عصام سحمراني : الأنصار والنجمة وجهان لعملة واحدة. الناديان البيروتيان اللذان لطالما كانا الركنين الرئيسيين للكرة اللبنانية ولطالما شكّلا قطبين متنافسين إلى حدّ العداوة بين جماهيرهما العريضة باتا في الخانة نفسها. فلنتفق على هذه الحقيقة ولا نختبئ خلف أصابعنا في البداية فآل الحريري باتوا يملكون الناديين البيروتيين العريقين.

وربّما كان الموضوع سيمرّ مرور الكرام لو كنّا نعيش في بلد علمانيّ أو في بلد ذي عرق طائفي واحد أو حتى لو كانت جماهير الناديين من الطائفة نفسها. لكنّ المشكلة هي عكس ذلك تماماً، وفي البداية لا بدّ من التأكيد على أنّ الناديين هما سنّيان على الصعيد الإداري بشكل شبه كامل تاريخياً وحاضراً. وفي هذا الإطارفإنّ نادي الأنصار يعتبر عريناً للجماهير السنّية في بيروت وباقي المناطق اللبنانية وخاصة الشمال السنّي رغم وجود قلّة من الجماهير الشيعيّة من مناصري النادي. أمّا نادي النجمة فإنّ شيعة بيروت والضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع يصبغون النادي بصبغتهم الطائفية التي تؤهّل النادي لأن يكون صاحب أكبر قاعدة جماهيرية بين النوادي اللبنانية في كرة القدم وفي باقي الرياضات أيضاً حيث يصل عدد جماهير الفريق في بعض المباريات داخل الملعب إلى 35 ألف مشاهد (المباراة الحاسمة أمام الحكمة عام 2002) بالإضافة إلى مئات الآلاف من المناصرين في لبنان وبلاد الإغتراب.

والسبب الرئيسي في الشعبية الكبيرة لنادي النجمة ينبع من خمسينات وستينات القرن الماضي التي تدفّق فيها الجنوبيون والبقاعيون إلى العاصمة بيروت للعمل في المرفأ على وجه الخصوص وفي وسط البلد في أعمال متعدّدة وانتشروا في أحزمة بؤس حولها سمّيت بالضواحي. وفي تلك الفترة برز إسم نادي النجمة البيروتي الذي تأسّس عام 1945 تجاه الأندية المسيحية والأرمنية التي كانت تسيطر على لعبة كرة القدم على شاكلة الشبيبة المزرعة، الهومنتمان، الهومنمن، والراسينغ. والنادي الأخير بالذات هو من وقف له النجمة ندّاً في فترة الستينات والسبعينات. وما زالت بعض الجماهير العتيقة تذكر المباريات التي كانت تقام بين الناديين وتشهد تنافساً كبيراً على صعيدي الملعب والمدرجات. إذاً فإنّ جماهير النجمة الشيعية قد ناصرت النادي السنّي إمتداداً من تلك الفترة تحت مبدأ: أنا وأخي على إبن عمّي وأنا وابن عمّي على الغريب.

وعلى الرغم من نشوب الحرب الأهلية عام 1975 وانطفاء جذوة quot;الدربيquot; بين ناديي النجمة والراسينغ، وتوقّف النشاطات الرياضية كافة منذ تلك الفترة فالنادي استمرّ قاعدة للجماهير الشيعيّة التي تدفّقت أفواج جديدة منها إلى بيروت مع الإجتياحين الإسرائيليين عامي 1978 و1982. وقد قامت تلك الجماهير بمناصرة النادي تجاه الموجة الجديدة من المنافسة التي اقتصرت على بيروت الغربية في ذلك الوقت وتمثلت بنادي الأنصار الذي تأسّس عام 1961 وجذب الجماهير السنّية إليه حيث أصبح من الفرق القويّة إبتداءاً من السبعينات حتى ولادة الإتحاد الجديد عام 1985الذي تبنى الأنصار إبناً شرعياً له لم ينافسه أيّ نادٍ آخر في حظوته تلك. وقد شهدت الدورات التي نظّمت قبل ولادة هذا الإتحاد منافسات كبيرة بين النجمة والأنصار كدورات الأضحى ورمضان و16 آذار وغيرها من الدورات المحلّية المرتبطة بالحالة الأمنية في ذلك الوقت.

