الكويت: في ظل إقليم ملتهب كان يتجه نحو الحريق الشامل والدائم، بدأت نذره وقتذاك تلوح في الأفق بين العراق وإيران، تاليا لإعتلاء الثورة الإسلامية في طهران سدة الحكم هناك، ومساعيها المكتومة حتى وقتذاك لتصدير الثورة الى الدول الخليجية، فقد وجدت الأخيرة نفسها مضطرة، لأن تنشئ فيما بينها مظلة تقيهم شر التقلبات السياسية في المنطقة، وتوحد قوتهم وكلمتهم، في إطار تنظيمي لمجابهة التحديات المقبلة.

وقد كانت الكويت التي تستضيف اليوم القمة الثلاثون لقادة مجلس التعاون الخليجي وراء فكرة إنطلاق العمل الخليجي، بيد أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي التي نالت إستضافة أول إجتماع للمنظمة على مستوى القادة، علما أن اللقاءات على مستوى القادة ظل يوازيها على الدوام لقاءات متكررة على مدى العام للجان فنية متخصصة مهمتها طبخ المهام والتشريعات والقرارات ورفعها الى القمة السنوية ليقرر القادة الموقف النهائي منها، إذ لم تسجل المنظمة أي إنقطاعات أو تراجع، بل بقيت صامدة رغم العواصف السياسية والإقتصادية في الإقليم، في وقت إنهارت فيه عدة منظمات دولية.

وفي الخامس والعشرين من شهر أيار (مايو) من العام 1981 قادة كل من دولة الامارات العربية المتحدة ، ودولة البحرين ، والمملكة العربية السعودية ، وسلطنة عمان ، ودولة قطر ، ودولة الكويت في اجتماع عقد في ابوظبي الى صيغة تعاونية تضم الدول الست تهدف الى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم في جميع الميادين وصولاً الى وحدتها ، وفق ما نص عليه النظام الاساسي للمجلس في مادته الرابعة ، التي اكدت ايضا على تعميق وتوثيق الروابط والصلات واوجه التعاون بين مواطني دول المجلس . وجاءت المنطلقات واضحة في ديباجة النظام الاساسي التي شددت على مايربط بين الدول الست من علاقات خاصة ، وسمات مشتركة ، وانظمة متشابهة أساسها العقيدة الاسلامية ، وايمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف ، وان التعاون فيما بينها انما يخدم الاهداف السامية للامة العربية النظام الاساسي .

ولم يكن القرار وليد اللحظة ، بل تجسيداً مؤسسياً لواقع تاريخي واجتماعي وثقافي ، حيث تتميز دول مجلس التعاون بعمق الروابط الدينية والثقافية ، والتمازج الاسري بين مواطنيها ، وهي في مجملها عوامل تقارب وتوحد عززتها الرقعة الجغرافية المنبسطة عبر البيئة الصحراوية الساحلية التي تحتضن سكان هذه المنطقة ، ويسرت الاتصال والتواصل بينهم وخلقت ترابطاً بين سكان هذه المنطقة وتجانساً في الهوية والقيم . واذا كان المجلس لهذه الاعتبارات استمرارا وتطويرا وتنظيما لتفاعلات قديمة وقائمة ، فانه من زاوية اخرى يمثل ردا عمليا على تحديات الامن والتنمية ، كما يمثل استجابة لتطلعات ابناء المنطقة في العقود الاخيرة لنوع من الوحدة العربية الاقليمية ، بعد ان تعذر تحقيقها على المستوى العربي الشامل .

وحدد النظام الاساسي لمجلس التعاون اهداف المجلس في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الاعضاء في جميع الميادين وصولا الى وحدتها ، وتوثيق الروابط بين شعوبها ، ووضع انظمة متماثلة في مختلف الميادين الاقتصادية والمالية ، والتجارية والجمارك والمواصلات ، وفي الشؤون التعليمية والثقافية ، والاجتماعية والصحية ، والاعلامية والسـياحية ، والتشـريعية ، والادارية ، ودفع عجلـة التقـدم العلمـي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية ، وانشاء مراكـز بحـوث علميـة واقامـة مشـاريع مشـتركة ، وتشـجيع تعـاون القطاع الخاص.

ويتكون مجلس التعاون الخليجي من الدول المطلة على ساحله، وهي أساسا تشمل العراق واليمن أيضا، لكن ظروف الحرب الإيرانية العراقية حالت دون أن ينضم العراق الى هذا الكيان السياسي، وسط محاولات سياسية تحظى بتحفظ بعض الدول الخليجية الى ضم العراق بشكل رسمي، بعد أن جرى إدخال العراق في مسابقة كأس الخليج لكرة القدم، وهي تظاهرة رياضية تقام كل عامين، وهو الوضع الذي ينطبق على اليمن أيضا إذ جرى السماح له خليجيا بالدخول الى المجالات الرياضية والصحية، إلا أنه لم يتبلور بعد المستوى السياسي لليمن في المنظومة الخليجية، وسط آراء خليجية تقول أن اليمن الضعيف المعبأ بالمشاكل السياسية والإقتصادية لن يقوي المنظومة الخليجية بل قد يضعفها، إذا ما إنشغلت الدول الخليجية الست بالسعي لإنقاذ الوافد الجديد الى عضويتها من أزماته المتكررة، وظروفه الصعبة.