تناول خبير الطاقة السعودي، ابراهيم المهنا، أفق الآليات الجديدة في السوق النفطية باتفاق روسيا وأوبك بمباركة سعودية، وقال إن النموذج الجديد لإدارة هذه السوق سيستمر، متوقعًا ارتفاع قريب في أسعار النفط.

إيلاف من دبي: في كلمة بعنوان «منظمة أوبك والمملكة العربية السعودية وروسيا، والآليات الجديدة في سوق النفط»، ألقاها الدكتور ابراهيم المهنا، المستشار السابق لوزير النفط السعودي ونائب رئيس مجلس الطاقة العالمي للشرق الأوسط، في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، تحدث فيها عن تحول كبير في إدارة السوق النفطية وخروجها من هيمنة شركات النفط السبع الكبرى إلى هيمنة دول منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، مع مساهمة متقطعة من منتجين آخرين من خارج المنظمة لرفع مستوى فاعليته.

قال المهنا إن تصرفات المنتجين كثيرًا ما كانت تؤدي إلى نتائج ناجحة، «لكن تحقيق نتيجة إيجابية يحتاج إلى وقت يتراوح من شهرين إلى سنتين، لأن إحداث التوازن في السوق النفطية وتحقيق النتائج المرجوة يتطلب وقتًا. وإذا لم تتحقق النتيجة المرجوة في الوقت المناسب، فسوف ينظر إليها بعض المحللين بكثير من التشكيك والسلبية، لأن النتائج غير المرضية تكون في الأغلب إما بسبب اتخاذ قرارات مبنية على معلومات سريعة التغير أو عدم توفر حسن النية في تعاون بعض المنتجين».

ست مقومات

عدّد المهنا في كلمته مقومات مهمة لتحقيق النجاحات المرجوة في هذا المجال، وهي الآتية: «أولًا، توفر القيادة الواعية والحكيمة من قبل دول نافذة وأفراد معتبرين يحظون بالقبول والاحترام في المنظومة النفطية، كتلك التي جسدتها مؤخرًا المملكة العربية السعودية في منظمة أوبك، وروسيا، الدولة غير المنضوية تحت لواء المنظمة؛ ثانيًا، عدم الاستسلام بسرعة، فأحيانًا يتطلب الأمر تكرار المحاولة مرات ومرات وتجربة مفاهيم وأساليب مختلفة للوصول إلى نتائج ناجحة؛ ثالثًا، يجب أن يكون هناك استعداد صادق لتقديم بعض التضحيات في ما يتعلق بتخفيض الإنتاج، حيث يحتاج تنفيذ هذا الأمر إلى الأمانة في تخفيض الإنتاج المطلوب، ويجب على القادة وكبار المنتجين أن يكونوا قدوة لغيرهم بالالتزام الصارم بأهدافهم الجديدة».

المقوم الرابع، بحسبه، يكمن في تعاون المنتجين من خارج منظمة أوبك يجب ألا يؤخذ في الحسبان إلا إذا كانت البلدان المشاركة قادرة على التنفيذ ومستعدة لذلك، فالوعود وحدها لا تكفي.

أضاف المهنا مقومًا خامسًا وهو حاجة المجموعة بأسرها إلى أن تعي أن المعلومات تتغير مع الوقت، وسيتعين عليها بالتالي إبداء المرونة اللازمة في كل خطوة من خطوات العملية نظرًا إلى أن هناك تفاصيل وتقديرات معينة تتغير من شهر إلى آخر، «وعليه، يجب أن تكون المجموعة مستعدة لتعديل قراراتها طبقًا لذلك». 

أما المقوم السادس فهو الحاجة إلى إيجاد آلية واضحة وعادلة لتحديد المعايير التي يتم بموجبها الاتفاق على اتخاذ القرارات المطلوبة على غرار الاتفاقية القائمة حاليًا، والتي تستخدم مصادر ثانوية مستقلة كأساس لتقدير الإنتاج، وتطلب من كل بلد تخفيض إنتاجها بنسب متساوية.

تعاون بمباركة سعودية

بعدها، تحدث المهنا عن التعاون بين روسيا ودول أوبك، خصوصًا السعودية، لإعادة التوازن إلى السوق النفطية العالمية الذي اتخذ منحىً جديدًا في الآونة الأخيرة. وأشار إلى أن مناقشات بدأت في عام 1983 بين أوبك وروسيا للعمل معًا بمباركة سعودية، وهي مستمرة منذ ذلك التاريخ، وانضم إليها لاحقًا رؤساء دول ووزراء ونواب وزراء وخبراء نفط من البلدين. 

تابع المهنا: «بعد عام واحد من انهيار أسواق النفط في عام 1986، قام وزير البترول والثروة المعدنية في المملكة العربية السعودية حينها، معالي الأستاذ هشام ناظر، والذي كان استلم للتو منصبه هذا، بزيارة إلى موسكو لمناقشة المشاركة المحتملة لروسيا في أي تسوية إنتاجية. ثم تلت هذه الزيارة عدة زيارات أخرى على جميع المستويات، خصوصًا في اثناء الأزمات النفطية. لكن روسيا ترددت في الدخول في أي اتفاقيات من شأنها أن تؤدي إلى خفض إنتاجها، ولعل ذلك يعود بنسبة كبيرة إلى أسباب تتعلق بالطاقة المحلية وأسباب أخرى اقتصادية وسياسية».