ومع ولادة الإتحاد الجديد عام 1985 تجاه الإتحاد الأصلي الذي اقتصر على الأندية المسيحية في ذلك الوقت، وإسباغ الصفة الشرعية عليه خاصة مع ضمّه لأندية من كافة الطوائف كالنجمة والأنصار وquot;الرياضة والأدبquot; السنّية والصفاء الدرزي والشبيبة المزرعة المسيحي وشباب الساحل الشيعي. ومع تسليم أمانته العامة لرهيف علامة الصحافي quot;الدرزيquot; المقرّب من نادي الأنصار والذي استمرّ في منصبه حتى عام 2001؛ عام الفضيحة التي لم تسمح لنادي التضامن صور بنقل البطولة لأوّل مرّة خارج العاصمة بيروت فاتخذت إجراءات بحقّ النادي الذي اتهم بالتلاعب بنتائج المباريات منعت عنه الفوز بالبطولة التي ألغيت يومها، ولم يخف القرار السياسي الخاص بذلك المنع ومن ثمّ الإلغاء واستبعاد اللجنة العليا للإتحاد بأكملها وانتخاب لجنة جديدة مسيّسة بامتياز أيضاً.

إذاً فإنّ المنافسة بين النجمة والأنصار إتّخذت طابعاً أكثر عدائية بين الجماهير مع نيل الأنصار لكلّ بطولة أو كأس منذ تنظيم البطولة الأولى بعد الحرب ولغاية عام 2000 وقد سيطر الأنصار في تلك الفترة على بطولتي الدوري التي نالها 11 مرّة متتالية برقم قياسي عالمي والكأس التي نالها تسع مرّات. وترافق فوز الانصار في كلّ بطولة مع اتهامات بالجملة من قبل جماهير النجمة وباقي الفرق المنافسة وأحياناً إدارات تلك النوادي وإدارة النجمة بالذات تجاه إتحاد اللعبة. وقد برز هذا الأمر بشكل جليّ في عدد كبير من الأحداث نذكر منها على سبيل المثال إقدام جماهير السلام زغرتا في إحدى المباريات مع الأنصار على الإعتداء على جماهير الأنصار وتحطيم الباصات التي نقلتهم إلى ملعب المرداشية في زغرتا، وانسحاب عدد من فرق البطولة الأولى بعد الحرب بينها النجمة إحتجاجاً على التحيّز الواضح لصالح الأنصار الذي فاز يومها ببطولة وصل عدد فرقها النهائي إلى ثلاثة لا غير، وإقدام الجيش اللبناني بمرافقة فوج الإطفاء على قمع جماهير نادي التضامن بيروت (وفي معظمها نجماوية) في المباراتين النهائيتين لبطولة أوّل دوري بعد توحيد الإتحادين وقد فاز الأنصار في المباراتين يومها بعدما سجّل لاعبه فادي علّوش في المباراة الأولى هدفاً من تسلّل فاضح، وبعدما ضرب لاعبه عبد الفتاح شهاب الكرة بيده في المباراة الثانية وهو يتوجّه لتسجيل هدف. وتمتدّ سلسلة الأحداث لتشمل مقتل أحد مشجعي نادي الحكمة في ملعب بيروت البلدي أمام نادي الأنصار بعدما رمي من أعلى المدرّج في إحدى بطولات التسعينات التي شهدت توقيف الجماهير بقرار إتحادي عن دخول الملاعب بعد المباراة بين النجمة والأنصار التي قادها الحكم التونسي ناجي الجويني وتسبّب من خلال تحيّزه لصالح فريق الإتحاد quot;الأنصارquot; بنشوب عدد من حوادث الشغب التي امتدت إلى خارج حدود الملعب وأدّت إلى عدد من التوقيفات والجرحى. نتوّقف عند هذا الحدّ رغم أنّ سلسلة الفضائح الخاصة بتحيّز إتحاد الثمانينات والتسعينات لصالح الأنصار لم تتوقّف عند حدّ.

