بين الأبوة والصداقة
علاقة الشباب بأهلهم.. خطوط حمراء وبالخط العريض

نسرين عجب من بيروت: quot;إن أولادكم ليسوا لكم. إنهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم ولكن ليس منكم... أنتم الأقواس وأولادكم سهام حية قد رمت بها الحياة عن أقواسكمquot;. هكذا وصف جبران خليل جبران العلاقة بينهم. للأهل نظرة في الحياة، وكذلك لأولادهم. أجيال بينهم تجعل طريقة التفكير ونمط الحياة وأشياء أخرى كثيرة، مختلفة. وكل ما زاد الفارق في السن بينهم كلما أصبح البون شاسعًا.

كيف ينظر الشباب الى هذه العلاقة؟

quot;بالكاد أراهم، مع أننا نسكن في البيت نفسه. بين الجامعة والعمل، قلّما أجد الوقت لرؤيتهم، واذا وجدته نتحدث في العموميات، ولا أشاركهم مشاكلي لأن طريقة تفكيرنا مختلفة وهم لا يفهموني quot;. بهذه الكلمات يختصر رائد (21 عامًا) علاقته بأهله. ولا تختلف الحال عند أريج (25 عامًا) التي تصف علاقتها بهم بالتقليدية التي لا تخرج عن اطار الاحترام. أما عن الوقت الذي يمضيه معهم، فيقول بحزن: quot;تفصلنا مسافات، أنا في أميركا وهم في لبنان، وأتوق لرؤيتهم كل يوم، ولو للحظاتquot;.

واذا كانت علاقة رائد وأريج بأهلهم لا تخرج عن اطار الاحترام، فعلاقة سارة (25 عامًا) تتخطاها الى نوع من الصداقة quot;ولكن ضمن حدود، لأنهم لن يتفهموا وجهة نظري بسبب فارق العمرquot;. أما يامن (21 عامًا) فيصف علاقته بوالده بالممتازة من دون أن تتخطى حدود الأبويةquot;. كما هي بالنسبة إلى علاقة رنا (21 عامًا) بوالدتها: quot;أمضي معظم وقتي مع والدتي وأنا صريحة معها الى حد بعيد ولكن بالنسبة إلي الأصدقاء أصدقاء والأهل أهل، ولا يمكن أن يكون أحد في موقع الآخرquot;. ويشاركها الرأي سلمان (27 عاماً): quot;يقدمون لنا الحب ويضحون لأجلنا، قد يكونون أغلى من أصدقائي ولكني لا أرى فيهم أصدقاءquot;.

يبدو أن نضوج الشباب يؤدي دورًا أساسيًا في هذه العلاقة، اذ تختلف طريقة تفكيرهم ونظرتهم الى رؤية أهلهم للأمور، وما كانوا يعتبرونه أوامر يتمردون عليها في مطلع شبابهم تصبح نصائح يهتمون لسماعها بعد أن يختبروا الحياة. وتقول مايا (27 عامًا): quot;عندما كنت في سن المراهقة كنت أتشاجر دائمًا مع أهلي وأشعر أني أنا في وادٍ وهم في وادٍ آخر، ولكن بعد أن اختبرت الحياة ودفعت ثمن أخطاء كثيرة عاندت أهلي فيها، توصلت الى نتيجة أن الأهل في غالب الأحيان كمن يقف على قمة الهرم ويرى الاشياء بوضوع، فيما نحن الشباب نصعد درجات السلم والقمة شيء مجهول بالنسبة لناquot;. والنظرة مشابهة عند هاني (28 عامًا) الذي يصف علاقته بأهله بعلاقة الأرض بالأشجار، ومع أنه لا يقضي معهم الكثير من الوقت بحكم سفره الا أنه يتناقش معهم في كل أموره وحتى الشخصية.

هذه كانت نظرة الشباب الى علاقتهم بأهلهم، ولكن ما الذي يحكم هذه العلاقة برأيهم؟ معظمهم أجمع على أن الاحترام يلعب الدور الاساسي. وكان للبعض الآخر رؤية مختلفة، فسلمان مثلاً يعتبر أن هذه العلاقة محكومة بالمجتمع والعادات وطريقة تفكير الأهل والأبناء. أما يامن فيرى أن معاملة الأهل لأولادهم وطريقة تعاطيهم مع توجهاتهم وأفكارهم هي التي تحكم هذه العلاقة. بالنسبة لأريج، فهو يقارب الموضوع من زاوية مختلفة، وبنظره علاقة الأهل بأبنائهم يجب أن تكون شفافة وغير محكومة بأي شيء، لافتاً الى أنها يجب أن تكون مبنية على التفهم.

في المحصلة، العلاقة بين الشباب وأهلهم تطورت مع تقدم المجتمعات، ولكن يبدو أن الخطوط التي تفصل بينهم حمراء وبالخط العريض، اذ لكل منهم رؤيته في الحياة ويعتبرها الأصوب ويتمسك بها مما يوسع الفجوة بينهم أكثر. قد يكون كلاهما على حق وفق نظرته الى الأمور، ولربما الوعي هو أصوب طريقة للوصول الى قواسم مشتركة تخرج بالعلاقة من الجدية الى الصداقة.