أضاف: «على عكس المناقشات السابقة المتعلقة بالتعاون بين روسيا ومنظمة أوبك، تضمنت الاتفاقية الأخيرة مع روسيا عدة عوامل فارقة أدت إلى نجاحها. ولعل أول هذه العوامل وأهمها كان وجود حتمية مالية مشتركة بين جميع منتجي النفط، ومن بينهم روسيا، لرؤية أسعار النفط تنتعش».

ورأى المهنا فارقًا كبيراً آخر، هو التدخل الاستباقي لوزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك الذي سلك مسلكًا عمليًا في العمل مع الشركات الاثنتي عشرة التي تمثل 90 في المئة من إنتاج البلاد، «إذ كان يجتمع مرتين في الشهر مع هذه الشركات للتأكد من أن جميعها تدعم الاتفاقية. وكانت المشاركة القوية من قبل هذه الشركات التي فرضها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على نحو فاعل، عاملًا رئيسًا في نجاحها».

نموذج جديد لإدارة الأسواق

بحسب المهنا، اضطلعت روسيًا إلى جانب السعودية في بداية عام 2016 بدور قيادي في إقناع الدول الأخرى بتجميد الإنتاج، ثم اضطلع البلدان بدور قيادي في حمل 20 بلدًا على الموافقة على تخفيض الإنتاج على نحو جماعي بمعدل 1.8 مليون برميل يوميًا، "ولولا هذا الخفض لكانت أسعار النفط قد وصلت اليوم إلى أقل من 30 دولارًا للبرميل، ولربما كان إنتاج الدول المشاركة أعلى بمعدل 3-4 مليون برميل يوميًا، وأظهرت منظمة أوبك والبلدان المتعاونة معها بشكل عام القيادة والمرونة والإدارة الجيدة خلال تلك الفترة. 

تابع: «على الرغم من أن الترتيبات الحالية ليست مثالية، إلا أنها أفضل مما كانت عليه في الماضي. لكن بعض البلدان لا يبدي التزامًا كاملًا بروح الاتفاقية، على الرغم من النجاح الكبير الذي حققته هذه الاتفاقية».

ورأى المهنا أن نموذجًا جديدًا لإدارة الأسواق نشأ من منظمة أوبك الأخير مع منتجين رئيسيين من خارجها المنظمة،"من خلال إنشاء لجنة وزارية مشتركة تتكون من وزراء من الجانبين للتأكد من تنفيذ الاتفاقية تنفيذًا كاملًا. كما تم تشكيل فريق فني من الخبراء أول مرة ليرصد عن كثب مستويات الإنتاج والتزام المشاركين كلهم".

تجتمع هذه اللجنة الفنية كل شهر عقب صدور بيانات الإنتاج من مصادر ثانوية بدلًا من الانتظار إلى انتهاء أمد الاتفاقية لإبلاغ الوزراء بالنتائج. وبدلًا من أن تعمل هذه اللجنة باعتبارها جهة رقابية تنتقد الأداء الأدنى من المستوى المطلوب، أدى الانخراط المتواصل للمسؤولين من اللجان والدول الأعضاء إلى الخروج بمستوى غير مسبوق من التعاون بين والدول الأعضاء، وأثبت أنه أحد الأركان المحورية في اتفاقية فيينا.

أسعار النفط سترتفع

رأى المهنا في محاولة إعادة التوازن إلى السوق سباقًا لا يخلو من العقبات والمصاعب حتى نهاية طريقه. قال: «يتم حاليًا تقليص المخزونات التجارية تدريجًا، وإن كان ذلك يتم بوتيرة أكثر بطئًا مما كان مأمولًا في البداية. لكن الطلب العالمي على النفط يتزايد بأكثر من 1.5 مليون برميل يوميًا هذا العام، ومن المتوقع أن يستمر هذا النمو القوي إلى العام المقبل أيضًا. وبالتالي، فإن نمو الطلب سيزيد عن الإمدادات الجديدة التي من المتوقع أن تبلغ حوالي 1.3 مليون برميل يوميًا. وعندما يزيد الطلب على العرض، تصبح السوق ثابتة على قواعد راسخة».

وختم المهنا كلمته مستشرفًا المستقبل النفطي القريب والمتوسط. قال: «سوف يستمر هذا الأنموذج الجديد لإدارة السوق في العام المقبل حتى نهاية مارس على الأقل، وربما إلى ما بعد ذلك. وقد ينزع بعض محللي السوق إلى القول إن بمجرد انتهاء الاتفاقية سيقوم المنتجون بإغراق السوق بإمدادات جديدة، لكن هذا التصور لا يتسم ببعد النظر، ذلك لأن من مصلحة المنتجين، على الرغم من كل شيء، الوصول بهذه الاتفاقية إلى بر الأمان، وعدم تعطيل التوازن الجديد في السوق، وهي النتيجة الأقرب تصوراً».

وانتهى قائلاً: «إنني على يقين تام بأنه مع استمرار انكماش المخزونات التجارية من النفط، وفي ظل الترتيبات الحالية والتزام المنتجين الرئيسيين بها، واستعدادهم أيضًا لتعديل الاتفاقية وتمديدها، فإن أسعار النفط سترتفع تدريجًا، حتى أننا ربما نصل إلى 60 دولارًا للبرميل بحلول نهاية هذا العام أو بداية العام المقبل».