقة الحكومة إلى العمل على تثمين أكبر لكافة الموارد والثروات التي تزخر بها البلاد بما فيه المحروقات الأحفورية التقليدية وغير التقليدية والطاقات المتجددة.

لكن، لم يشر بيان مجلس الوزراء إن كان بوتفليقة يعني بالمحروقات غير التقليدية العودة إلى استثمارات الغاز الصخري التي أحدثت في 2015 احتجاجات واسعة في ولاية تمنراست الحدودية، رفضت عمليات التنقيب عن الغاز الصخري بحجة انه يشكل تهديدات بيئية على سكان المنطقة.

ولفت أمين لونيسي إلى أن "التوجه نحو الطاقات المتجددة رهان كبير بحاجة إلي تمويل وسيسد الاحتياجات الداخلية فقط، بينما لا يمكن الاعتماد عليه كبديل عن النفط الموجه للتصدير".

التهدئة الاجتماعية

رغم الصدمة المالية التي تعيشها الجزائر بسبب تهاوي أسعار النفط، حرصت حكومة عبد المجيد تبون على تقديم التزامات بمواصلة التضامن الاجتماعي للمواطنين.

وشدد برنامج الحكومة على "تحسين الإطار المعيشي من خلال توفير السكن وضمان الاستفادة من الطاقات والماء وكذا حماية البيئة، وتحسين المنظومة الوطنية للتعليم والتكوين وتثمين البحث العلمي، وعصرنة المنظومة الوطنية للصحة، والحفاظ على المنظومة الوطنية لضمان الاجتماعي والتقاعد، وترقية الشغل، وتعزيز آليات التضامن الوطني، ومواصلة التكفل بالطبقات الاجتماعية ذات الاحتياجات الخاصة".

ونبه بوتفليقة حكومته إلى أن "الخيارات الوطنية في مجال العدالة الاجتماعية والتضامن الوطني لا رجعة فيها"، غير أنه طالبها بالعمل على "مزيد من الترشيد لهذه السياسة الاجتماعية لاسيما من خلال استهداف أفضل لمستحقي المساعدات العمومية". 

وتعيب المعارضة على الحكومات المتعاقبة أن المساعدات الاجتماعية قد تذهب في مرات إلى غير مستحقيها، كما أنها توجه للفقير والغني على حد سواء، وتطالب أن لا يستفيد غير المحتاجين من التعليم والصحة المجانيين.

وشدد بوتفليقة على التضامن التام في عمل الحكومة، واعتماد سياسة اتصال ناجعة نحو الرأي العام والتشاور المتواصل مع شركائها الاقتصاديين والاجتماعيين.

وبالنسبة للكاتب الصحفي أمين لونيسي، فإن "هناك متناقضات في دعوة بوتفليقة للحفاظ على الدعم الاجتماعي، بالنظر إلى الرسوم الباهظة وتجميد الاستيراد وتجميد مشاريع السكن والمشافي، وهو ما تبينه إجراءات التقشف في قانون المالية".