زار جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية، واشنطن، مؤخرا وتم توقيع اتفاق مبدئي حول التجارة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بهدف منع نشوب تصادمات وحروب تجارية بين الطرفين.&

ولتتويج الزيارة أعلن يونكر عن اتفاق لاستيراد الاتحاد الأوروبي للغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة. سيتطلب المشروع بناء تسهيلات ومرافق اضافية وبنية تحتية في اوروبا لاستقبال الغاز الأميركي وتوزيعه. اضف الى ذلك أن البنية التحتية الأميركية بحاجة الى تطوير وتوسيع لاستيعاب مزيد من انتاج الغاز الطبيعي وهذا سيأخذ عدة سنوات.

المسألة ليست نقص في البنية التحتية في اوروبا. بل في الصراع الجيوسياسي والمنافسة بين منتجي ومصدري الغاز الطبيعي. اثناء الحرب الباردة أسست روسيا شبكة انابيب ضخمة في اوروبا الشرقية لتصدير الغاز وايضا بناء مسارات بديلة لشمال شرق وجنوب شرق اوروبا.

ورغم أن تطورات جيوسياسية أثرت سلبا على سمعة روسيا في السنوات الأخيرة كمزود كبير وموثوق للغاز الطبيعي لأوروبا الا أن بروكسل تعاونت مع موسكو في مجال الطاقة وتحسنت العلاقة بينهما ولدرجة ان الاتحاد الأوروبي استورد 193 مليار مترمكعب من الغاز الروسي عام 2017. ونرى الآن ان خطوط انابيب الغاز أخذت أولوية فوق الاختلافات الجيو-سياسية. حيث يتم بيع وشراء الغاز الروسي بحدود 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية &ويعتبر هذا السعر معقول وتنافسي.&

والسؤال هل يستطيع الغاز الأميركي ان ينافس الغاز الروسي من ناحية السعر؟ وفي هذا السياق تساءل رئيس رويال داتش شل بن بيردن: هل فعلا سيصل غاز اميركا الطبيعي المسال الى اوروبا؟ وبأي سعر؟ وهل سيكون استيراد الغاز الأميركي اقتصاديا؟

وحسب مصادر بلومبيرغ ( 25 تموز يوليو 2018 ) يتعين على اوروبا بناء محطات اضافية لاستقبال الغاز الأميركي المسال.

ترحيب أميركي

ومن جهتها رحبت الشركات الأميركية المتخصصة بانتاج الغاز الطبيعي بهذه الانباء وتخوض شركة "الغاز الطبيعي المسال المحدودة" في ولاية لويزيانا مفاوضات مع عملاء في اوروبا لدراسة امكانية توريد الغاز للاتحاد الأوروبي. وجاءت تصريحات يونكر وترمب لتتزامن مع بدء 4 مشاريع بنية تحتية لتصدير الغاز اعتبارا من 2020. والجدير بالذكر انه منذ 2016 أبحرت 41 شحنة غاز طبيعي مسال الى اوروبا حسب بلومبيرغ وهذا يمثل 10% من صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال.

لا شك ان الطلب الأوروبي للغاز الطبيعي المسال يتصاعد كما ان المصادر والخيارات تتسع وتزداد. وبعد أن بدأت شركة "تشينيير" الأميركية بشحن الغاز المسال قبل سنتين من مرافيء ممر سابين &في لويزيانا كانت الشركة أول من يصدر الغاز الصخري الأميركي للخارج. وافتتحت شركة "دومينيون انيرجي المحدودة" الأميركية اول مرفأ للتصدير على الساحل الشرقي من الولايات المتحدة وهي اقصر مسافة للمستوردين في اوروبا.

وستحتاج أوروبا الى المزيد من الغاز الطبيعي حيث ان اكبر حقل للغاز في هولندا سيدخل قريبا مرحلة الاغلاق وفرنسا تخطط الاغلاق محطات نووية لانتاج الكهرباء واستبدالها بالغاز الطبيعي المسال.

وفي فبراير شباط الماضي قالت شركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم لرويترز إن أوروبا ستشهد قريبا نقصا في الغاز وارتفاعا في الأسعار إذا سعت إلى الاعتماد على واردات الغاز من الولايات المتحدة لتغطية الطلب المتزايد بدلا من زيادة مشترياتها من روسيا.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب قالت إنها تعتزم إضفاء العدالة والتوازن على أسواق الطاقة عبر عرض غاز أميركي على أوروبا وآسيا، مشيرة إلى الحاجة لتقليص ما أطلقت عليه القوة المشوهة للسوق لجهات فاعلة مثل روسيا وأوبك. ولكن في آسيا ستواجه الولايات المتحدة منافسة شديدة من قطر.

منافسة من قطر

وحسب شركة ريستاد إنرجي الاستشارية للطاقة في تقريرها شهر تموز 2018 "إن قطر لديها أقل سعر بيع للتجزئة في جميع مشاريع الغاز المخطط لها في العالم ، مشيرا إلى أن مشاريع التوسعة التي أعلنت عنها قطر للبترول في الفترة الماضية والتي من المنتظر أن ترفع إنتاج قطر من 77 مليون طن إلى 100 مليون طن ستكون من بين المشاريع الأكثر تنافسية في العالم لانخفاض تكاليف الإنتاج".