إذاً فالأمر ليس طبيعياً بتاتاً أن يسيطر آل الحريري على نادي النجمة بالذات وقد حاول رئيسه السابق الحاج عمر غندور طوال فترة رئاسته التي امتدت منذ ما قبل الحرب اللبنانية حتى فترة قريبة أن ينأى بالنادي عن المناوشات السياسية التي كان أركانها يحاولون جذب النادي إلى خانتهم لكسب ودّ تلك القاعدة الشعبية الواسعة. السيطرة الحريرية التي يمثلها الرئيس الفخري للنادي بهاء الدين الحريري النجل الأكبر للرئيس الراحل وشقيق رئيس تيار المستقبل النائب سعد الدين الحريري برز الإعتراض عليها جليّاً من خلال تناقص أعداد الجماهير المستمرّ وعزوفهم عن مشاهدة المباريات داخل الملاعب حتى وصل بهم الأمر إلى المقاطعة شبه النهائية في بعض مباريات البطولة الأخيرة. ومع ذلك فيبدو أنّ هذا الأمر لم يزعج أحداً في إدارة النادي التي لا تنتمي طائفياً وسياسياً إلى هذا الجمهور الشيعيّ وبفئتيه الأكبر؛ حركة أمل وحزب الله. وقد أشيع مع انتهاء الموسم أنّ الإدارة رفعت رسم إشتراك العضو السنويّ في الجمعية العمومية للنادي من مئة دولار إلى ألف دولار أمريكي quot;لتطفيش الأعضاء غير المرغوب بهمquot; بحسب ما أشيع.
أمام هذا الواقع كان لا بدّ من إعادة الفرحة إلى المناصرين الأساسيين لآل الحريري جماهير الأنصار السنّية البيروتية عبر نيل النادي لبطولتي الدوري والكأس. وللمصادفة الكاذبة بطبيعة الحال فإنّ استعادة الأنصار الذي يترأسه سليم دياب عضو الكتلة النيابية للرئيس الحريري في انتخابات عام 1996 لسطوته جاء بعد عودة الأمين العام للإتحاد رهيف علامة إلى منصبه بعد توقّف قسريّ استمرّ منذ عام 2001 لغاية عام 2004. وبعد تغيّر الأجواء والأحلاف السياسية التي أسّست لإتحاد عام 2001. يا للمصادفة!!
وقد جاء فوز الأنصار وخسارة النجمة للبطولتين عبر عدد من الخطوات quot;المفبركةquot; التي لم تمرّ على كثير من الجماهير التي فضّلت مقاطعة مهزلة كرة القدم اللبنانية نهائياً، فوصل الأمر في إحدى المباريات إلى وجود عشرات من المتفرجين فقط على مدرجاتها.

خطوات بدأت بتباين التحضير للفريقين؛ فالنجمة تخلّى في العامين الماضيين عن عدد من اللاعبين الجيّدين لصالح لاعبين لا يعادلونهم في المستوى، واستقدم هذا العام عدداً من اللاعبين المصابين أو الذين أهملوا عمداً بعد انضمامهم إلى النادي كهيثم زين وفيصل عنتر، بالإضافة إلى تراجع مستوى العديد من اللاعبين بسبب الفوضى الإدارية التي تلازم النادي والتي ترافقت مع عدم دفع مستحقّات اللاعبين المالية لفترة طويلة. ولا ننسى غياب اللاعبين الأجانب عن النادي في أكثر مراحل البطولة. فالنادي تعاقد مع لاعب واحد يشابه في مستواه اللاعبين اللبنانيين لا أكثر ومن ثمّ أتبعه بلاعب آخر لا يرقى حتى لمستوى اللاعبين اللبنانيين. ويضاف إلى ذلك تعاقد النجمة مع المدرّب التونسي عمر مزيان والتخلّي عنه قبل انتهاء البطولة للمرّة الثانية، وقد أثبت هذا المدرّب فشله لأكثر من مرّة.