وقال تقرير صادر عن وكالة الطاقة العالمية، إن قطر ستواصل سيطرتها على السوق العالمي للغاز بعد رفع إنتاجها من الغاز بنحو 30 %، وان الإمدادات من قطر مع أستراليا والولايات المتحدة ستمثل حوالي 60 % من الإمدادات العالمية بحلول عام 2023. ومن الجدير بالذكر أن بريطانيا تستورد 30% من حاجتها من الغاز الطبيعي من قطر.

الغاز والنفط أسلحة سياسية في يد روسيا

في اوروبا الشرقية يبحثون عن مصادر بديلة للغاز الروسي الذي انقطع مرتين عام 2006 و 2009 بسبب نزاعات تسعيرية وسياسية. في بداية عام 2006 قطعت روسيا امدادات الغاز الى اوكرانيا بسبب نزاعات سياسية.&

ولا تخفي موسكو موقفها ان الغاز والنفط ليسا فقط اسلحة اقتصادية بل اسلحة سياسية. ومنذ التسعينات تواصل روسيا استراتيجية الهيمنة على اسواق الغاز في اوروبا ويعتبر "خط الغاز الطبيعي "السيل الشمالي2" أحد المشاريع الهامة التي تقوم روسيا بتنفيذها وتعتبر الولايات المتحدة هذا المشروع خطة روسية لمعاقبة اوكرانيا التي تجني عائدات تصل إلى ملياري دولار سنويا من عبور الغاز الطبيعي الروسي عبر أراضيها إلى أوروبا. ويعتبر بعض المراقبون ان مشروع السيل الشمالي 2 هو مشروع سياسي أكثر منه اقتصادي.

هل تريد أوروبا البقاء تحت رحمة غازبروم؟

وقبل عامين في فبراير شباط 2016 وحسب مصادر صحيفة نيويورك تايمز اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات لتقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي الروسي في ظل تورط روسيا في صراعات مسلحة في سوريا واوكرانيا. وتعتبر الطاقة أمرا حساسا لأوروبا ولروسيا.&

وتعتمد أوروبا على عملاق الطاقة "غازبروم" لتلبية ثلث حاجتها من الغاز وتستفيد روسيا مدخولا كبيرا من اوروبا مقابل الغاز حيث تلبي روسيا أكثر من ثلث حاجة أوروبا من الغاز الطبيعي وبلغت صادرات الغاز الروسية لأوروبا 193.9 مليار متر مكعب عام 2017 بقيمة 37 مليار دولار كايرادات لغاز بروم.&

قامت بولندا وليثوانيا ببناء مرافيء لاستيراد الغاز من مصادر غير روسية. ولكن روسيا تعتمد على صادرات الغاز الطبيعي والنفط للحفاظ على ايرادات لميزانيتها وأوروبا هي اكبر مستورد للغاز الروسي لهذا ستعمل كل ما بوسعها للتمسك بالسوق الأوروبي. لا يمكن إخفاء الاهتمام الأوروبي بالغاز المسال الأميركي ولكن العائق الأكبر هو السعر. السؤال هل تستطيع اميركا التنافس مع روسيا وقطر في مجال الغاز الطبيعي المسال؟ وهذا له عواقب جيوسياسية وتأثير على العلاقات الأميركية الأوروبية كما يقول ترمب.

انتقادات الرئيس ترمب لألمانيا

في اوائل ابريل نيسان 2018 انتقد الرئيس الأميركي دونالد ترمب ألمانيا بحدة بسبب تأييدها لخط الغاز الروسي نورد ستريم 2 (السيل الشمالي 2)

وكانت السلطات الألمانية المختصة أصدرت ترخيصاً بتخصيص 31 كيلومترا من مياه المنطقة الاقتصادية للمشروع، ومن المنتظر أن تبدأ شركة تابعة لشركة غازبروم في الربيع المقبل البناء في هذه المنطقة.&

و"السيل الشمالي -2" هو مشروع لمد أنبوبين بسعة إجمالية تصل إلى 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويا من روسيا إلى ألمانيا مباشرة عبر قاع بحر البلطيق. ومن المفترض أن يبنى بموازاة خط الأنابيب "السيل الشمالي". وتبلغ حصة شركة "غازبروم" في المشروع 50%، ويملك كونسورتيوم مكوّن من 5 شركات طاقة أوروبية الـ 50% الأخرى في المشروع، 10% لكل منها. وتبلغ كلفة المشروع 8 مليارات يورو.

وحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية سيرتفع استيراد الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 20% بحلول 2040 من مستويات 2016. بينما روسيا هي أكبر مصدر للغاز الطبيعي في اوروبا الا انها تواجه تحديات تنافسية كبيرة من قطر والولايات المتحدة وكلاهما يمتلك احتياطات هائلة من الغاز الطبيعي.

ومن المؤكد أن أسواق الغاز الطبيعي المسال ستشهد في الأعوام المقبلة منافسة حادة بين روسيا والولايات المتحدة وقطر. والمستفيد الأكبر من المنافسة ستكون أوروبا التي تسعى لتقليل اعتمادها شبه الكلي على روسيا.