أمّا الأنصار فقد توفّرت له هذا العام ميزانية ضخمة بعد فتح المزراب المالي الحريري عليه مجدّداً فتعاقد مع مدرّب عراقيّ جيّد هو عدنان حمد بالإضافة إلى عدد كبير من اللاعبين البارزين محلّياً واجنبياً استطاع النادي أن يهتمّ بأمورهم ويتعامل مع متطلباتهم على الشكل الأمثل.الخطوة الثانية كانت تحيّز الحكّام مع فريق الأنصار في العديد من المباريات. ويكفي أن نستعيد مباريات على شاكلة الأنصار ndash; التضامن صور على ملعب بيروت البلدي والتي تقدّم فيها التضامن بهدف يتيم سرعان ما عادله الأنصار وفاز بعدها بالمباراة بعد إضافة وقت ضائع مشكوك بصحته. ويشابه ذلك المباراة بين النجمة والأنصار بالذات في ربع نهائي الكأس حيث أضيفت 7 دقائق إلى المباراة سمحت للأنصار بتسجيل هدف التأهل. علماً أنّ الحكم الذي قاد المباراة يومها سيشارك في كأس العالم ويعدّ من الأفضل أوروبياً وهو السلوفاكي ميشال لوبوس. ولم تنس الجماهير بعد ما فعله ميشال لوبوس بنادي النجمة حين استعان به إتحاد التسعينات في بطولة عام 1997- 1998 حيث اتهم أكثر من مرّة بالتلاعب بنتائج المباريات وتوّجت هذه المرّات بالتعدّي عليه من قبل أحد لاعبي النجمة بالذات في مباراة أمام الأنصار حينها إتّهم فيها بالتحيّز.

الخطوة الثالثة كانت تواطؤ بعض الفرق لصالح الأنصار وتجاه النجمة، أو لصالح الفريقين معاً طالما أنّ هنالك إتفاقاً ضمنياً بينهما للمداورة ربّما أو لطرد الجماهير الشيعية من نادي النجمة وتنقية الأعراق الحريرية في الناديين. ونستعيد في هذا المقام المفارقة بين مباريات النجمة مع أيّ فريق آخر في البطولة والحماس الذي ينتاب الفرق للفوز على النجمة في مقابل التلكّؤ الواضح وقلّة الإندفاع في مباريات الفرق أمام الأنصار. وأوقف مدرّب النجمة من قبل إدارة ناديه بعد إتّهامه لنادي الصفاء بالتلكّؤ أمام الأنصار بالذات والحماسة الكبيرة التي أبداها أمام فريقه. وقد برز هذا الأمر جليّاً في المباراة ما قبل الختامية للبطولة بين النجمة والعهد والتي كان النجمة يحتاج فيها إلى أكثر عدد ممكن من الأهداف ليقلّص الفارق بينه وبين الأنصار الذي تقدّمه بثلاث نقاط قبل اختتام البطولة بمباراتهم معاً. فنادي النجمة تقدّم بثلاثة أهداف نظيفة لكنّه تلقّى هدفين قبيل انتهاء المباراة بقليل لتصبح النتيجة 3-2 لصالحه. لكنّ المفارقة أنّ لاعبي العهد رقصوا فرحاً داخل الملعب وشكروا ربّهم وصلّوا على محمّد وآله رغم أن لا ناقة لهم ولا جمل في تلك المباراة سوى عرقلة النجمة لا غير.
ليس غريباً بعدها أن يفوز لاعبو النجمة بألقاب هدّاف الدوري لعلي ناصر الدين وثاني هدّافي الدوري لعباس عطوي وأفضل لاعب في البطولة لعباس عطوي أيضاً وأن يكون لهم عدد من اللاعبين في التشكيلة المثالية في المهرجان الذي يقيمه القسم الرياضي في تلفزيون المنار سنوياً. فاللاعبون هم الأفضل في الساحة اللبنانية لكنّ السياسة أقوى بكثير منهم وكيف إذا ما اقترنت بمزاريب مالية، وبعودة مرحّب بها لإتحاد لم يرفع يوماً مستوى اللعبة في لبنان عمّا هو في سوريا أو الأردن حتى؟!!
تصبحون على رياضة..

[email protected]